العدد 185 - الأحد 09 مارس 2003م الموافق 05 محرم 1424هـ

من الهامش إلى خارج اللعبة

حسام ابو اصبع comments [at] alwasatnews.com

يطرح الناقد المغربي سعيد يقطين في إصداره الموسوم بــ «الأدب والمؤسسة والسلطة، نحو ممارسة أدبية جديدة» أفكارا قوية بشأن مسألة التخلف، بشكل يبتعد كلية عن التنظيرات والمحاولات الأخرى التي تضع أمام ناظريها الواقع السياسي أو التحولات السوسيولوجية بمختلف أبعادها، أو التأزمات الاقتصادية، كآلية وحيدة كفيلة بإزاحة العبء التاريخي المفضي إلى التخلف الحالي.

وينطلق يقطين في طرحه لمسألة التخلف الحاصل، والدور الهامشي جدا الذي تلعبه الأقطار العربية، في هذه المرحلة التاريخية الحرجة، والذي يؤهلها تلقائيا وبامتياز لأن تكون لا على الهامش فحسب، بل وخارج إطار اللعبة. لاسيما - بحسب تأكيده - أن الاقتراحات المقدمة على الدوام تبدو مطمئنة تماما لجهة الحل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، في حين يبقى البعد الثقافي مهمشا إلى أقصى الحدود، وإن كان أحد المداخل المهمة لمعاينة ومعالجة الأزمة الخانقة، وهو ما يحاول يقطين تأكيده، وهو ما يمثل - أيضا - فرضية الكتاب. لذلك فهو يوجه دعوة صادقة لانتشال ما علق بالدرس الأدبي من شوائب وعوالق انعكست من ظروف موضوعية وذاتية مست الأفراد كما مست المؤسسات، وبالتالي استحالت مأزقا يحد من التطور المنشود في العمليات المصاحبة للفعل الأدبي كافة.

إن الإلحاح على الأهمية المنوطة بالمسالة الثقافية، لن تشكل الحل المعجز للمشكلات التي خلقت الأوضاع المتردية - كما يقول - إلا أن مسألة الأخذ بها في بعدها الإنساني ضرورة لامناص من الهروب من معالجتها. لهذا السبب ثمة إصرار من لدن المؤلف على ضرورة أن تستبدل الآية الكلاسيكية التي جعلت من الثقافي رديفا للسياسي، بحيث أصبح الثاني ردحا طويلا من الزمان، في الواجهة في حين توارى الأول وخبت.

والخروج من هذه الإشكالية - كما يقترح - لا يتحقق إلا بإعطاء البعد الثقافي أهميته وأولويته عبر آلية تجاوز الوعي النمطي، وذلك بإخراج الثقافة من القوالب التعبوية التي صبت فيها، ليتاح لها من ثم أخذ المسار الصحيح وتأدية الفعل الحقيقي على الصعيد المجتمعي.

والكتاب إجمالا يتجه نحو أمرين اثنين، الأول: التأكيد على انتشال الممارسة الأدبية من الفردية والحزبية والرؤية الضيقة غير العلمية، وإضفاء نسق العمل الجماعي والعلمي والتخصص معا، كوسيلة لإعادة بريق العمل الأدبي نقدا ودراسة، والتخلص من الأخلاقيات غير السوية والتي تضع شروطا غير ذات صلة بالإبداع كقيمة وإنما بالانتماء المعين، أو الشللية.

ومن الأفكار التي يطرحها في طريقة التعاطي مع الأدب، ممارسة وقراءة، تنظيرا وتطبيقا، تصورات خاصة بالممارسات الأدبية في صيغها المنتشرة، والمتسمة عموما بالقصور العلمي. منطلقا، مما يعيبه على النقاد جريهم الحثيث وراء المنجز النقدي الغربي لا في مظانه العلمية وطريقة تشكله أبستمولوجيا، ولكن باستيراد نتائجه، وإعادة تطبيقها من دون سبر علمي لها، وبإعادة تطبيقها على نصوص مختلفة وبلغة مختلفة. من دون أدنى محاولة لتأصيل البحث العلمي من خلال دراسة الأدب، وإنما بمجرد الاكتفاء ببعض المصطلحات الرنانة ذات الجاذبية والجرس، وهو ما يطلق عليه «الحذلقة»، وكنتيجة فقد سادت الإنشائية، على حساب التحليل، وهي مسألة تتواصل من تلقي الأستاذ المتخصص، إلى الطالب المتلقي. ويربط المؤلف بين هذه القضايا مجتمعة ليشير إلى التقصير الكبير في فعل الترجمة، وفي فعل التحقيق، الترجمة التي تنقل إلينا منجز الآخر، والتحقيق الذي يخرج النفائس طي الأدراج.

واستكمالا لقراءة الجوانب التي يمكنها أن تمثل قنطرة أولية إذ يلاحظ خللا في أدوار الأركان الثلاثة المشكلة للجامعة: الأستاذ، الباحث، الطالب، فالأول والثاني ينطلقان في مشروعهما البحثي من هواجس ذاتية لا يوجد ما يحفزها ويدفعها للأمام، ومن ثم فإن هذه الهواجس معرضة على الدوام للنضوب، أما الطالب فهو يعاني من تدن في مستويات التحصيل العلمي، ويعاني من غياب التشجيع والتحفيز، ومن ضعف قدراته المادية.

والسلك الذي يربط بين كل هذه الأسئلة... أين نحن من كل هذه القضايا، وما موقعنا، وهل ثمة بصيص أمل؟

العدد 185 - الأحد 09 مارس 2003م الموافق 05 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً