كثر الحديث عن الذهاب إلى الحرب على العراق من قبل اميركا. لكن متى؟ وكيف؟ بحسب الدستور الاميركي، الكونغرس هو الذي يعلن الحرب. أما السلطة التنفيذية، فبمقدورها ان تتدخل عسكريا خارج الارض الاميركية، بعد موافقة الكونغرس وإعلامه. على سبيل المثال، تدخلت اميركا حوالي 430 مرة منذ تأسيسها، لكنها اعلنت الحرب فقط خمس مرّات. تعكس هذه الاحصاءات، مدى حرّية الحركة لرئيس السلطة التنفيذية في اميركا. فهو امبراطور، كما اراده أحد الآباء المؤسسين، توماس جفرسون، وذلك عندما شدد خلال كتابة الدستور الاميركي، على إعطاء السلطة التنفيذية سلطة تقريبا غير محدودة. من هنا، وبحسب المفهوم الدقيق للحرب في العلاقات الدولية، حتى ولو تجاوز عدد القتلى الالف، يمكننا القول إن الحرب على العراق، هي حملة امبراطورية اميركية ليس إلا.
كيف تحضَّر الحروب والحملات الأميركية؟
انطلاقا من المهمة التي تدعي اميركا انها تسعى إلى تحقيقها، والمتمثلة في نشر القيم الانسانية، والديمقراطية، يبقى الهدف الاساسي متمثلا في بناء الامبراطورية الاميركية، وإلا، فما معنى قول الرئيس جورج واشنطن للقائد الفرنسي لافاييت العام 1781: «من دون قوة بحرية حاسمة، لا يمكننا فعل شيء. ومعها، يمكننا انجاز كل ما هو مشرف، وعظيم». درجت العادة مع اميركا على انها تحضر الخطط الحربية لأي طارئ تعتبره مهما لأمنها، بطريقة مسبقة، وتضع هذه الخطط وتعدِّلها مع الوقت، ومع تطور الاوضاع. كان المخطط البرتقالي الحربي Orange Plan يمثل الصورة العامة للاستراتيجية الاميركية لقهر اليابان ما بين 1897 و1945. فعلا وخلال الحرب بين اميركا واليابان، طبق المخطط البرتقالي تقريبا بنسبة90 في المئة.
لماذا الخطط المسبقة؟
علَّمنا التاريخ، أن الدول العظمى، أو الطامحة إلى أن تكون عظمى، تعمد دائما إلى وضع الخطط المسبقة، وإلى تأمين وسائل التنفيذ. هكذا خططت المانيا دائما لجبهتها الشرقية مع روسيا، فكان مخطط فون شليفن دليلا للجيش الالماني يطبقه في الحرب العالمية الاولى.
عندما اجتاح السوفيات افغانستان، اطلق الرئيس جيمي كارتر عقيدته، واعلن فيها اهمية الخلية للمصالح الاميركية. وانتشر خبر آنذاك، ان البنتاغون بدأ الاعادة لتأليف قوات خاصة قادرة على الحرب في الصحراء. لم يأخذ هذا الخبر الاهمية اللازمة آنذاك. لكن الذاكرة العربية استعادت هذه الذكرى خلال حرب الخليج الاولى. إذا من المؤكد ان اميركا كانت اعدت خططا مسبقة لمنطقة الخليج، نظرا إلى أهمية المنطقة استراتيجيا وصلتها بأهدافها القومية.
كيف تسير عملية الاعداد، من المخطط إلى التنفيذ؟
يضع السياسيون وصنّاع القرار في اميركا الاستراتيجية الكبرى. توزّع هذه الاستراتيجية على الرعيل الادنى، والمتمثل في الوزارات المعنية، وخصوصا الخارجية والدفاع. يعمد القادة العسكريون إلى ترجمة هذه الاستراتيجية السياسية الكبرى، إلى استراتيجية عسكرية، وتوزّع على القيادات الادنى والاسلحة. تعمد هذه القيادات بدورها إلى ترجمة هذه الاستراتيجية العسكرية، إلى استراتيجيات عملانية تتعلق بمسارح الحرب الاقليمية. يركز القادة العسكريون على ان تأتي خططهم، بطريقة تتطابق فيها مع الاهداف السياسية. تنتج عن هذا المسار خطط عسكرية متعددة، وتطلب لها الوسائل الكفيلة بتنفيذها. تسمى هذه الخطط Oplan أي Operational Plan. تحفظ هذه الخطط على الرف، تُعدل وتُحسن، بحسب تطور الاوضاع، وظروف الحرب.
