تتحدث احدى قصص النضال ضد النظام العنصري الذي كان يحكم جنوب افريقيا عن أحد الأشخاص (ولونه ابيض) ناضل من أجل الغاء العنصرية في بلاده. وخلال نضاله بنى علاقة مع شاب ذي لون أسود، ما استدعى وجود ذلك الشاب في منزله بصورة متكررة. الشاب سرعان ما وقع في علاقة حب وغرام مع ابنة المناضل «ذي اللون الأبيض» وتطورت العلاقة حتى تقدم الشاب الى الرجل طالبا يد الفتاة. وهنا وقعت الطامة، اذ اعترض الرجل بصورة قطعية على زواج ابنته. الرجل لم يستطع القول بعدم كفاءة الشاب، ذلك لأن الشاب متعلم وله مستقبل ويليق للفتاة من جميع النواحي (ما عدا اللون)، لكنه وقع في حيرة من أمره عندما اكتشف أن نضاله ضد العنصرية يعني امكان زواج ابنته من شاب اسود (مع الاعتذار لذكر أسود وأبيض، لأن لون البشرة ليس أسود أو أبيض فيما لو اعتبرنا التعريف العلمي للألوان). اذا كانت هناك عبرة مما ذكر أعلاه فهي أن الانسان يتحدث كثيرا من الأحيان عن موضوعات ويعتقد أنه يؤمن بتلك المفاهيم، حتى يقع في الامتحان ويكتشف أنه لم يؤمن في كثير من الاحيان بما كان يقول.
العنصرية من الأمراض السياسية - الاجتماعية وهي ذاتها التي تسببت في حروب مدمرة وفرقت بين أمم كثيرة. وقد نستغرب لو أن مسلما قال إنه يؤمن بالعنصرية، فالمسلم اساسا لا يمكن أن يؤمن بالعنصرية لأن الاسلام كان ولا يزال أعظم دين قاوم مفاهيم العنصرية «لايسخر قوم من قوم»، (الحجرات:11) «لا فضل لعربي على أعجمي، ولأسود على ابيض الا بالتقوى».
غير أنني أرى ان كثيرا منا يعيش تلك الحال نفسها التي كان يعيشها ذلك الرجل الأبيض من جنوب افريقيا. بمعنى آخر قد نكون ضد العنصرية من الناحية النظرية، غير أنا لو لاحظنا كثيرا من تصرفات الأفراد والجماعات في مختلف البلدان الاسلامية، فسنلاحظ ترسبات عنصرية تحرك مشاعر العداء ضد هذا الفرد أو تلك الجماعة (حتى لو كانت مسلمة). فقد تسمع بعضهم يردد متهكما، هذا عربي، أو ذلك تركي أو فارسي أو كردي أو بربري، أو هندي. والأسوأ من ذلك فإن العربي والتركي وغيرهما قد يصنف المرء بحسب بلده. فقد تسمع «هذا عراقي، والعراقيون هم كذا وكذا». أو تسمع هذا مصري والمصريون... الخ» أو تسمع هذا خليجي والخليجيون...». والتفسير العنصري للأفراد والجماعات لا يتوقف عند هذا الحد فقد تسمع ايضا «هذا بدوي، والبدو...»، «هذا شيعي والشيعة...»، «هذا سني، والسنة...»، «هذا درزي، والدروز...»، هذا التعميم في الوصف أمر خطير، حتى لو كانت التعميمات تحمل نوعا من الصحة في جذورها. والخطورة تكمن في اتخاذ هذه الصفات اساسا للتعامل ما يدفع كل طرف الى الاعتقاد بسموه على غيره بحكم عدم انتمائه إلى قومية أو بلد أو مذهب الطرف الآخر. كما أنها خطيرة لأنها تحكم على الأجيال بأمور قد يكون ارتكبها آباء أو أجداد تلك الأجيال. فعلى رغم ايماننا بأن الأبناء لايؤاخذون بجرم الآباء والأجداد، فإننا من الناحية العملية نتبع اساليب تغرس أفكارا خطيرة تجاه بعضنا