حالما برزت فكرة العودة إلى نظام البلديات المنتخبة بدلا من المعينة استبشر الجميع من أهل البحرين خيرا، أما السبب في ذلك فيعود إلى الاحساس الفطري لدى الجمهور بأن البلديات المنتخبة هي من يمثل مصالح الناس خير تمثيل، باعتبار أن العناصر التي ستدخل هذه البلديات هي من اختيار الجمهور وليست مفروضة عليه بقرارات فوقية قائمة على حسابات معينة.
أما الآن وقد أصبحت فكرة البلديات المنتخبة «حقيقة واقعة» لا جدال فيها وبعد مرور مدة زمنية لا بأس بها من اختبار هذه الحقيقة على محك الواقع، وامكان نجاحها فيما لو توافرت الشروط اللازمة لذلك، نجد أن هذه البلديات، ومن دون استثناء، تواجه مأزقا، وبات مصيرها على كف عفريت، كما انها لم تقم بما يجب أن تقوم به باعتبارها بلديات قولا وفعلا، إذ تواجه صعوبات ومشكلات مختلفة، والمدة التي أصبحت فيها البلديات حقيقة واقعة كافية للحكم لها أو عليها، والوقائع والأدلة تقول إن الحكم في غير صالح البلديات المنتخبة. ولكن ما السبب في ذلك؟ ربما تتعدد الإجابة، لكننا نعتقد أن الإجابة الأقرب إلى الواقع في «مشكلة البلديات» تتمثل في الظروف الموضوعية التي تعمل في أجوائها تلك البلديات وليس البلديات نفسها.
والحقيقة اننا لسنا أمام جهاز بلديات منتخبة فقط، انما امام عدة أجهزة لوظيفة البلديات. ويأتي في مقدمة الأجهزة التي تقوم بمهمات ووظيفة البلدية «المحافظات»، فهذه الأخيرة تقوم بالدور نفسه الذي تقوم به البلديات. لا بل ان كل الظروف والسبل والامكانات المادية والمالية وحتى المعنوية متوافرة لها من الدولة، بينما هي غير متوافرة بالنسبة إلى البلديات وقضية موازنة البلديات معروفة للجميع.
ان المحافظات تقوم تقريبا بوظائف البلديات نفسها. وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال مفاده: إذا كنا حريصين على نجاح وإنجاح نظام البلديات وبالطريقة الانتخابية، فلما الاصرار على نظام المحافظات؟ لما الاصرار على نظام المحافظات الذي يسلب البلديات وظيفتها ومهمتها التي قامت من أجلها، لما محافظات + بلديات؟
إننا أمام نوع من الازدواجية التي خلقت وتخلق مزيدا من المتاعب أمام البلديات، كما أن هذه الازدواجية تصادر الوظائف الموكلة إليها بحكم القانون والأنظمة التي تشرع عملها.
وأيضا، إذا كنا - على الصعيد الرسمي - حريصين على استمرارية البلديات فلماذا تُفتح الأبواب أمام المحافظات وتقدم إليها التسهيلات في حين توصد في وجه البلديات وتقدم إليها الأموال «بالقطارة»؟... يبدو الأمر محيرا، لكنه ليس كذلك في حقيقته، لأن الجهات الرسمية فيما يبدو لا تكن حبّا للبلديات بقدر ما تكنه للمحافظات. وإذا ما أريد للبلديات أن تنجح فعلا، فإن الطريق الأنسب والأقرب إلى ذلك هو اعادة النظر في نظام المحافظات من جهة، والاعتراف الحقيقي والصادق بدور البلديات بأنها صاحبة الحق أولا وأخيرا في تقديم الخدمات ومتابعة الأمور المتعلقة بمصالح المواطنين على الصعيد المحلي. وحتى يُصار إلى ذلك تبقى قضية البلديات في مهب الريح وقد بات التشاؤم بشأن مستقبلها هو سيد الموقف، ويكفي المرء للتدليل على ذلك، التصريحات - الصرخات - التي يطلقها رؤساء وأعضاء المجالس البلدية التي وصلت إلى حد التهديد بالاستقالة
إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي (كاتب بحريني)"العدد 188 - الأربعاء 12 مارس 2003م الموافق 08 محرم 1424هـ