العدد 189 - الخميس 13 مارس 2003م الموافق 09 محرم 1424هـ

أميركا قد تضع قوات حفظ سلام على نهر الأردن

في حال نجاح خطة احتلال العراق

محمد دلبح comments [at] alwasatnews.com

.

ناقش مسئولون أميركيون وأعضاء كبار في الكونغرس الأميركي وحكومة الرئيس جورج بوش عددا من السيناريوهات التي يمكن أن تساعد في حل الصراع العربي الصهيوني في المرحلة التي تعقب غزو القوات الأميركية للعراق والإطاحة بنظام حكمه، تشمل نشر قوات أميركية في فلسطين وعلى طول وادي الأردن الذي يعتبره الكيان الصهيوني حيويا ويطالب به الفلسطينيون ليكون جزءا من كيانهم المستقل. وقال مسئولون أميركيون إن وجود قوات أميركية على طول نهر الأردن سيلبي احتياجات الأمن الإسرائيلي من دون مواجهة مقاومة فلسطينية.

وعلى رغم أن حكومة بوش سبق أن قالت إنها ليس لديها خطط نشطة لوضع قوات حفظ سلام أميركية في الضفة الغربية وغزة للفصل بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني، فإن هذا لم يمنع من تزايد الدعوات في أوساط السياسيين الأميركيين وفي الكونغرس التي لا ترى مانعا في إرسال قوات أميركية لحفظ السلام في فلسطين المحتلة. وكانت مثل هذه الدعوات قد ازدادت في أعقاب موافقة رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات أن يقوم سجانون أميركيون إلى جانب بريطانيين بحراسة معتقلين فلسطينيين لدى سلطة الحكم الذاتي تطلبهم «إسرائيل» لضمان بقائهم في السجن وعدم تهريبهم في المستقبل.

وقد أثار اقتراح نشر قوات أميركية في الضفة الغربية وقطاع غزة العضو الجمهوري البارز في مجلس الشيوخ - عن ولاية نبراسكا - تشاك هاجل المقرب للرئيس بوش، في ندوة عقدتها أخيرا مؤسسة كارنيغي للسلام، بواشنطن إذ دعا الولايات المتحدة إلى أن توسع وجودها العسكري في المنطقة العربية كجزء من التزاماتها تجاه المنطقة. وقال «يجب أن نكون مستعدين لاحتمال توسيع نطاق قوات حفظ السلام الأميركية والدولية في الشرق الأوسط وفي مناطق أخرى من العالم». معتبرا أن ذلك «يمكن أن يشمل في نهاية المطاف الحدود بين إسرائيل ودولة فلسطينية جديدة - عندما يكون هناك في النهاية سلام للمحافظة عليه بين إسرائيل والفلسطينيين. وأن هذا البرنامج لانخراط أميركي موسع في الشرق الأوسط تستدعيه الضرورة وليس الطموح». وقال «إن الأمر يتطلب أن يقضي جنود أميركيون وقتا في حقبة ما بعد صدام للبحث عن وتدمير أسلحة العراق ذات الدمار الشامل، والحفاظ على النظام والمساعدة في الإبقاء على حكومة جديدة».

وكان هاجل طرح هذا الموضوع لأول مرة في مقابلة تلفزيونية يوم الرابع عشر من شهر إبريل/نيسان الماضي أعرب فيها عن تأييده لإرسال «قوات أميركية أو من حلف الناتو» إلى فلسطين المحتلة.

وذكر مصدر مطلع في الكونغرس «إن هناك نقاشا بشأن ما إذا كان ينبغي على الولايات المتحدة أن تنخرط بصورة مباشرة عسكريا في المنطقة أو الاعتماد على حلفائها. وهناك شعور لدى بعض الشخصيات البارزة في الكونغرس بأن الجهود الفاشلة لحشد حلفاء عرب ضد العراق يعني أن على الولايات المتحدة أن تقوم بذلك بنفسها في المنطقة».

وقال مسئولون أميركيون إن حكومة بوش لم تقر أي اقتراح لوضع قوات أميركية في الضفة الغربية وغزة، إذ أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عارضت نشر قوات أميركية في الأراضي الفلسطينية خشية أن تصبح هدفا للثوار الفلسطينيين.

وكانت دراسة عسكرية داخلية قد كشف النقاب عنها قبل يوم واحد من هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 تعرضت لها نيويورك وواشنطن، تقول إن حفظ السلام في فلسطين المحتلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين يحتاج على الأقل إلى عشرين ألف جندي مسلحين جيدا. وتتحدث الخطة التي تقع في 68 صفحة عن كيفية إجراء عملية حفظ السلام في العام الأول من وجود هذه القوات وإقامة وتطوير الدولة الفلسطينية الجديدة. وقد وضعت الخطة في العام الماضي مدرسة الجيش للدراسات العسكرية المتقدمة (سامس) وهي مركز تدريب ومعلومات في كينفويرث في كنساس.

