بعد رحلة امتدت سبع سنوات قضاها مفتشو الأمم المتحدة بحثا عن اسلحة الدمار الشامل العراقية، ذرعوا خلالها أرض العراق طولا وعرضا، مسنودين وموجهين ومجهزين بمختلف اجهزة التجسس والتصنت والكشف الاميركية ذات التكنولوجيا السرية المتطورة التي تنفرد بأسرارها اميركا، تمكنوا من تدمير كل ما وقع تحت ايديهم من أسلحة.
ومثل هذه الاجهزة تعتمد عليها اميركا في مهمات اصعب وأكثر تعقيدا من مشكلة العراق، ذات المهمات المختلفة، القادر بعضها على تسجيل ارقام السيارات من على ارتفاعات شاهقة، والمتمكنة من رصد حركة النمل والتصنت على حديثها.
وعلى رغم كل ذلك بقيت في بلعوم بوش غصة نكدة لا يستطيع لها ردا ولا دفعا، تسوط ظهره وتؤرق جفنه، وستبقى حتى لو تخلص العراق من اسلحته بطريقة سلخ جلد جسده.
وهكذا نخلص إلى انه ليس امام بوش من وسيلة لحل ازمته الناشبة اظفارها في بلعومه مع السلاح العراقي إلا مخرج واحد لا ثاني معه، وهو ان يشعل الكون حربا نازية صليبية سوف لن تبقي ولن تذر، مدفوعا بتأثير غصته الكارثية، ما حدا ببعض المسئولين في إدارته وفي معيتهم حليفه «طوني بلير» إلى أن يدلوا بتصريح بليد خال من اية لباقة دبلوماسية «إننا لسنا بحاجة إلى دليل لشن الحرب ضد العراق»، لأن الدليل ـ وبحسب قناعاتنا التاريخية الثابتة التي سنأتي على ذكرها ـ اكبر من قدرات الرئيس على تجاوزه، ومن هنا أصبحت مهمة مساعديه وحليفه بلير ان يسعوا بكل وسائل الكذب والخداع والمراوغة واللف والدوران والنفاق والتهديد، واخيرا الاغراء والتلميح بتوزيع حصص النفط العراقي على من معنا وحرمان من ليس معنا!...
وعلى رغم ان النفط يشكل جزءا لا يتجزأ من حقيقة تآمرية تاريخية، ليست لأميركا في دهاليزها المظلمة ناقة ولا جمل، ذلك ان اميركا تحصل على كل ما تريده من النفط العراقي وغيره من نفط المنطقة، في ظل أمن وأمان واستقرار عالمي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن التاريخ الاميركي الذي استعرضنا جانبا منه على عجل في دراستنا التي نشرتها هذه الصحيفة في 20/2/2003، تحت عنوان «أميركا تنفذ المخططات الاسرائيلية وفي امواجها ستموت»، لم يحمل ما يشير إلى تطلع اميركا إلى استعمار العالم، واستعباد شعوبه واخضاع حكوماته، والسيطرة على مقدراته والتحكم في مصيره، ذلك ان مثل هذه التطلعات ملازمة للكيان الإسرائيلي، ويعج بها التاريخ الصهيوني.
ومن هنا تفرض الضرورة ان نقتفي جذور الاسباب التي ادت إلى تحول السياسة الاميركية الانسانية، وحرف مبادئها الاخلاقية التي اسس لها الرواد الاوائل، والمحررين الشرفاء، إلى هذا التوجه الشيطاني، ودفعت برئيسها بوش إلى أن يهدد بضرب العراق بالاسلحة الذرية، وتتجاوب معه (سيدة البيت الابيض) «إسرائيل» بإعلانها إزالة العراق من على خريطة الوجود.
كيف يمكن للعالم ان يتعامل باطمئنان مع بوش الذي يتبجح ويدَّعي انه يريد ان ينزع اسلحة صدام حسين، ذات التدمير الشامل، ليجنب العالم شروره، حسبما يدعي، وفي الوقت ذاته يهدد هو من جهة، و«إسرائيل» من جهة أخرى بمسح العراق من على خريطة الوجود بالاسلحة الذرية؟!... فأي نوع من التناقض المتقاطع الذي يعيشه بوش المنفلت عقله من عقاله، إذ يبدو كما لو قد اصيب بمس من الجنون جعله يهذي بما لا يعني، ويرفض حتى مجرد الاستماع إلى آراء الآخرين، وانه بهذا السلوك انما يؤكد انه منفذ للمخططات اليهودية العالمية المتطلعة إلى حكم العالم، جهة الحكم الحقيقية وصاحبة السلطان المطلق على أميركا، ومع هذه الحقيقة التاريخية التي سنتناول تفاصيلها، يكون بوش قد جعل من أميركا وشباب أميركا وشعب أميركا مجرد «الطلقة والضحية» على مذبح المؤامرات والمطامع اليهودية الرأسمالية الصهيونية.