بعضا. لقد عانت شعوب كثيرة من هذه الأمراض حتى اكتشفت أنها لا تنفع سوى في تأجيج الأحقاد وشن الغارات والحروب. فالانجليز لديهم الكثير مما يقولونه ضد الفرنسيين والايرلنديين والاسكتلنديين، والعكس صحيح، وكانوا يتحاربون بدوافع الأحقاد المكنونة في النفوس، حتى ايقنوا ان نجاحهم وازدهارهم يتطلب التغلب على هذه الأحاسيس الباطلة. فالايرلندي ليس ذا رائحة كريهة كما يعتقد الانجليز القدامى، والانجليز ليسوا اشرارا كما يعتقد الايرلنديون القدامى. وبما أن الحكومات مسئولة عن رعاية مصالح شعوبها فإنها تسن قوانين تمنع مثل هذا الاحساس من الترجمة على الواقع العملي. وهناك الآن البلدان التي تفتخر بأنها «بوتقة انصهار»، تصهر جميع القوميات والألوان في بوتقة متوحدة على رغم تنوع جذورها. وهكذا يحب الأميركيون تسمية أنفسهم بأنهم البلد القائم على نسيج اجتماعي ناتج عن «بوتقة انصهار» لقد توصل هؤلاء الى النتيجة نفسها التي دعا إليها رسول الإسلام محمد (ص) واثبتت لهم الأيام أن الطريق الأمثل هو انصهار النسيج الاجتماعي على اسس بعيدة عن العنصرية. اذا كان الحال كذلك. فإننا نشاهد العكس في كثير من مجتمعاتنا. والممارسات الخاطئة تستمر بسبب عدم الجرأة على الاعتراف بوجودها. فالاعتراف بوجود مثل هذه الأفكار هو المنطلق إلى معالجتها. كثير من النكات تقال، وقد يقبلها المرء من أجل الضحك، إلا أنها اذا تحولت الى عقيدة متأصلة في النفس وتتم تأسيس التصرفات على اساسها، فإنها ستكون الخطر بعينه، فعندما يتحدث بعضهم ليقول «إن العراقيين لا ينفع معهم إلا شخص مثل فلان».
أو أن الشعب الآخر هكذا طبعه وهكذا قدره، فإننا ننسف جميع تعاليم ديننا ونحن نردد هذه المقولات، ولو كانت الشعوب الأخرى ومسئولوها ومفكروها يركزون على نقاط الضعف فقط لتوقفت عجلة التطور، وعندما يقرأ عن اليابانيين أو الفرنسيين أو البريطانيين أو السنغافوريين أو غيرهم فإنه يستغرب كيف وصلت هذه الأمة إلى ما وصلت اليه على رغم الكثير مما كان يقال عنها.
الدعوة هي أن نعود الى تعاليم ديننا قبل أن ننطق بمثل هذه الكلمات وان ننظر الى أنفسنا قبل نسف طموحها، وأن نهتم بمستقبل ابنائنا الذين لا ينبغي لهم أن يجتروا الماضي ويكرروه. واذا عدنا إلى تعاليم ديننا فإن علينا ألا نقع في الورطة التي وقع فيها الرجل الأبيض الذي كان يناضل ضد العنصرية البيضاء في جنوب افريقيا
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 189 - الخميس 13 مارس 2003م الموافق 09 محرم 1424هـ
تقولون ما لا تفعلون
العنصريه في البحرين صارت مثل الاكل والشرب لو تسالتو شنو سبب المشجرات بين الاجانب والبحرينيين في الفتره الاخيره راح تعرفون انها عنصريتهم بكل مكان المدارس المستشفيات الاماكن العامه مما ادى الى حساسيه وعداوه بين الاطفال والمراهقين وبتالي الى مشاجرات بليد بلمدرسه بنتي تعاني منها لان المدرسات ينحازون للبجرينيات جتى لو كانو على غلط الله يهديكم بس