بالنسبة إلى رئيس المخابرات الألمانية بي ان دي أوغوست هانينغ، فإن القبض على زعيم تنظيم (القاعدة)أسامة بن لادن مسألة وقت ليس أكثر. لكن هانينغ يشيرأيضا في تحليلاته إلى احتمال نجاح الرجل الذي يبحث العالم عنه على حد تعبير صحيفة (زود دويتشه) في الفرار مرة أخرى. الثابت بالنسبة إلى أجهزة الأمن الغربية والعربية أن أسامة بن لادن على قيد الحياة وهذا ما أكده قبل أيام ناطق باسم الحكومة الباكستانية. ويشاع أن زعيم (القاعدة) اجتمع خلال شهر فبراير/ شباط في مكان ما في باكستان مع الكويتي خالد شيخ محمد، الأمر الذي أكدته وثائق قيل انه تم العثور عليها عند مداهمة مخبأ خالد شيخ محمد في روالبندي قبل أسبوع كما يحتمل أن يكون هذا قدم معلومات إلى المحققين الأميركيين عن مخابئ بن لادن وطريقة عيشه تحت الأرض.
بالنسبة إلى المحققين الأميركيين بالذات، فإن ما صرح به الناطق الباكستاني يحمل لواشنطن أنباء جيدة وسيئة في وقت واحد. الأنباء الجيدة هي أن أسامة بن لادن على وشك الوقوع في قبضة متعقّبيه. أما الأنباء السيئة فإن زعيم (القاعدة) نجح دائما في الإفلات ويعتقد مسئولون في المخابرات الألمانية أن أسامة بن لادن يحظى بحماية أصدقائه الأشداء في باكستان. منذ العام 1996 تبحث وكالة الاستخبارات الأميركية السي آي إيه عن أسامة بن لادن، وصعدت عمليات بحثها بعد العام 1998 على إثر اتهام (القاعدة) بتفجير سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا.
وأمر الرئيس بيل كلينتون وقتذاك القوات المسلحة الأميركية بقصف معسكرات (القاعدة) في أفغانستان بالصواريخ ظنا منه بأن أسامة بن لادن موجود في واحد منها. غير أنه اتضح في وقت لاحق أن الأخير حصل على معلومات من أصدقائه في المخابرات الباكستانية بصورة مبكرة عن القصف الأميركي واختفى في مكان ما في باكستان. وعملت السي آي إيه على شراء مجموعة من ثلاثين من المجاهدين الأفغان السابقين لتعقب أثر زعيم (القاعدة) والإجهاز عليه على رغم أن القانون الأميركي في عهد كلينتون لم يكن يجيز الاغتيال السياسي لكن الولايات المتحدة كانت تسعى للخلاص من أسامة بن لادن بأي ثمن. بعد حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 طلب الرئيس بوش قطع راس (القاعدة) وكان يعني القضاء على أسامة بن لادن ومعاونيه. على رغم أن بن لادن كان في ذلك الوقت يعاني من مرض شديد بالكلى وعلى رغم أن الولايات المتحدة وضعت مكافأة قيمتها 25 مليون دولار للقبض عليه وعلى رغم سهولة التعرف عليه بين مئات المقاتلين بسبب طول قامته فإنه ظل بعيدا عن منال متعقبيه الذين قاموا خطأ بقتل ثلاثة مواطنين أفغان أبرياء بصاروخ لأن أحدهم كان يشبه أسامة بن لادن.