هل تحتاج اميركا إلى استراتيجيات حربية متقدمة؟
يقول وزير الخارجية الاميركي السابق هنري كيسنجر ان اميركا لم تربح كل حروبها بسبب استراتيجية متقدمة، لكن بسبب لوجستية لا تنضب. من هنا كانت حرية الحركة لديها. فحلولها كلها غنية، وذلك لأن الغنى المفرط، يساعد على التبذير كما يقال في علم الاقتصاد. وهذا فعلا ما نراه في الخليج حاليا ضد العراق. فهل يستأهل العراق، كل هذا الحشد العسكري؟ ففي مفاهيم موازين القوى، وفي مفاهيم توازن الاهداف والوسائل، يبدو ان اميركا تضع وسائل تفوق قيمتها اكثر بكثير من الاهداف المرجوة، والمقصود هنا الشق العسكري. لذلك يقول المحللون ان الاهداف الاميركية البعيدة المدى، لابد من ان تكون قيمتها تعادل، أو تفوق قيمة الاستثمار. ومن هنا خوف دول العالم، ودول الإقليم المحيط بالعراق.
عندما تقدَّم الخطط إلى السلطة السياسية، تُناقش، تُدرس، وقد تُعدّل لتتناسب مع الاوضاع المستجدة. بعد انتقاء الخطة المحددة، من قبل السلطة السياسية، لا تصبح قابلة للتطيبق، إلا إذا وافقت عليها ووقعتها، مهرتها هذه السلطة السياسية. في وضع العراق، الرئيس بوش هو الذي يوقع الخطط العسكرية. فهو السلطة الوحيدة، إلى جانب نائبه، المنتخب من قبل الشعب الاميركي. اما الوزراء (الادارة)، فهم معينون من قبل الرئيس، وبعد موافقة الكونغرس. فالرئيس هو الذي يدير السياسة الخارجية وخصوصا في ما يتعلق باستعمال القوة.
هل وقّع الرئيس بوش قرار الحرب؟
استنادا إلى ما نشهده حاليا على الساحتين السياسية والعسكرية فيما خص الموضوع العراقي، يمكننا القول ومن خلال المؤشرات، إنه وقع. فالرئيس الاميركي يصرح يوميا، انه سيذهب إلى الحرب، حتى من دون قرار من مجلس الامن. ويقال انه يلوم وزيرة خارجيته، الذي كان سبب ذهابه إلى هذا المجلس. ويعتقد المحللون، ان كولن باول قد يدفع ثمن اقتراحاته وعناده في وجه الصقور في الادارة، مركزه باعتباره وزيرا للخارجية في مرحلة ما بعد الحرب، وخصوصا إذا كانت ناجحة وسريعة. هذا على صعيد المؤشرات السياسية، فماذا على صعيد المؤشرات العسكرية؟
لا يبدو ان الممانعة التركية، وحتى لو اتت لاحقا، اربكت الخطط العسكرية الاميركية لكنها كانت محددة التأثير وخصوصا بعد تراجع المجلس العسكري عن قرار البرلمان. فالبدائل ممكنة، من جهة الغرب العراقي. كما ان الجيش الاميركي، يملك الوسائل الكثيرة اللازمة لنقل جبال من القوى العسكرية واللوجستية. لذلك يقال ان البنتاغون قد يستعيض عن انتشار القوى الثقيلة في الشمال، بقوى خفيفة نسبيا، على ان تدعم من قبل القوى الجوية، لكن بكثرة.