وعلى ضوء ذلك فليس أفضل ما نسلط عليه الاضواء، لكشف حقيقة «الهذرة» التي حشر بها بوش العالم وفضح رؤوس البشرية، وتحديد حجمه الحقيقي، ودوره في إدارة الأزمة العراقية الحالية التي لا يهم بوش ان يلقي بالعالم في ظل تداعياتها الخطيرة والتي في ظلها سيحرق بوش نفسه ومعه أميركا، من نقل النصوص التاريخية الآتية:
«فقد استطاع اليهود باتباعهم لجميع الطرق الملتوية أن يسيطروا على الولايات المتحدة ومعها هيئة الامم المتحدة التي يشغلون فيها أهم المناصب. إن المرشحين لرئاسة الجمهورية في اميركا يتبارون لكسب ود اصغر يهودي، وقد لا نغالي إذا قلنا ان الولايات المتحدة (ربيبة إسرائيل) وليس العكس، وان رئيس وزراء إسرائيل هو الذي يرجح كفة المرشح ليغدو رئيسا، والرئيس الامريكي ما هو إلا افضل قارئ لما يكتبه مستشاره اليهودي». (راجع كتاب «حكومة العالم الخفية» - تأليف شيريب سبيربدوفيتش - ترجمة مأمون سعيد، ص 31، 32).
على أن الضرورة البحثية تتطلب منا ان نسوق الدليل لاثبات صحة ما نقلناه، نستقيه من منابعه وأصوله، ومن النص الآتي نسوق الدليل:
«وسيكون الحكام الذين سنختارهم نحن من الشعب الذي غلبناه على أموره، حكاما ذوا قدرات ملائمة لاستعبادنا لهم ولتمام الطاعة لنا وفق معايير صارمة وضعناها لتحقيق هذه الغاية. إنهم لن يكونوا ذوا حنكة وخبرة في فنون الحكم ليكون من السهل ان يصبحوا مخالب يأيدي رجالنا الحكماء العباقرة الذين سيكونون مستشارين لهم وخبراء مدربين منذ نعومة أظفارهم على التمرس بفنون تصريف شئون حكومة العالم، حكومتنا العالمية». (راجع البرتوكول الثاني - ترجمة ودراسة وتقديم «علي الجوهري»)
ونضيف إلى ما سلف من ظواهر النفوذ اليهودي، الذي يشكل حكومة عليا داخل الحكومة الاميركية، بحيث تبقى الحكومة الاميركية حكومة واجهة وقناعا يختفي وراءه وجه الشيطان اليهودي الخطير الذي يهدد السلم والامن العالميين...
كيف يستخدم اليهود سلطانهم؟
«هناك منظمتان مهمتان كل الاهمية بالنسبة إلى اهدافهما الخفية وإلى حقيقة ما لهما من قوة. وهما: (منظمة كهيلا نيويورك) و(اللجنة اليهودية الاميركية). وتعتبر المنظمة الاولى اقوى العوامل في حياة نيويورك السياسية، إذ انها المنظمة التي تفرض اليوم نفوذا ضخما على بقية ارجاء العالم... وهذه هي القوة المركزية، بل هي الحكومة الداخلية، التي تعتبر قراراتها قوانين وأعمالها تعبيرا رسميا عن اهداف اليهود. وهي تقيم الدليل الواقعي والكامل على وجود حكومة داخل حكومة في قلب اعظم المدن الاميركية وأقواها سياسيا... وهذا يعني بكلمة اخرى أن الحكومة اليهودية في نيويورك تؤلف الجزء الاساسي في الحكومة اليهودية للولايات المتحدة».
«وتحمل (كهيلا) المعنى نفسه الذي تحمله (كاهال) وهي التي تعني (المجتمع) أو (الجمعية) أو (الحكومة)... و(كهيلا نيويورك) هي اقوى وأضخم اتحاد لليهود في العالم، فهي قلب السلطان اليهودي العالمي الذي تحوَّل إلى هذه المدنية». (راجع كتاب «اليهودي العالمي - المشكلة الاولى التي تواجه العالم» - لـ «هنري فورد» تعريب «خيري حماد» ص 185، 186)... ومن المصدر ذاته، نسوق مزيدا من الدلائل:
النفوذ اليهودي
في السياسة الأميركية
«إذا كانت ثمة خصلة تجتذب اليهود، فهي السلطان. فحيثما يكون مركز السلطان نرى اليهود يتكأكأون بخنوع وذلة. ولما كانت تاماني (أقوى منظمة سياسية عرفتها الولايات المتحدة في تاريخها) هي السلطان بعينه، وهي المنفذ إلى السلطان ايضا، فقد كان من الطبيعي، بالنسبة إلى اليهود في اكبر مدينة يهودية في العالم ان يحاولوا التقرب اليها... وعندما ذهب المالي اليهودي الألماني شونبرغ إلى اميركا متنكرا باسم اوغست بيلمونت لتمثيل مصالح آل روتشيلد، نفذت عينيه الثاقبتين إلى حقيقة الوضع فأدركتاها. وسرعان ما غدا عضوا في تاماني ومؤيدا لها... وغدا زعيمها العظيم. وفتح بيلمونت - شونبرغ الطريق امام اليهود الآخرين من امثال آل فريد مان وآل اونترماير وشتراوس، وغيرهم من الماليين والسياسيين ورجال الاعمال وممثلي النقابات. وسرعان ما تبع ذلك تعيين اليهود بالجملة في المناصب القضائية في نيويورك حتى غدت المدينة وقفا سياسيا وقضائيا على اليهود، وانتقلوا من ذلك إلى السيطرة على المحكمة العليا إذ غدا النفوذ اليهودي واضحا فيها».