وحين أغارت الطائرات الحربية الأميركية الضخمة على جبال تورا بورا في ديسمبر/ كانون الأول 2001، كان الأميركيون يعرفون أن أسامة بن لادن مختبئ في مكان ما في هذه الجبال، لكنه نجح مرة أخرى في الإفلات بيد أن الأميركيين استخدموا أكبر حجم من القنابل وقام المتعاونون الأفغان بإغلاق المنافذ المهمة في هذه المنطقة التي كان المجاهدون يختبئون فيها خلال الحرب ضد القوات الروسية واختفى أثر زعيم (القاعدة) مرة جديدة. قبل أكثر من عام، وبعد وقت قصير من بدء الغارات الجوية الأميركية على جبال تورا بورا، صرح الرئيس الباكستاني بيرفيز مشرف الذي اشترت واشنطن موافقته على التحالف معها ضد الشركاء السابقين، الطالبان و(القاعدة)، بأن زعيم (القاعدة) توفي على الأغلب متأثرا بمرض الكلى. ويعتقد أن الرئيس الباكستاني أخذ في الحسبان تعرضه لغضب المتطرفين الإسلاميين في بلده الذين رفعوا أسامة بن لادن إلى مرتبة القديسين. لكن على ما يبدو أن مجموعة من أهم الموظفين في أجهزة الدولة الباكستانية كانت لديهم معلومات أكثر دقة. وتعتقد المخابرات الألمانية وأجهزة أمنية أوروبية أخرى أن زعيم (القاعدة) أقام فترة داخل باكستان وربما مازال فيها وأنه يحظى بحماية عملاء المخابرات الباكستانية الذين كانوا في السابق يتعاونون مع الطالبان. الآن تعتمد الولايات المتحدة على المعلومات التي بدأ خالد شيخ محمد (38 عاما) يقدمها تارة تحت وطأة التعذيب لأن استجوابه يجري خارج الأراضي الأميركية وتارة تحت وطأة أدوية تجبر الإنسان على تقديم معلومات يحجبها عن الآخرين. و هذا الرجل هو الثالث في تنظيم (القاعدة) بعد أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، ويعتبر العقل المدبر لهجوم الحادي عشر من سبتمبر/أيلول على نيويورك وواشنطن. حين استيقظ خالد شيخ محمد الذي يجيد اللغتين الإنجليزية والأردية إلى جانب العربية من سباته فجر مطلع مارس /آذار الجاري، شعر مدير السي آي إيه جورج تينيت بأنه حقق انتصارا كبيرا يستدعي إيقاظ بوش من نومه. وأمر بوش على الفور إبلاغ الرأي العام الأميركي بأهمية هذا الانتصار. منذ ذلك اليوم يأمل رئيس الولايات المتحدة تحقيق الانتصار الأكبر بإلقاء القبض على أسامة بن لادن.
وقامت طائرات أميركية برمي مئات من المنشورات التي تذكر المواطنين بقيمة المكافأة لمن يرشد إلى مكان زعيم (القاعدة) والبالغة 25 مليون دولار. واضطر البيت الأبيض على مضض إلى تكذيب نبأ إلقاء القبض على اثنين من أبناء زعيم (القاعدة). بالنسبة إلى الأميركيين وقع خالد شيخ محمد في قبضتهم في مرحلة مهمة، فمنذ إلقاء القبض على اليمني رمزي بن الشيبة الذي كان يشرف على خلية محمد عطا في مدينة هامبورغ، لم يحدث تطور آخر وخصوصا أن وجود خالد شيخ محمد حرا طليقا كان يهدد بوقوع أعمال عنف جديدة. تعتقد المخابرات الألمانية أن خالد شيخ محمد لم يقدم معلومات مفيدة عن مكان أسامة بن لادن. وقد تم العثور في مخبأ الأول على مجموعة من (كاسيتات) الكمبيوتر وأجهزة الهاتف النقال تم نقلها على عجل إلى واشنطن إذ يعمل منذ زمن بعيد فريق مؤلف من أكثر من مئة شخص في تعقب أثر أسامة بن لادن ويجري فحص الغنيمة التي عثر عليها بحوزة خالد شيخ محمد لتقفِّي أثر زعيم (القاعدة).
منذ وقت يتفق المحققون في ألمانيا والولايات المتحدة على أن أسامة بن لادن لم يلجأ إلى إيران ولا إلى اليمن أو إلى السعودية بعد فراره من منطقة جبال تورا بورا في ديسمبر/ كانون الأول 2001 وإنما لجأ على الأبعد إلى مناطق على الحدود الطويلة بين أفغانستان وباكستان إذ لجأ قبله مسئولون في التنظيم منهم أبو زبيدة المصري الذي ألقي القبض عليه في فيصل آباد ورمزي بن الشيبة في كراتشي. ويقول رئيس المخابرات الألمانية، هانينغ، إن أسامة بن لادن مازال يملك ملايين الدولارات التي تساعده على شراء متعاونين يساعدونه على الفرار والاختباء عن أعين متعقبيه
العدد 189 - الخميس 13 مارس 2003م الموافق 09 محرم 1424هـ