العدد 189 - الخميس 13 مارس 2003م الموافق 09 محرم 1424هـ

مصارعة الدقائق الأخيرة قبل الحرب!

نظرة من فوق الخليج

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

في الخليج العربي تجدد همس السلام، وزاد ضجيج الحرب، وتعلقت الأنظار بدوران عقارب الساعة، وكأنما الساعة بعد لحظات...

الزائر للخليج ربما يشعر اكثر من غيره، بسخونة الانفاس وتوتر الاعصاب، لأن عجلة الحرب قد دارت فعلا ـ كما يؤكدون ـ وان آلافا من القوات الاميركية والحليفة، تعمل داخل الاراضي العراقية منذ فترة، وإن ابواب جهنم على وشك ان تفتح لتلقي بحمم البراكين في كل اتجاه داخل وحول الارض العراقية المستهدفة...

وعلى رغم ما شهدته ساحة مجلس الأمن يوم الجمعة الماضي من مبارات سياسية هائلة، ربما لم يعد الوقت متوافرا لمزيد من الحرب الدبلوماسية على كل الجهات، فالاميركيون يؤكدون ان الوقت المكرس لمثل هذه الجهود الدبلوماسية قد تم استنفاده، وان الحكم العراقي أضاع الفرصة الاخيرة من دون جدوى، ولم يعد ما يجري في قاعات الامم المتحدة ومجلس الأمن، سوى مضيعة لوقت الجنرالات...

أما الجنرالات فقد احتشدوا في المنطقة الممتدة من الخليج العربي إلى البسفور التركي، ومن البحر الابيض والبحر الاحمر إلى بحر قزوين، يقفون على رأس قوات محاربة يبلغ تقديرها 300 ألف جندي على الاقل، وفي يمينهم ترسانة هائلة من أحدث ما انتجته الصناعة التكنولوجية العسكرية الغربية، وفي شمالهم قرار متعنت بإنهاء المشكلة حربا، بصرف النظر عن الدمار والدماء!!

ثمة اطراف رئيسية في حلبة الصراع الدائر بقوة، والذي يسمع الكل شهيقه وزفيره الساخن، طرفان يتصارعان وسط الحلبة وفق قواعد المصارعة الرومانية، ايام مجد الامبراطورية القديمة، أي انه لابد ان ينتهى بموت احدهما وانتصار الآخر، لا مجال للتعادل في هذه اللعبة... وطرف ثالث مجبر على المتابعة، وربما المشاركة عن بعد، وعليه ان يدفع ثمن تذكرة المتابعة، وفاتورة المشاركة هذه...

لقد دخل بوش وصدام حسين حلبة القتال وزادت وتيرة الصراع فبلغت الروح الحلقوم، ولم يعد امام احدهما فرصة التراجع أو الهروب أو التأجيل كما يعتقد اشقاؤنا في الخليج...

لقد حشد بوش كل اسلحته المقاتلة، وحرك قواته من ساحل فلوريدا غربا الى ساحل الخليج شرقا، وضع الجميع الاصابع على الزناد، ولم يعد باقيا سوى ضغطة اصبع، التي تنتظر كلمة السر في فتح بوابات جهنم على العراق، ومن السذاجة بمكان ـ كما يؤكد الخبراء العسكريون ـ ان يحشد بوش كل هذه الحملة العسكرية الضخمة، ويعبئ مخزونات سلاحه ومقاتليه، ويقيم الدنيا ولا يقعدها، ثم لا يحارب، ويأمر قواته بالعودة من حيث جاءت بلا معركة!

مثل هذا القرار مستبعد لأسباب كثيرة، اهمها ان ضريبة عودة القوات المحتشدة إلى بلادها من دون قتال، أعلى بكثير من فاتورة الحرب إن وقعت، وليس الامر قاصرا هنا على الفاتورة المالية فحسب، لكنها ممتدة إلى الفاتورة السياسية، وهذه هي الاهم، لأن العودة من دون قتال «للقضاء على رمز الشر»، كما يقول بوش، تعني سقوطه لا محالة في الانتخابات المقبلة لتجديد رئاسته للفترة الثانية، وتعني اضطرابا سياسيا عسكريا في الادارة والمجتمع الاميركيين، بعد كل هذه التعبئة ضد ما يسمونه «الارهاب العربي الاسلامي» ونزع اسلحة الدمار الشامل من ايدي الشياطين، اعداء الحضارة الغربية، واسقاط النظام العراقي وإحلال الديمقراطية ونشر قيم الامة الاميركية...