في مقال سابق نشر في «الوسط»، ذكرت ان إحدى اهم المؤشرات لساعة الصفر، هو الطلب إلى قوات المراقبة التابعة للامم المتحدة الانسحاب. وفعلا، اخذت هذه القوى قرارا بترحيل حوالي 230 مدنيا يعملون معها. وبقى حوالي 195 مراقبا، بالاضافة إلى 775 جنديا من بنغلاديش. ويبقى التساؤل هنا، عمن اعطى هذا الامر. هل اميركا طلبت ذلك، أم الامم المتحدة؟ لذلك قد يبدو ان وتيرة الانسحاب، أو التحييد لهذه القوى قد تتسارع مع قرب ساعة الصفر. ويقال ايضا ان هناك متعهدا اميركيا يعمل على الجبهة الكويتية، من ضمن اتفاق لبناء ممرات للدبابات الاميركية. كما ان الجيش الكويتي يعمل حاليا على فتح ما يقارب الـ 33 فجوة في السياج الفاصل على الحدود مع العراق، على ان تكون الفجوة واسعة كفاية لتمر منها الآليات الثقيلة. وهذا فعلا ما عبر عنه السفير الكويتي على شاشة السي. أن. أن (9 مارس/ اذار 2003). ويقال ايضا انه طلب إلى المتعهّدين ان تكون الفجوات جاهزة قبل 15 مارس.
المؤشر الثاني هو في تزايد الغارات الجوية على الغرب العراقي ضد اهداف تقع على بعد 230 ميلا عن بغداد. لماذا؟ التفسير الاقوى قد يكون ان اميركا في قيد التحضير لفتح جبهة من الغرب انطلاقا من البلدان المجاورة. أو ان الغرب العراقي، سيكون ممرا للقوى الجوية، وان اميركا حاليا ومن خلال غاراتها، تحضر الارضية لذلك.
المؤشر الثالث هو الآتي من «اسرائيل». اجتمع حديثا ارييل شارون بمدير الاستخبارات المركزية جورج تينيت. قد يكون الهدف من هذا الاجتماع الامور الآتية: إعلام شارون بساعة الصفر. تطمينه على أمن «اسرائيل»، وخصوصا ان القيادة العسكرية الاسرائيلية اصبحت موصولة على الاقمار الاصطناعية الاميركية التي تراقب حقل المعركة المقبلة في العراق. ويؤمّن هذا الربط نقل المعلومات والانذار لـ «إسرائيل» عن اي صاروخ قد يُطلق من العراق. مدة الانذار 6 دقائق، في العام 1991 كانت 3 دقائق. قد يطلب تينيت إلى شارون عدم التدخل في الحرب تحت اي ظرف. لكن الشيء الخطير هو في المؤشر الذي يأتي من اراضي السلطة، اي في تسارع وتيرة العمليات العسكرية الشارونية، لمسك الارض أمنيا، منذ الآن، وقبل اندلاع الحرب.
المؤشر الرابع، هو من الاردن، اذ اجتمع تينيت ايضا بالملك الاردني. وقد يكون سبب هذا الاجتماع الامور الآتية: تطمين الاردن على استمرار الدعم له، وخصوصا استمرار المساعدات المالية والنفطية. التنسيق بشأن بطاريات الباتريوت الموجودة في شرقي الاردن، لضرب الصواريخ العراقية المحتمل ان تطلق باتجاه الاردن أو «اسرائيل».
فالاردن هو خط الدفاع الاول عن الدولة العبرية. وقد يكون إحدى الجبهات الغربية البديلة ضد العراق.
المؤشر الخامس، هو في التركيز على الانتباه من عمليات محتملة لـ «القاعدة» ضد اميركا في الداخل، وقواتها في المنطقة. وقد يبرر هذا الامر، غياب نائب الرئيس ديك تشيني عن السمع منذ فترة طويلة
العدد 188 - الأربعاء 12 مارس 2003م الموافق 08 محرم 1424هـ