العدد 186 - الإثنين 10 مارس 2003م الموافق 06 محرم 1424هـ

إعادة نظر

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

نحن في مرحلة إعادة النظر. و«نحن» لا تعني تلك الجماعات القاطنة في هذه المساحة من العالم بل كل الجماعات المعنية بالحاضر والمستقبل. واعادة النظر مسألة حيوية تعني الكثير من المهتمين بقوانين الصراع وتعقيداته الظاهرة والباطنة وتطوراته واحتمالاته.

بُعيد انتهاء «الحرب الباردة» الأولى، قيل الكثير من الآراء والنظريات.

قيل مثلا ان عصر الحروب انتهى بانهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط معسكره الاشتراكي وان العالم دخل فترة الاستقرار الدولي، وساد مبدأ «السلم البارد» وبات الاطار السياسي الذي منه تعالج كل الامور المختلف عليها.

قال فرانسسكو فوكوياما (مفكر اميركي - ياباني) ان الغرب انتصر وبانتصاره دخل العالم فترة «نهاية التاريخ». فالتاريخ برأي فوكوياما انتهى لأن العالم يسير بأكمله نحو الغرب الديمقراطي - الليبرالي. فالمسألة برأيه مسألة وقت ولم يعد هناك من مبررات للحروب بعد اختفاء الطرف المضاد وهزيمة الافكار الايديولوجية التي رسمت حدود الانقسام والصراع.

خالف صموئيل هاتنغتون مختلف المدارس التي ركزت على «السلم العالمي» واتجه نحو اعادة رسم حدود جديدة للصراع مستخدما جغرافيا الحضارات أساسا لنظريته، فقال بأن العالم انتهى من مرحلة الصراع الايديولوجي - السياسي ودخل مرحلة من الصراع الجديد - القديم الذي يقوم على مبدأ الثقافة واختلاف الحضارات وشخصياتها التاريخية واضعا الاسلام (والعالم الاسلامي) في مقدمة الحضارات التي تملك عمقا تاريخيا ومساحة جغرافية ووجهة نظر مضادة للثقافة الديمقراطية - الليبرالية.

إلى هاتنغتون كانت هناك وجهات نظر متطرفة في تصوير الصراع المقبل مع الاسلام. حاولت تلك النظريات اختراع عدو جديد للحضارة الغربية جاعلة من الاسلام القوة المضادة واحيانا البديلة عن الغرب في حال لم يتحرك الاخير ويحتوي العناصر الخطيرة في الاسلام. ولجأت المدارس المتطرفة إلى اختراع ازمة مع الاسلام اطلق عليها المخاوف من الاسلام (الاسلامغوبيا) وهي ترى في العالم الاسلامي الخطر الجديد والعدو الدولي الصاعد بعد انهيار معسكر موسكو. وتحدثت تلك المدارس عن كل شيء له صلة بالاسلام: التاريخ، والجغرافيا، والدين، والثقافة، والتربية، والبداوة، والعنف، والمرأة والرجل، والزواج، والطلاق، والميراث، والمدرسة، والسلوك، والاجتماع، الريف، والصحراء، والبحر، والمرتفعات، والنفسية، والعقلية،و الطول والعرض، واللون، والسحنة، وقسمات الوجه، والطعام والشراب، الجلوس والقيام، والهيئة، واللباس، والحجاب، والسلام والتحية... إلى آخره.

لم تترك تلك المدارس زاوية إلا وطرقتها. وصلت بعض المدارس إلى التطاول على خاتم الانبياء (ص) متهمة اياه بالعنف واعتماد السيف وسيلة وحيدة للقبول بالاسلام.

والخلاصة... خلاصة مجموع تلك الحملة. حملة التشهير والتحريض ضد الاسلام والمسلمين والعالم الاسلامي اننا الآن امام حملة عسكرية يقال انها تريد تأديبنا واعادة تربيتنا من جديد... والهدف منها اعادة تأهيلنا لنكون مثل البشر.

الا ان التاريخ «ماكر» كما يقول الفيلسوف الالماني هيغل. فالتاريخ مدهش. وهو دائما يحمل مفاجأة غير منتظرة، تصدم كل التوقعات وتقلب الطاولة وتعيد خلط الاوراق.

الانقسام الاوروبي - الاوروبي سقط كالفأس على رأس اشرار الحزب الجمهوري الحاكم في البيت الابيض. الانقسام الاوروبي هز المعادلات السياسية وطرح ارضا كل تلك النظريات التي اختزلت التاريخ ونهايته بفكرة واحدة هي «الايديولوجيا».

فوكوياما اختصر التاريخ واعلن نهايته بانتصار فكرة الغرب على الشرق. فالحروب برأيه ايديولوجية ولا صلة لها بالمصالح.

هاتنغتون اعاد تشكيل الصراع على اساس الحضارات (جغرافية الاديان) ولم يقرأ انه في داخل الحضارة الواحدة (الفكرة الواحدة) مجموعة تعارضات قد تصل في لحظة تاريخية إلى طور التناقض (التناحر) بين المصالح الواحدة على مساحة جغرافية واحدة.

اصحاب مدارس (الاسلامغوبيا) اصيبوا بكابوس من «الغوبيا» الاوروبية التي اعادت تذكير العالم بأن الحروب الحقيقية (العالمية - الكونية) في التاريخ الحديث كانت اوروبية في اصلها وفصلها وان التناقض الاوروبي - الاوروبي هو اساس الانقسامات والتحالفات والمعسكرات الساخنة والباردة في عالمنا المعاصر. فالاسلام الآن ليس وحده في «معمعة» صراع الحضارات وحروب الايديولوجيا. والعالم انقسم ليس بين الاسلام واعداء الاسلام... بل بين قطب واحد ومعسكر متعدد الاقطاب.

نحن اذن في مرحلة اعادة نظر في كل ما «قيل» و«قال» و«طرح» من اكاذيب وخرافات واختراعات ايديولوجية عن اعداء وأزمات. فالتاريخ ماكر. ومكر التاريخ يحمل الينا دائما الكثير من العناصر الجديدة (القديمة) وهي ليست بالضرورة متوقعة. فعصر النبوة انتهى برحيل خاتم الانبياء (ص). ونحن منذ ذاك الوقت نعيش عصور العقل. والعقل مهما بلغ من التقدم والتطور يبقى قاصرا عن تصور كل التاريخ في مختلف تفاصيله. والعقل ماكر كالتاريخ يصدر عنه ومنه ما يعاكس كل التوقعات والفرضيات.

للأسف، الحروب لم تنته بنهاية «الحرب الباردة» الاولى فنحن امام ارتسام حدود حرب باردة ثانية ليس على اساس الايديولوجيا، وانها على قواعد المصالح وتوازنها

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 186 - الإثنين 10 مارس 2003م الموافق 06 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً