قامت ديبورا كولكر بالكثير من الأنشطة في حياتها، وقد يتعجب المرء كيف تجد وقتا لكي تنام. إنها يقظة دائما وتمتاز بصوت برازيلي متفجر حماسة، ووجه مفعم بالطاقة المتقدة. تشك إن قيل لك إنها خلدت إلى الراحة. تحمل الكثير من الإنجازات في سيرتها الذاتية وهي مازالت في الحادية والأربعين من العمر: عازفة بيان (تضاهي أباها الراحل عازف الكمان وقائد فرقة موسيقية)، لاعبة بارزة في الكرة الطائرة سابقا (تتدرب أربع ساعات يوميا)، خريجة علم نفس (خمس سنوات في الجامعة)، راقصة (رقص الباليه والرقص المعاصر)، أم (لطفلين)، ومربية حيوانات (خمسة كلاب). لا تقبل أنصاف الحلول، ولم تجرِ مقابلات. بعد أن قضيتُ معها ساعتين، أُنهكتُ واحتجتُ إلى أن أستلقي.
أصيبت كولكر عندما كانت في السابعة عشرة من عمرها بأزمة وتعتبر لأبويها محنة، أوقفتها عن دراسات البيانو. «في لحظة واحدة أصبحتُ هكذا» تقول ممثلة حالة شلل تام. وأضافت: «سألتني أمي، ماذا أود أن أفعل؟»، أجبتها: «لا شيء، كل شيء، لا أعلم ما حدث لي». وهي تتابع الكثير من الأنشطة بموهبة وحب ولكن أدت الممارسة الطويلة واليومية إلى عزلتها تماما. ولكن أنقذها الرقص. «عن طريق الرقص أستطيع الانضمام إلى النشاط البدني والفن. بدأتُ الرقص ولا أرغب في التوقف عنه». كانت دراسة علم النفس رغبة أبويها اللذين أصبحا قلقين على خطر حياة الرقص. «ولكنني لا أستطيع القول إنني أضعتُ وقتي في علم النفس، كلا».
ضربت على المنضدة لتؤكد هذا الرأي «يعد علم النفس مهما للغاية لقائد فرقة من الراقصات المختلفات والموسيقى المصاحبة».
وقد اكتشفت ديبورا كولكر «كومبانهيا دي دانكا» في العام 1994، منذ أن حالفها الحظ السعيد العظيم، ومنحت الرعاية الكريمة من شركة نفط الدولة (بتروبراس). أعطى هذا الوضع راقصاتها منزلا فاره التجهيز في وسط ريودي جانيرو، وعقود كاملة (إجازات مدفوعة الأجر وتأمين صحي)، وعدد كبير من المدرسين.
وبصفتها واضعة ألحان راقصة، تنعم كولكر بطموح متقن. إذ وضعت قطعها الموسيقية الراقصة في شهرين، وهي ذات اختلافات مركزية تتطلب سنوات من التجهيز، والتصميم (بواسطة جرينجو كارديا)، والهندسة (بواسطة باتيستا دي سوزا)، وأعمال نجارة ثقيلة. وتصبح النتيجة فنا هجينا، انصهار الرقص ورياضة الجمنازية، وأحيانا يُؤدى هذا الفن في نماذج متحركة داخل بنيات متفاعلة، مثل لعبة الثعابين والسلالم مفعمة بالحيوية على مسرح.
وأحضرت اثنتين من قطعها الموسيقية الراقصة الخمس إلى لندن. ميكس (1996) مدمجة مع فولكاو (1994) مع فيلوكس (1995) ومختتمة بجدار للوثب ضخم إذ تتدلى الراقصات ويتسلقن كالذباب الثمل. تقول كولكر: «لقد حاولت إنشاء مسرح جديد لراقصاتي، بجانب المساحة الأفقية». الجدار ساكن، إذ ان في روتا (1997)، تحفز القطعة الموسيقية بواسطة زيارة لديزني لاند، مزينة بأشكال معلقة ومتحركة.
واستطردت «مع الجدار نجد القوة والسكون، بينما في الدولاب تجتمع القوة مع الحركة».