وتتحدث الدراسة عن كيفية إجراء العملية الرئيسية في العام الأول بوجود قوات حفظ سلام في غزة والخليل والقدس ونابلس. وسيكون أحد الأهداف الرئيسية «تحييد الأجنحة المنشقة في القيادة الفلسطينية ومنع العنف الفلسطيني الداخلي».

ومن المعروف أن الجيش الأميركي يقوم بتحديث الخطط السرية الخاصة بالطوارئ في حالة كون قوات حفظ السلام الدولية جزءا من خطة سلام شاملة في المنطقة. وتوفر هذه الخطة نظرة شاملة على ما يمكن أن يستتبع مثل هذه الخطط.

وكان وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد قال مرارا إنه لا توجد لدى الحكومة الأميركية خطط لوضع قوات أميركية بين الفئات المتحاربة. ولكن منذ تصاعد العنف فإن المزيد من الأصوات في هذا النقاش بدأت تقترح بأن الحاجة تتطلب فريقا من نوع ما لتطبيق السلام بقيادة الولايات المتحدة.

وكانت هذه الفكرة بدأت تتعزز في أوساط الكونغرس الأميركي في وقت مبكر من العام الماضي. ونسب العضو الجمهوري اليهودي البارز في مجلس الشيوخ الأميركي ألين سبكتر إلى المبعوث الأميركي الخاص للمنطقة الجنرال المتقاعد أنتوني زيني قوله «هناك خطة - إذا احتاج الأمر- لوضع عدد محدد من قوات حفظ السلام في المناطق التي تحتلها إسرائيل». وقال سبكتر في مطلع شهر إبريل 2002 ردا على سؤال إن كان يستطيع أن يتصور وجود قوات أميركية على الأرض «إذا كان لنا أن نثبت الاستقرار في الوضع - وهذا عامل حاسم - فهذا أمر سأكون راغبا في النظر فيه». أما رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، الديمقراطي جوزيف بايدن فقد أضاف إلى قول زميله «أقول نعم في هذا السياق وبوجود قوات أوروبية أيضا». كما أن زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ توم داشل قال يوم الثامن والعشرين من شهر إبريل 2002 إن هذا هو قد يكون الوقت المناسب لإرسال قوات حفظ سلام، وأن «وجودا أميركيا ربما يكون الطريق الوحيد لجلب الاستقرار» في فلسطين.

ويثبت التاريخ القريب لعمليات حفظ السلام أنها تأخذ في الغالب قوة نيران ومكانة أميركية لكي تنجح هذه العمليات. فقد قامت الأمم المتحدة بمحاولات عقيمة لوقف هجمات الصرب على مسلمي البوسنة، فدخلت الولايات المتحدة المعمعة بقصف أهداف الصرب وتحقيق اتفاق دايتون للسلام التي لا تزال تعدم من جانب الجنود الأميركيين على الأرض. كما أن هناك قوات أميركية في كوسوفو ودور محدود لقوات أميركية في مقدونيا.

وقد سبق لمستشارة الرئيس بوش للأمن القومي كوندوليزا رايس أن أعلنت أن من السابق لأوانه الحديث عن قوات عسكرية أميركية في الضفة الغربية وغزة على غرار كوسوفو. لكنها قالت في مقابلة مع شبكة التلفزيون الأميركية «سي إن إن» يوم الرابع عشر من إبريل 2002، إنه تم إرجاء مثل هذا الوجود إلى توافر الظروف المناسبة.

وتحاول دراسة «سامس» أن تتنبأ بالأحداث في العام الأول من عملية حفظ السلام المقترحة والأخطار التي ستواجهها القوات الأميركية. وتصف الخطة القوات الإسرائيلية المسلحة بأنها أشبه بقرد أفريقي سفاح يزن نحو 250 كيلوغراما في إسرائيل وهي مسلحة تسليحا جيدا ومدربة وتعمل في غزة والضفة الغربية. والمعروف أنها تتجاهل القانون الدولي لتحقيق مهمتها. ومن غير المحتمل جدا أن تطلق النار على القوات الأميركية.

غير أن الدراسة قالت إن جهاز الموساد (الاستخبارات الإسرائيلية الخارجية) متوحش ولا يعرف الرحمة وماكر ولديه قدرة على استهداف القوات الأميركية وجعل الأمر يبدو وكأنه عمل فلسطيني عربي.

ووصفت الدراسة الشباب الفلسطيني بأنهم «مدافع فضفاضة لا سيطرة عليها، وهم في بعض الأحيان عنيفون».