دفاعا عن اصراره على الحرب حتى النهاية في حلبة الصراع الرومانية، اغلق الرئيس بوش عينيه وقلبه وعقله، بعيدا عن كل الجهود الدولية المعارضة للحرب، خاض جدلا فانقساما حادا مع حلفائه الأوروبيين وخصوصا فرنسا والمانيا، ثم مع روسيا والصين، تعامى عن قرارات القمم الدولية والاقليمية، من قمة الاتحاد الاوروبي، إلى قمة عدم الانحياز، ومن القمة العربية إلى القمة الاسلامية، صم اذنيه عن هدير الملايين من المتظاهرين ضد الحرب، في الشوارع الاميركية والأوروبية والعربية والآسيوية، مثلما تجاهل صدمة قرار البرلمان التركي الرافض للسماح للقوات الاميركية باستخدام الاراضي التركية لفتح جبهة شمالية ضد العراق تكون موازية للجبهة الجنوبية في الخليج، اما صوت الحائزين على جوائز نوبل وضجيج العلماء والمثقفين العالميين المحتجين، فلا قيمة لها ولا صدى... لقد ادار الرئيس عجلة الحرب، مدفوعا برغبة الانتقام والثأر مبشرا بنصر تاريخي يفتح باب البيت الابيض امامه عند التجديد...

من ناحيته، مارس الرئيس العراقي مع غريمه كل فنون المحاورة لاسقاط الذرائع، يوافق على التفتيش الدولي في حدود، يرفض ثم يستجيب، يهدد بصلب الغزاة على بوابات بغداد، ثم يفتح هذه البوابات امام الرياح العاصفة من كل اتجاه، يستنجد بضمير العالم وضجيج المظاهرات ليؤجل ساعة الحرب، يحتمي بالقمة العربية تارة، وبالقمة الاسلامية تارة اخرى، يحارب معاركه السياسية على امتداد خريطة العالم. من قمة الاتحاد الاوروبي إلى قمة عدم الانحياز...

يكسب وقتا ومعه يكسب بعض التعاطف الدبلوماسي، لكنه لم يكسب حتى الآن دعما عسكريا في مواجهة اضخم آلة عسكرية في التاريخ، بينما يقف في مركز دائرة النار، مراهنا على صمود قواته وعلى مقاومة الشعب العراقي، متحديا المقولة الاميركية الشائعة ان هذا الشعب سيستقبل قوات الغزو بالورود والاهازيج، وربما بالمقام العراقي الحزين ايضا...

يبقى الطرف الثالث في المعادلة المحتملة غير المتوازنة أو المتكافئة، ونعني هذا الذي يسمى العالم العربي بشعوبه وحكوماته، وفي وسطه الخليج وأهله، أولئك الذين وقعوا في دائرة النار أو حولها وبقربها...

ومخاوف أهل الخليج وهواجسهم، لا تقل بحال عن معاناة الشعب العراقي المظلوم والمحاصر، فالنار حين تشتعل بهذه القسوة المنتظرة لن تستثني احدا في ساحة المعارك او حولها، والاسلحة الذكية أو الاسلحة القذرة، لن تفرق بين المقاتلين أو المشاركين أو حتى المتحولقين حول حلبة المصارعة ـ دائرة النار ـ يتفرجون أو يرتجفون...

الواضح ان أهل الخليج هم الاكثر تخوفا من تداعيات الحرب الوشيكة التي يتوقعونها بعد ساعات أو خلال ساعات، إذ لم يعد الامر محسوبا بالاسابيع أو الشهور، فالارض والمياه والاجواء مكتظة بالجنود والدبابات والصواريخ والطائرات، وضجيج المعارك ولهيبها بات اقرب إلى الاذن والفؤاد من شهيق الانفاس اللاهثة المتوترة وسط بيئة هشة كتب عليها التعرض لآثار ثلاث حروب قاسية متتابعة خلال نحو عقدين فقط، الاولى الحرب العراقية الايرانية التي امتدت ثماني سنوات خلال عقد الثمانينات، وغزو العراق للكويت ثم حرب عاصفة الصحراء خلال التسعينات، والحرب الوشيكة هذه الايام...