تظهر كاسا (1999) بيتا خشبيا يتكون من خمسة أطنان ونصف الطن على ثلاثة طوابق مع جدران وأبواب متنقلة ومتغيرة، بينما تتسلق الراقصات السلالم وينزلقن أسفل الأعمدة، أو يتقلبن من مستوى إلى آخر. وظهر «مولودها الجديد» 4*4 لأول مرة في مايو/ آيار الماضي، بالتعاون مع أربعة فنانين مختلفين مفعمين بالحيوية وتجهيزاتهم (تشتمل إحداها على 90 زهرية). في هذا العرض، رجعت كولكر إلى عزف البيانو، بجانب الرقص (كما تفعل في جميع قطعها الموسيقية الراقصة).
وتقود الأفكار التي تكتشفها في أحد المشروعات إلى مشروع آخر. ولكن لماذا توجد قطع معدات في المسرح الأول؟ تجزم أنها ليست وسيلة للاحتيال، ولكن طريقة لخلق مساحات جديدة. تقول: «بالنسبة إليّ فإنه من المهم اقتراح مساحات جديدة لإيجاد حركة جديدة، وخلق احتمالات جديدة وتجربة جديدة». وأضافت محركة يديها الصغيرتين: «وأيضا مهم لديّ الربط بين الرقص المعاصر والعالم المعاصر. وإلى حد ما قدمتُ التنزه المرح، الرياضة والحياة اليومية للمنزل في الرقص المعاصر. الآن بعرض القطعة الموسيقية 4*4 قدمتُ فنا حديثا مفعما بالحيوية».
ولكن بالعودة إلى كاسا والتي هي قطعتها الموسيقية الأخيرة التي جاءت بها إلى لندن، بعد أن زارت بها مسرح بوهوس في ويمار، بألمانيا. تقول: «اتصلت هاتفيا بجرينجو وقلتُ: أفكر في إقامة بيت، فقال: ماذا؟ وأخبرته أنني أريد بيتا وأن يكون متغيرا حتى يتحرك بجانب الراقصات. قال: حسنا، دعينا نحاول، ولكن سيكون صعبا. على جرينجو أن يفكر بعناية بشأن البناء لأن مع وجود 16 راقصة يجب أن يكون قويا للغاية».
تنقل البيت خلال نسخ كثيرة قبل أن يصل إلى هيئته الحالية. وهي ترى كاسا بمثابة اكتشاف للعلاقة بين الرقص والمعمار وبمثابة صورة للحياة اليومية. تقول كولكر: «ما يجذبني هو المظاهر، الأعمال المنزلية العادية. تمثل كاسا يوما في منزلك: تطهو، وتأكل وتنام قليلا، ثم لا تستطيع النوم، تفكر والجدران تتحرك ببطء لأنك تكون ثملا قليلا». ينجز كل هذا الأداء من دون وسائل مساندة، فقط هناك بيت وحركات راقصات. وهناك قطٌ يصل من السطح، هناك الكبار والأطفال.
تقول كولكر: «يمكنك التعرف على منزلك وحياتك وعن طريقهما أتعامل مع الإحساس والخصوصيات».
تحب كولكر الراقصات اللائي لديهن خلفية عن رقص الباليه، لأن ذلك يجعل أجسامهن مطواعة أكثر، ومن ثم يكتسبن المهارات الجمنازية (بمساعدة من جيرالدين ميراندا الشركة). تعطيهن كولكر عملا شاقا ـ ثماني ساعات يوميا من رقص الباليه، بروات وتقنيات معاصرة ـ على رغم أنهم لسن مثلها لا يمارسن العزف على البيانو لمدة ساعة ونصف الساعة.
وتقول: «كل يوم أتحدث مع راقصاتي وأطلب منهن التركيز». ولكن يجب على راقصات كولكر أن يتعلمن ويستفسرن ويشاركن بعقولهن خارج الرقص. «أحب العالم المعاصر. أحب الناس».
بالإضافة إلى تحولهن إلى متحدثات بارعات، لا يعتريهن الخوف. تقول: «لا يصيبنا الدَّوار». ضحكت ثلاث من الراقصات الجميلات اللائي يجلسن أمامي. «نقول أحيانا، لا نستطيع القيام بذلك العمل». وتقول هي: «أوه، نعم، تستطعن!». وتُمثل ألوانهن سلسلة كاملة من اللون الأشقر إلى الداكن، عالم مصغر لخليط متجانس للبرازيل. لديهن وجوه متفتحة وحيوية ممتعة، ولكن تأتي هذه النوعيات من كونهن برازيليات.
خدمة الاندبندنت - خاص بـ «الوسط