وشارك في وضع الدراسة 60 ضابطا وصفوا بـ «فرسان جيدي» وهو وصف يطلق على طلبة سامس في السنة الثانية من تدربهم. وقد أثارت الانتفاضة وأعمال القتل الإسرائيلية ضد الفلسطينيين اسئلة عن نوع القوة التي ينبغي أن تعمل هناك لحفظ السلام. وفي الماضي قام مركز «سامس» بوضع دراسات لرئاسة أركان الجيش الأميركي وهيئة رؤساء الأركان المشتركة للقوات الأميركية، وساعد «سامس» في وضع خطة هجوم قوات التحالف البري الذي أخرج القوات العراقية من الكويت في فبراير/شباط 1991.

وتضع هذه الدراسة عن المنطقة أهدافا يتعين على قوة حفظ السلام أن تنجزها في الثلاثين يوما الأولى من مهمتها. وتشمل هذه الأهداف «إيجاد ظروف لتطوير الدولة الفلسطينية والأمن لإسرائيل. وهذا سيساعد في إعطاء الصفة الشرعية لقوة حفظ السلام. ويشجع النمو الاقتصادي والاستثمار الأميركي في فلسطين. وضمان توزيع متساو للمساعدة وتشجيع المصالحة بين الكيانات القائمة على قبول هويات وطنية جديدة، وبناء علاقة خاصة دائمة ترتكز على حدود شرعية جديدة وليس على ادعاءات دينية إقليمية» (أي في الأراضي). ولا تضع خطة «سامس» نظاما كاملا للمعركة بالنسبة إلى العشرين ألف جندي أميركي. وقال مصدر في الجيش الأميركي استعرض الخطة إن كل لواء من ثلاثة ألوية بحاجة إلى نحو 100 عربة مدرعة من نوع برادلي و 25 دبابة و12 مدفع هاوتزر ذاتي الارتداد إلى جانب طائرات مروحية هجومية من طراز أباتشي وطائرات تجسس من دون طيار من نوع كايوا. وقد أيدت السلطة الفلسطينية الدعوات من أجل قوة دولية، ولكن تل أبيب عارضت الفكرة.

ويقول غلاف الدراسة-الخطة، إنها وضعت لهيئة رؤساء الأركان المشتركة للقوات الأميركية، ولكن الميجر كريس غارفر، الناطق باسم «سامس» قال إن واشنطن لم تطلب الدراسة بل هي مجرد «تمرين أكاديمي»، وأضاف «إنهم يحاولون أخذ وضع راهن ويحصلون على تدريب منه».

وتتحدث الدراسة عن خمس مجموعات عربية وصفتها بـ «إرهابية» يمكن أن تستهدف القوات الأميركية بالاغتيال أو أخذ رهائن منهم. وتوصي الدراسة بـ «الحياد في القول والعمل» كسبيل لحماية الجنود الأميركيين من أي هجوم. وتقول الدراسة إن سورية ومصر والأردن يجب أن تحذر «بأننا سنتصرف بحسم ردا على أي هجوم خارجي».

ومن غير المحتمل أن أيا من الدول الثلاث ستشن هجوما. وقالت الدراسة عن الجيش السوري إنه «أكبر من حيث الكم من قوات الجيش الإسرائيلي ولكنه ينظر إليه إلى حد كبير بأنه أقل منها من حيث النوعية. ومن المحتمل أن يقدم السوريون دعما ماليا وسياسيا للفلسطينيين وزيادة الدعم السري لأعمال الإرهاب عبر لبنان».

أما عن الجيش المصري فإن الدراسة قالت إن «المصريين يحتفظون أيضا بجيش كبير ولكن ليس أمامه الكثير ليكسبه بمهاجمة إسرائيل».

ولم تحدد الدراسة - الخطة نظاما كاملا لمعركة. وقالت إن أسلحة غير قاتلة ستستخدم لقمع الاضطراب. وأضافت أن القيادة الأميركية الأوروبية التي يرأسها القائد الأعلى للحلفاء في حلف الناتو ستشرف على عملية حفظ السلام. وسيحتفظ القادة بمناطق عمليات حول نابلس والقدس والخليل وقطاع غزة.

ويقول المحلل في مؤسسة هيرتيج اليمينية في واشنطن، جيمس فيلبس إنه سيكون من الخطأ وضع قوات حفظ سلام في فلسطين المحتلة في ضوء السجل السيئ للمراقبين السابقين. مضيفا أنه «بشكل عام فإن سياسة الحكومة الأميركية هي عدم تشجيع وجود أميركي كبير، ولكن هناك شائعات ان من أحد الاحتمالات هو توسيع دور الـ سي آي إيه».

ويذكر أن المعلق في صحيفة «نيويورك تايمز»، توماس فريدمان كان دعا في مقالين نشرهما في العام الماضي إلى وضع الضفة الغربية وغزة تحت إشراف قوات حفظ سلام تابعة لحلف الناتو تمهد لإقامة دولة فلسطينية. وهو الأمر الذي يتفق مع ما ذهبت إليه دراسة «سامس»

العدد 189 - الخميس 13 مارس 2003م الموافق 09 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً