يقترب العالم يوما بعد يوم من امكان اندلاع حرب مدمرة على العراق على رغم كل التحذيرات والتخوفات التي يطلقها المجتمع الدولي بدوله وهيئاته ومنظمات الرأي العام، التي حذرت من خطر الحرب وتداعياتها، وذهبت حد رفضها، مطالبة باللجوء إلى الخيارات السلمية لحل ومعالجة المشكلات المحيطة بالموضوع العراقي. تحركت مئات المدن في اكثر من 60 بلدا في الآونة الاخيرة وقامت تظاهرات ضد الحرب، وانعقدت قمم بينها القمة الافريقية - الفرنسية، والقمة الاوروبية، وكذلك عدم الانحياز، والقمة العربية، اظهرت جميعها معارضتها الحرب على العراق. وبهذا الاتجاه جاءت نتائج الاجتماع التشاوري للقمة الاسلامية الذي انعقد على هامش قمة عدم الانحياز تمهيدا للقمة الاسلامية التي انعقدت في الدوحة الاسبوع الماضي ورفضت الحرب على العراق، وتبنت الدعوة إلى حل سلمي للموضوع العراقي، وهو ما تبنته مرجعيات دينية عالمية اسلامية ومسيحية.
واذا كان ما سبق هو تعبير عن معارضة شعوب العالم وأكثرية دوله للتوجه نحو الحرب، فإن السؤال عن موقف الشعوب التي تطلق حكوماتها الدعوات إلى الحرب، وتذهب في خطوات جدية باتجاهها، وخصوصا حكومات الولايات المتحدة، وبريطانيا، واسبانيا برؤوسها الثلاثة جورج بوش الابن، وطوني بلير، وماريه ازنار.
واذا كان من الصعب حصر ردود الفعل المعارضة للحرب التي ابداها الاميركيون والبريطانيون والاسبان منذ بدء تسخين الموضوع العراقي من جانب الولايات المتحدة واعتراضهم على التوجه نحو الحرب على العراق، فإن من المهم التوقف عند بعض المؤشرات الاخيرة، التي تعكس احتجاجا ضد توجهات قادة الحرب من جانب شعوبهم. ولعل الاهم في هذا الجانب، التوقف عند ظاهرتين في الاحتجاج الاميركي على سياسة بوش، اولى الظاهرتين، تدني مستوى شعبية بوش في صفوف الاميركيين بعد ان بلغت اوجها في اعقاب ضربة سبتمبر/ايلول 2000. ووفقا لنتائج استطلاع للرأي اعلنته شبكة «سي ان ان» التلفزيونية، تبين ان شعبية بوش تتراجع، وان اقلية من الاميركيين، تؤيد اعادة انتخابه في العام 2004، وقال 47 في المئة من الذين شملهم الاستطلاع، انهم يؤيدون اعادة انتخاب بوش مقابل 51 في المئة في ديسمبر/كانون الاول الماضي. وهذه اقل نسبة من التأييد يحظى بها الرئيس بوش في العامين الماضيين. والظاهرة الاميركية الثانية، التي تعبر عن معارضة الحرب المحتملة على العراق، تتبدى في قيام نصف مليون اميركي بحملة احتجاج عبر الهاتف والفاكس لدى البيت الابيض ومجلس الشيوخ على ضرب العراق. وهذه الظاهرة الاولى من نوعها، شملت احتجاجات ضد الحرب، قام بها اميركيون لدى مجلس النواب عبر شبكة الانترنت الدولية.
ولا يبدو وضع رئيس الوزراء البريطاني افضل حالا من الرئيس الاميركي، اذ تصاعدت حركة الاحتجاج على تأييده للحرب في الاوساط البريطانية، وصولا إلى داخل البرلمان البريطاني. وقد وقَّع نحو 100 من اعضاء حزب العمال في البرلمان بيانا، وصفوا فيه الحرب بأنها «غير مبررة»، وهو تطور رافقه هبوط في مستوى شعبية بلير وحكومته إلى ادنى المستويات منذ توليه منصبه. وأظهر الاستطلاع الذي اجرته مؤسسة «يوغوف» ونشرته «ديلي تلغراف» هبوطا حادا في تأييد بلير وحكومته، اذ قال 35 في المئة من المشاركين، ان بلير «سيكون افضل رئيس وزراء بين كل زعماء الاحزاب» ومثل هذه النسبة من المشاركين، قالت، انها ستعطي اصواتها لحزب العمال بزعامة بلير، اذا جرت الانتخابات البرلمانية حاليا، وتدني نسبة مؤيدي بلير وحكومته ناتج عن سياسة الحكومة تجاه العراق، وفشلها الواضح في تقديم خدمات عامة افضل والاعتقاد بأنها كثيرا ما ضللت الرأي العام.
وعلاقة الطرف الثالث من قادة الحرب على العراق رئيس الوزراء الاسباني ماريه ازنار مع الاسبان، تشبه حال صاحبه البريطاني، وكانت العاصمة مدريد مسرحا لأهم تظاهرة معارضة للحرب، بلغ تعدادها نصف مليون شخص، وهو رقم لم تصله تظاهرة اسبانية منذ عقود. وزاد على ذلك، قيام مجموعة دروع بشرية من الاسبان الذين وصلوا بغداد للاحتجاج على الحرب باقتحام مقر السفارة الاسبانية في بغداد تعبيرا عن غضبهم من موقف رئيس الوزراء وحكومته حيال العراق.
واذا كان موقف قائد الحرب بوش الابن في الحرب على العراق، يأتي في سياق تكريس زعامة واشنطن للعالم، وإحكام القبضة على منطقة الخليج ونفطها، وهو موقف يرضي اقلية من صقور الادارة، فإن موقفي بلير وازنار من الحرب لا يتعدى الحصول على فتات الطاولة، وهو ما يتصادم مع مصالح الانتماء الاوروبي للبلدين الذي عبر عن نفسه بعضويتهما في الاتحاد الاوروبي بما هو تعبير عن رغبات الاكثرية في بلدان اوروبا، التي تهددها مواقف بلير وازنار من الحرب على العراق
العدد 185 - الأحد 09 مارس 2003م الموافق 05 محرم 1424هـ