أبرز ملمح يمكننا أن نجده في كتابة القاصة السعودية شريفة الشملان أنها لا ترهن نفسها ولا تستفرغ طاقتها الإبداعية في سبر القضايا بعموميتها، وبمنطلقات فضفاضة، بقدر ما تجنح إلى معالجة القضايا المعقدة، بطرائق انسيابية سهلة المداخل والمخارج، وبلغة مطواعة تستطيع من خلالها إبلاغ المراد، من دون عنت. والشملان غير بعيدة فيما تنتجه من قصص عن المساس بمشكلات ذات طبيعة اجتماعية تمثل بعض ما يمس عوالم المرأة الخفية، ومعاناتها الداخلية، وكأنها تعيد قولبة مشكلات يلقي بها القراء/ القارئات على صفحات الصحف طالبين الحل... لكن الحل ليس ديدنها، بقدر ما يجنح عملها وهاجسها إلى تصوير الأضرار النفسية التي تستأثر بعمومية المشهد.
لذلك يستأنس القارئ بما تكتبه، لاسيما أنها تترك طرح أسئلة «التفاصيل»، إلى طرح الأفكار العامة باعتبارها قيما أخلاقية أو جمالية متعالية، أو مدونات احتجاج ليست ذات صخب، بآليات منحازة دوما إلى منطق الطفولة بأسئلتها التي تبدو حينا ساذجة، وحينا آخر عميقة حد الإدهاش... ويبقى مشروعها القصصي في تجاذب بين متطلبات الواقع بما يزخر به من تموجات وتقلبات وآهات تنفلت انفلاتا بفنية أقل على الورق، أو تنحاز محركات الإبداع إلى استلهام الأسئلة الكبرى وإعادة تركيبها وصوغها بمنظور طفل بالكاد بدأ يحاول القبض على مفردات قليلة، ويعيد رصها الواحدة إلى جانب الأخرى، ليظهر في النهاية مجموع المفردات أسئلة أزلية ظلت الأجيال تتوارثها، دون أن تجد لها حلا، ما يمس المشكل الوجودي مباشرة.
لشريفة الشملان ثلاث مجموعات قصصية صدرت سابقا، هي «منتهى الهدوء» 1989، «مقاطع من حياة» 1993، «وغدا يأتي» 1997، أما مجموعتها الأخيرة موضع النظر فقد حملت عنوان «الليلة الأخيرة» 2002، وتشتمل على 22 قصة قصيرة، تتراوح موضوعاتها وفنياتها بين الخطوط العامة المرسومة أعلاه، كما تتذبذب مستوياتها الفنية، بين قصص تتوافر على حس إبداعي، في حين يكتفي بعضها الآخر، بتلمس بعض اليومي من المشكلات، بصورة يترجرج فيها السؤال الإبداعي عند عتباته الأولية، دون الذهاب، أو الابتعاد أكثر إلى حيث المقتضيات الفنية المتوقعة.
لكن أبرز ملمح يبدو شاخصا في قصص المجموعة هو اتخاذها من التنويعات على ثنائية الحب/ الحرب بمفهوميهما الأشمل بوصلة تمكن القارئ من إعادة جدولة القصص كلها تحت هاتين الفكرتين الأكثر تقادما وإرباكا للنفس الإنسانية، والأكثر معاصرة لما نحن فيه. وفي إطار هذه الفكرة حينما تندلق التفاصيل من معاينة طفل، أو مشاهدة مجموعة منهم يكون الوقع والأثر أكثر بلاغية وإبلاغية... ومثال ذلك قصة «ضحك» التي تسخر فيها الطفلة من كل شيء، متذرعة بالضحك وسيلة لمجابهة الهابط من أمور الحياة، وبعض لوازمها، والأمر ذاته يتكرر في قصة «الدوائر» التي يرسم فيها مجموعة من الأصدقاء الأطفال أحلامهم في دوائر على رمل بارد، سرعان ما يتركون أحلامهم بعد أن أودعوها الرمل، لتبقى مكانها، ويفعل الزمن فعله، وغير ذلك من نماذج أخرى.
إن الطفولة كما اقترح أمين صالح في أوراقه السينمائية، هي مكمن الخطر على النجوم، لأنها ببساطة تختطف الأضواء منهم، وينحاز المشاهد إليهم تلقائيا، وهكذا تبدو بعض قصص هذه المجموعة لجهة تمكنها من فرض سطوتها على القارئ، وهو ما نجحت في استثماره، وخصوصا أن الطفل يستطيع من دون مداورة تمرير أسئلة على درجة كبيرة من الدقة والحساسية، قد تكلف قائلها الراشد الكثير... وقد تخرج من فيه من دون أن تحقق أية درجة من درجات الإدهاش...
وفيما يلي قصة قصيرة للكاتبة ننشرها بإذن خاص منها