«ويبدو ان الحزب الجمهوري هو المكان السياسي الطبيعي لليهود... وكما غدت اليهودية قوية في تاماني، أصبحت اقوى أيضا في صفوف الحزب الجمهوري... واذا حدث بعد انتخابات رجل او جماعة، أن الفائز أو الفائزين عصى الطاعة على السيطرة اليهودية فإننا سرعان ما نسمع بوجود (فضائح) و(تحقيقات) و(عقوبات) وكلها تهدف إلى التخلص من الفائز الذي عصى».
«ومن الطبيعي ان يكون الرجل ذا «الماضي» أكثر الادوات إطاعة للسيطرة اليهودية...».
«ومن المعروف تماما ان إدارة اليهود للحملات الانتخابية الاميركية تدار دائما بصورة بارعة، بحيث اذا فاز من فاز من المرشحين، فإن الادلة تكون متوافرة للطعن به في حال اضطرار سادته اليهود إلى هذا الطعن...».
ولعل من المناسب ان نختتم جولتنا البحثية بالاقتباس من المرجع الآتي لما له من قوة إقامة الدليل القاطع، إذ تأتي الشهادة من الاهل على مدى السلطان اليهودي داخل اميركا، وهو:
«المال هو إله اسرائيل المطماع، ويعتقد اليهود أنه لا ينبغي معه لأي إله ان يبين... (السفتجة)، هذا هو الإله الحقيقي لليهود».
«لقد اتخذت السيادة اليهودية... تعبيرا طبيعيا واضحا وضوحا مطلقا في اميركا الشمالية». (راجع كتاب «المسألة اليهودية» لكارل ماركس ترجمة محمد عيناتي).
وتأسيسا على كل ما سلف ذكره وتوضيحه وشرحه من أمور ترتبط بالدور اليهودي الرأسمالي على الساحة الاميركية، مما استقينا معطياته من حوادث التاريخ، وهو لا يمثل إلا النزر القليل، من الكثير الذي لا يمكن الاحاطة به على عجل في مقال أو بعض عدد من مقالات، إلا أنه مع ذلك يكوِّن بدايات الحقيقة التي تتضح لدى القارئ شيئا فشيئا، وهي ان الولايات المتحدة اخذت تنسلخ عن ماضيها التاريخي الذي أرسى القادة الاوائل قواعده واقاموا صرحه على اسس من الاخلاق في ظل تبادل المصالح اخذا وعطاء، وإقامة هذه الجدلية بالقسطاس المستقيم، واندفعت إلى تنفيذ المخططات الاسرائيلية، وصار الرئيس الاميركي - بوش حاليا - هو افضل قارئ لما يكتبه مستشاره اليهودي. وإن القول والاستشهاد، بأن ما يربط بين اميركا و«اسرائيل» هو مصالح مشتركة، هو قول هراء يعوم في بحور النظريات المجردة، والمتصارعة مع معطيات التاريخ، والمثبتة على لسان سادة المال اليهودي، التي تؤكد ضرورة الفصل بين رأس المال اليهودي، وسيطرته على أموال العالم، استعدادا لاقامة «حكومة العالم اليهودية»، وما بوش إلا المنفذ الأمين، وما ضرب العراق إلا واحد من المخططات الاسرائيلية التي ضمتها حوادث التاريخ التآمري بين حاييم وايزمان وهاري ترومان، وهذه النقطة وغيرها مما أشرنا اليه إشارة خاطفة سنتناوله بالتفصيل وندلل عليه، ونوثقه بإقرانه بمزيد من معطيات التاريخ في حلقة مقبلة... وسنلتقي
إقرأ أيضا لـ "محمد جابر الصباح"العدد 189 - الخميس 13 مارس 2003م الموافق 09 محرم 1424هـ