العدد 189 - الخميس 13 مارس 2003م الموافق 09 محرم 1424هـ

القوة... والقانون

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تحت سقف التصعيد الدولي المتبادل في مجلس الأمن بدأت الدول الكبرى مرحلة المفاوضات الثنائية والثلاثية بغية التوصل إلى موقف (أو قرار ثانٍ) يلبي حاجات الأطراف المعنية بأزمة العراق ومنطقة «الشرق الأوسط» و«النظام الدولي الجديد». فكل طرف قال ما يريده وحدد السقف الأعلى لمطالبه، والآن بدأت التسوية... والتسوية عادة مرنة تتضمن الحد الأدنى لكل الأطراف ومنه يعاد صوغ معادلة ترضي كل الدول الكبرى من دون الأخذ في الاعتبار مصالح الدول الأخرى، إلا في النقاط المتعلقة بالاستراتيجية الإقليمية التي يجب أن تخضع في النهاية للمصالح الاستراتيجية الكبرى.

كيف ستتم التسوية؟ الولايات المتحدة تقول إنها تريد الحرب وتريدها سريعة وفي الأيام القليلة المقبلة بقرار دولي أو من دون قرار وبموافقة بريطانيا أو من دون موافقتها.

أميركا كما تقول عن نفسها إنها استعدت للحرب وحشدت القوات اللازمة لخوضها، وهي لا تحتاج إلى مساعدات أو مشاورات وتستطيع خوضها وحدها وتنتصر فيها في أسابيع قليلة.

بريطانيا محرجة داخليا. فهي تريد الحرب ولكنها لا تستطيع الذهاب إليها من دون موافقة مجلس الأمن وصدور قرار دولي يغطي شرعيا مبررات تلك الحرب. فبريطانيا غير الولايات المتحدة. الأخيرة نظامها السياسي يعتمد الرئاسة، والرئيس عنده صلاحيات واسعة تجيز له أخذ قرارات كبرى من دون العودة إلى الكونغرس إلى فترة تصل إلى 45 يوما. بريطانيا نظامها يعتمد على البرلمان وقراراته، ورئيس الوزراء يملك صلاحيات واسعة، إلا ان صلاحياته لا تشمل قرارات كبرى، تتعلق بمسائل الحرب والسلم، فهو في مثل هذه الحالات عليه العودة إلى الحزب الحاكم، والحزب الحاكم يتقاسم بالغالبية النسبية الصلاحيات التشريعية والتنفيذية مع الأحزاب الأخرى. بريطانيا بهذا المعنى نقطة قوة للولايات المتحدة ونقطة ضعف. في الجانب العام تغطي عدوانية أميركا أوروبيا وفي الجانب الخاص ( الرأي العام البريطاني)ـ تكبل حرية حركة الرئيس الأميركي بقيود شرعية وضمانات وشروط يصعب على نظام يعتد بعضلاته مثل الحزب الجمهوري الحاكم في البيت الأبيض القبول بها أو الخضوع لها، لأنها تفسد عليه خططه الطموحه التي تعتمد على نظرية القوة المجردة من الحكمة والعقل.

فرنسا قالت قولها وهددت باستخدام حق النقض (الفيتو)، لأنها ترى ان لا حاجة إلى قرار ثان، والقرار 1441 لا يعطي الولايات المتحدة حق إعلان الحرب من دون مبررات مادية. والمبررات المادية (الخرق العراقي) غير متوافرة حتى الآن، وإذا توافرت يمكن تذليلها بالمزيد من الحوار والوقت والضغط النفسي ـ السياسي.

الموقف الروسي يماثل الموقف الفرنسي، كذلك موقف الصين، وكذلك ألمانيا وسورية (عضوان غير دائمان في مجلس الأمن).

الموقف الإسباني أقرب إلى الموقف البريطاني منه إلى الولايات المتحدة، كذلك بلجيكا فهي مع فرنسا في الاتحاد الأوروبي ومع بريطانيا في مجلس الأمن... ولكنها تميل إلى إعطاء فرصة لمجلس الأمن ولابد للحرب من أن تكون شرعية وقانونية، وتفضل إعطاء مهلة جديدة لقوات المفتشين الدوليين.

المهلة الجديدة هي نقطة الخلاف التي ظهرت حديثا. أميركا تقول إن المهلة يجب ألا تتجاوز الأيام وحتى نهاية الشهر الجاري في أقصى حد. بريطانيا مع الولايات المتحدة ولكنها تفضل أن تكون المهلة لفترة أطول حتى تتمكن من إرضاء فرنسا وإقناع روسيا بعدم استخدام حق النقض لتعطيل القرار الدولي الذي يحتاجه طوني بلير في معركته الداخلية الحزبية والبرلمانية.

فرنسا وروسيا والصين على استعداد للتفاوض على القرار الجديد شرط أن تكون المهلة طويلة تمتد إلى فترة لا تقل عن 45 يوما. بريطانيا، مدعومة من اسبانيا وبلجيكا، لا مانع لديها شرط أن توافق دول مجلس الأمن على تمرير قرار ثان.

أميركا تعترض على طول المهلة وترى أن فترة 45 يوما تعطل إمكانات الحرب في حال خالف العراق القرار الدولي الجديد وتعطيه فرصة إلى الخريف المقبل.

إلى معركة المهلة القانونية (الفترة الزمنية) هناك معركة كسب أصوات الدول الأخرى في مجلس الأمن. فهناك باكستان والمكسيك وتشيلي وهي على رغم اختلافها في التفاصيل فإنها تميل إلى رفض الحرب وتفضل إعطاء فرصة للسلام عن طريق تسوية الأمور بين الدول الكبرى. أما بقية الدول هي إفريقية مستضعفة (غينيا، الكاميرون، وانغولا) اكتشفت فجأة الدول الكبرى أهميتها بعد فترة إهمال امتدت ثلاثة عقود. مواقف الدول الافريقية الثلاث حاسمة في مسألة الاتفاق على القرار الدولي الجديد فأصواتها ترجح كفة فرنسا وروسيا والصين وألمانيا وسورية أو كفة أميركا وبريطانيا واسبانيا (وإلى حد ما بلجيكا). وبسبب أهميتها التصويتية (الترجيحية) تعرضت فجأة لهجمة دبلوماسية من أميركا وفرنسا وبريطانيا. فكل فريق يريد جذبها إلى معسكره لتأمين الغالبية الدولية في مجلس الأمن.

إنها معركة حقيقية ومن نتائجها الدبلوماسية، سنرى الدخان الأبيض أو الأسود يتصاعد من مداخن الأمم المتحدة. الكل يريد السلم ويميل إلى استخدام لغة العقل والقانون، لأن المعركة كبيرة وتختزل الكثير من عناوين «الحرب الباردة الثانية».

الكل يريد السلم باستثناء دولة واحدة تفضل القوة على العقل والحرب على القانون. فهل تنجح أميركا ويفشل العالم؟

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 189 - الخميس 13 مارس 2003م الموافق 09 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً