بعد ضياعها مدة سبع سنوات في جبال أفغانستان دون أية نهاية في الأفق، عُرِض على الولايات المتحدة للتو حل قد يكون مثمرا أكثر من أي حل آخر لاح أمامها. قد لا يخطر هذا الحل على بال المرشحين الرئاسيين باراك أوباما وجون ماكين، ولكن ذلك لن يبقى لفترة طويلة.
الحل موجود في مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية، التي اعتُبِرت ولفترة طويلة أكثر حلفاء أميركا استقرارا في الشرق الأوسط. برزت المملكة كأفضل الدول وضعا للعب دور قيادي في المنطقة بعد استضافتها سلسلة من المحادثات غير الرسمية بين قيادات أفغانستان المتعارضة: تلك الموافَق عليها رسميا في كابول تحت حكم الرئيس الأفغاني حامد قرضاي وتلك غير الموافق عليها رسميا، ولكن يمكن النقاش بأنها تملك القدر نفسه من القوة والسلطة تحت حكم «طالبان».
تستطيع السعودية، تماما مثلما تمكنت وساطة قطر بكفاءة من جمع المتحاربين اللبنانيين حول الطاولة وتحويل الجمود إلى نقطة بداية، تستطيع أن تشكل بصورة مماثلة وساطة هنا.
لم تكن المحادثات مع «طالبان» في يوم من الأيام غير قادرة على مباشرة عملية سلمية، وليست محاولات التواصل التي تقوم بها كابول جديدة.
استشهد السفير الأفغاني لدى الولايات المتحدة الذي قابلته هذا الربيع بـ «درجات مختلفة من الانخراط (مع طالبان) تجري حاليا»، وأكد على استعداد كابول للتواصل. طالما كان هذا المنطق والتكتيك غير مستساغين بالنسبة إلى الإدارة الأميركية، ولهذا السبب تُركِت أفغانستان لأساليب الحوارية الخاصة بها.
إلا أنه حتى وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس أصبح يعترف الآن بضرورة المحادثات مع «طالبان». «يجب أن يكون هناك، في نهاية المطاف، وأؤكد هنا على «في نهاية المطاف»، عملية تسوية كجزء من النتيجة السياسية لما يحدث»، كما صرح غيتس. «تلك في نهاية المطاف هي استراتيجية الخروج لنا جميعا».
لذا فإن دخول الملك عبدالله ملك السعودية كوسيط يشكّل متغيّرا لشروط اللعبة في الجمود الأميركي الأفغاني السائد منذ سبع سنوات.
لن تنقذ المحادثات التي تتوسط فيها السعودية ماء وجه الولايات المتحدة مما يبدو أنه تراجع، وإنما تعتبر مكة ذات توجه أفضل كأرضية حيادية مما يمكن لكابول أن تكونه في أي يوم من الأيام.
لنفترض جدلا أن المحادثات سوف تتبع. هل يكفي ذلك، كما يتوقع البعض لقطع الروابط مع «القاعدة» وترويض «طالبان» أو حل مشكلة نزيف الدولة الداخلي؟ بالطبع لا، ولكن ذلك سيبدأ بفرض المساءلة بين أقطاب السياسة الأفغان المتنافسين، وتحقيق يد أكثر فعالية في التعامل مع باكستان وتحسين أسلوب عمل باكستان الضال مع القوى الخارجية.
ولهذه النقطة الأخيرة أهمية خاصة، فحل أميركا الحالي لانعدام الأمن في أفغانستان عسكري بحت، بينما يجري وضع الحلول السياسية والاقتصادية في المؤخرة، مثل العراق، من قبل واشنطن. لا يُصرَف أكثر من خمسة سنتات من كل دولار في الدولة على المعونة غير العسكرية.
ستصبح حكمة بوش هذه، تحت قيادة كوندوليزا رايس، هي حكمة أوباما أو ماكين قريبا، حيث أن المعونة المتوقعة من قبل كل من المرشحين لم تبلغ نسبة أعظم. إلا أنه بعد سبع سنوات من المهمة العسكرية بشكل شبه كامل، يصرح رئيس الأركان الأميركي الأدميرال مايك مالين في سبتمبر/ أيلول عن شكوكه بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة تربح الحرب.
من الواضح أن هناك حاجة لتغيير في الأسلوب.
أفغانستان في طريقها إلى الانهيار، سياسيا واقتصاديا. ليس بيد الجنود الإضافيين الذين يتم نقلهم من العراق سوى القليل لحمايته بينما تستمر بنية البلد التحتية بالانحطاط. على المستوى المحلي يتوجب على الأفغاني العادي، بغض النظر عما إذا كان صاحب متجر أو طبيب أو مزارع أو شرطي أو موظف حكومي، أن يكون مجهّزا بالأساليب المالية والفنية للبقاء الأساسي.
تنساب المعونة الأميركية، بعد أن يجري سحبها من قبل المتعاملين في واشنطن إلى كابول، ببطء على الأرض، الأمر الذي يجعل من شبه المستحيل للأفغاني العادي رؤية تحسّن ملحوظ. في غياب فوائد ملموسة في دولة تناضل مع نسبة بطالة تفوق 40 في المئة ونسبة 28 في المئة من الأمية، وشعب يعيش ثلثاه على أقل من دولارين يوميا، لا يعتبر تشكيل ولاءات جديدة خارج الحكومة أمرا مثيرا للدهشة.
تعاني مقاطعة هيلمند ذات السمعة السيئة على سبيل المثال من نسبة بطالة تفوق 80 في المئة في بعض المناطق، ويوجد بها مستشفيان مجهزان بشكل سيئ يقدمان الرعاية الصحية لأكثر من 700.000 شخص، وتبقى من أسوأ المقاطعات في الدولة من حيث نشاط طالبان وزراعة الحشيش.
ولا تعتبر العمليات السياسية والاقتصادية المحظورة التي تنتعش في أفقر مقاطعات الدولة عرضية عندما تكون كابول غير قادرة على المنافسة بشكل شديد.
الحل الأفضل إذا لهذه المشكلة المحترقة منذ سبع سنوات هو معالجة الأرض الهشة الخصبة التي تولّد العنف. ولا شك أن اليد السعودية، إذا جرى مدها نحو «طالبان»، سوف تتوجه نحو هذا الهدف. وإذا تمت بشكل أنيق يمكن للملك عبدالله أن يوفر لقبائل البشتون (الذين يتجمعون تحت راية طالبان) صوتا ضروريا جدا في كابول التي لم يسبق لها مثيل منذ مدة بعيدة، وضمان حليف في تهدئة الحدود الباكستانية وإيجاد سابقة لعقد محادثات جديرة باللوم في مكة.
في هذه الأثناء يمكن ليد أميركا، إذا تم استخدامها في متابعة الحلول السياسية والاقتصادية أن تبدأ ببناء أسس دولة تستحق العيش فيها وليس الموت من أجلها.
*مدير الاتصالات في معهد تحليل النزاعات وحلها بجامعة جورج ميسون، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2237 - الإثنين 20 أكتوبر 2008م الموافق 19 شوال 1429هـ