في العام 680م وعلى أرض كربلاء العراق سقط الحسين (ع) مضرجا بدمائه ليعلن انتصار الدم على السيف... كان القائد العسكري للجيش الاموي آنذاك عمر بن سعد قد تسلم رسالة من حاكم الكوفة عبيدالله بن زياد تهدده بالطرد من منصبه وتنصيب شمر بن ذي الجوشن بديلا عنه اذا لم يستسلم الحسين (ع) او «فازحف اليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم، فهم لذلك مستحقون، فإن قتل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره»... وهكذا تسلم عمر بن سعد الامر بالزحف على مخيمات الحسين (ع) التي حوصرت ومنع عنها الماء وانتهكت الخيام وروعت النساء والاطفال بعد ان احاطت بهم عدة آلاف من الجنود الذين وعدهم عبيدالله بن زياد بالمكافآت، لكنهم لم يحصلوا على شيء في دنياهم وخسروا آخرتهم.
خرج الحسين ومعه نحو سبعين بطلا من ابطال الاسلام الذين أبوا الذل والخنوع والاستسلام لارادة الظالمين، معلنين بذلك حق الانسان في الثورة على الظلم مهما يكن مصدر ذلك الظلم.
الحسين اعلن انه سائر «بسيرة جده وأبيه» آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر، وطالبا الاصلاح في امة جده... نفض الحسين واصحابه الحياة واختاروا الموت وهم يعلمون انهم لا يملكون العدة والعدد في مواجهة عدوهم، ولكنهم ايضا يعلمون ان استشهادهم هو استمرار للدين... فالدين الاسلامي من دون دم الحسين طقوس ميتة تابعة للحكم الدنيوي... اما الدين بعد سفك دم الحسين فهو للناس اجمعين انزله الله على نبيه محمد (ص) لا لكي يصادره الحاكم ويحوله لتبرير ظلمه وفساده...
الحسين كان له انصار مخلصون وبواسل، نفضوا الدنيا ومصالحها عنهم... وعندما طلب منهم الحسين قبل بدء المعركة الانصراف عنه لان جيش عمر بن سعد انما يطلب رأس الحسين فقط، رد عليه احدهم وهو زهير البجلي قائلا «والله لو كانت الدنيا لنا باقية، وكنا فيها مخلدين، إلا ان فراقها في نصرك ومواساتك، لآثرنا النهوض معك على الاقامة فيها...». واعظم انصار الحسين هم الذين التحقوا به قبل مقتله ولم يكونوا معه منذ بداية المسير، منهم الحر الرياحي وحبيب بن مظاهر الاسدي وآخرون، بل ان منهم من اصطحب عائلته لتكون مع عائلة الحسين حينما يقتل الحسين وانصاره. انصار الحسين كان لسانهم كما قال احدهم زهير بن القين «والله لوددت اني قتلت ثم نشرت، ثم قتلت حتى أقتل كذا الف قتلة، وان الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن انفس هؤلاء الفتية من اهل بيتك».
هكذا كانت عاشوراء الحسين (ع) في العام 680م. اما عاشوراء البحرين فهي من اثار تلك العاشوراء الخالدة... فلقد ارتبط عاشوراء بتاريخ البحرين، وبدأت اكبر حركة وطنية في منتصف الخمسينات من ايام عاشوراء العام 1953... وعاشوراء البحرين لم تكن شيعية، بل انها كانت مشتركة، ومازالت الدعوات تستمر لتحويلها من اطار مذهبي واحد إلى اطار اسلامي ووطني جامع لكل البحرينيين.
اوليس الشاعر عبدالرحمن المعاودة هو الذي خطب في مسجد مؤمن العام 1954 شاعرا في الحسين وقال فيما قال:
ان الامام الحسين السبط وهو كما
في علمكم نسل خير الخلق والرسل
ضحى وقاوم عدوان الطغاة ولم
يلحقه في الله من وهن ومن كلل
اوليس الملا احمد بن رمل هو الذي اجابه:
نصرت بالقول سبط المصطفى وعلي
يا بن المعاودة الابرار في العمل
يا أيها الشاعر المفضال فهت بما
يشفي الغليل بنظم سالم الخلل
عاشوراء البحرين هي عاشوراء الوحدة الوطنية، عاشوراء التذكير بالآخرة وربطها بالدنيا وبالشعور بالانتماء لهذه الارض الطيبة... في عاشوراء البحرين تتحول الاحياء القديمة للعاصمة المنامة إلى خلايا نحل بحرينية تؤكد اصالة هذه الأرض ومن يعيش عليها...
الاحياء القديمة للمنامة تستعيد ذكريات عاشوراء الحسين وذكريات عاشوراء البحرين... ففي هذه الاحياء القديمة انطلقت الحركات الوطنية الواحدة تلو الاخرى، وفي هذه الاحياء القديمة تداخلت الفئات البحرينية كلها مع بعضها بعضا، بما في ذلك غير المسلمين الذين عاشوا في البحرين وارتبطوا بها.
في الاحياء القديمة تستطيع ان تجد كل البحرين ممثلة من شرقها وغربها وشمالها وجنوبها، قدموا لاحياء ذكرى الحسين (ع) وهم يحيون بذلك ذكراهم وذكرى البحرين الخالدة في ضمير كل مواطن... ففي هذه الاحياء القديمة تكونت البحرين الحديثة والمتنوعة اثنيا ومذهبيا، وفي هذه الاحياء يستعيد البحرينيون مجد تاريخهم الاسلامي والوطني
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 188 - الأربعاء 12 مارس 2003م الموافق 08 محرم 1424هـ