دول الخليج وشعوبها دفعت من لحمها الحي، ناهيك عن استنزاف عوائد نفطها، فاتورة كل هذه الحروب، وستدفع المزيد، باسم حماية الأمن والدفاع عن البقاء في ظل الكيانات الصغيرة، التي إن ازدهرت بثروة النفط، فهي تعاني خلخلة سكانية خطيرة واستنزافا ماليا وهشاشة سياسية عسكرية دفعتها إلى التحالف على اقوى الاقوياء مهما كان الثمن ومهما كانت فداحة الفواتير السابقة أو اللاحقة...

العواطف تتزاحم مع شعب العراق، لكن المخاوف كانت ومازالت قائمة من حكام العراق، وبين النقيضين تشعر بالحسرة والألم مخلوطا بالامل السرابي بألا تقوم الحرب، ولهذا كان لوقع مبادرة الشيخ زايد، مثلا، جاذبية خاصة عندهم، فقد تصوروها المنقذ من الجحيم الآتي، متناسين أن بوش أخذ فعلا قرار الحرب والهجوم، وأن صدام أخذ قرار المقاومة والدفاع، وان المصارعين الرومانيين دخلا فعلا حلبة القتال وسط دائرة النار، بل في مركزها...

وسواء نجحت الحملة الدبلوماسية الاوروبية، التي تقودها بإصرار وحنكة فرنسا والمانيا وروسيا، ومن خلفها الصين والدول العربية في تأجيل بدء المعارك العسكرية اياما أو اسابيع، أو نجحت الحملة المضادة التي تقودها الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا واسبانيا في التعجيل ببدء المعارك، فإن وقع الحرب وحساب خسائرها وتوقع تداعياتها يزداد سرعة ولهفة في دول الخليج، لأنها ـ كما ذكرنا ـ تقع في متناول تطاير الرصاص اولا، وتتحمل في البداية والنهاية العبء الاكبر من كلفتها واعبائها...

وهذا ما يزيد من مخاوف الخليج الذي عليه ان يواجه مرحلة ما بعد الحرب بفكر ومفهوم وأسلوب جديد، يختلف عما سار عليه الحال طوال القرن الماضي، فثمة زلزال سياسي امني سيقع، يأخذ في طريقه نظما وهياكل سياسية كانت قد استقرت بالتوارث عبر الأجيال، ويستنزف معه المزيد من عائدات الثروة النفطية لأجيال مقبلة تسديدا لكلفة الأمن، لتزداد الازمات الاقتصادية الاجتماعية تعقيدا وتوترا...

وثمة مشروعات ومخططات بدأت اميركا تعلنها صراحة، هدفها «تحديث وتطوير النظم الحاكمة» وخصوصا في منطقة الخليج، حتى لا تكرر تفريخ ارهابيين من نوع اسامة بن لادن وقاعدته المتهمة بارتكاب تفجيرات سبتمبر/ ايلول الدامية في نيويورك وواشنطن...

وثمة اعلانات اميركية صريحة بإعداد تنظيم جديد للخريطة السياسية العربية عموما والخليجية خصوصا، تحمل ضمن ما تحمل تغيرات في موازن القوى داخل وحول امبراطورية النفط الخليجية، وخصوصا إن تمكنت الولايات المتحدة من حكم العراق، واقامة «النموذج الديمقراطي على المقاس الاميركي» الجاذب لغيره من دول الجوار، ناهيك عن الاثر الاستراتيجي الاخطر لتغييب قوة العراق باعتبارها دولة عربية مركزية كبيرة، الامر الذي يعني ان دولتي الجوار الكبيرتين، ايران من ناحية وتركيا من ناحية اخرى، ستقتسمان النفوذ وتملآن الفراغ في غياب اية قوة عربية اخرى مؤثرة للأسف.

اما اذا تحدثنا عن «اسرائيل»، التي تمد بصرها، ومعها ذراعها، نحو الخليج ونفطه وثرواته، في ظل الهيمنة الاميركية، فحدث ولا حرج، بما يحمله ذلك كله من هواجس مضاعفة، ربما اخطر من الهاجس الايراني، الامر الذي يدور الآن في الاذهان الخليجية بقوة اكثر من اي وقت مضى، لأنهم يدركون مثل غيرهم ان الحرب كارثة بكل المقاييس... تفاديها صعب، وتداعياتها أصعب وأمر!!

خير الكلام قالوا:

قلوبنا معكم، وسيوفنا عليكم

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 189 - الخميس 13 مارس 2003م الموافق 09 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً