العدد 185 - الأحد 09 مارس 2003م الموافق 05 محرم 1424هـ

الأمم المتحدة... والولايات المتحدة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

إلى أين ستصل «الحرب الباردة الثانية» التي بدأت معالمها الدولية ترتسم في أوروبا وآسيا وإفريقيا، وما الشكل الذي ستأخذه في الأمم المتحدة الثلثاء المقبل؟

الولايات المتحدة، مدعومة من بريطانيا واسبانيا وبلغاريا، هددت بطرح مشروع قرار ثانٍ على مجلس الأمن في وقت جدّدت فيه فرنسا وروسيا والصين مواقفها الرافضة للمشروع الجديد الذي يحدد مهلة عشرة أيام... وإلا فالحرب ستقع على العراق.

على ماذا تراهن واشنطن في مشروعها الجديد، في حال استخدمت الدول الكبرى الثلاث (فرنسا، وروسيا، والصين) حق النقض، وأحبطت خطة تمرير القرار الذي تعوّل عليه الولايات المتحدة لتبرير هجومها العسكري؟

هناك أكثر من فكرة تراهن عليها الولايات المتحدة، منها إمكان حصول القرار على غالبية أصوات مجلس الأمن (9 من أصل 15 دولة)، وهذا يعني ان القرار يتمتع بتأييد دولي حتى لو لم ينجح في المرور بسبب الفيتو الثلاثي. ومنها ان تمتنع الصين وروسيا عن التصويت (لا مع ولا ضد) وتبقى فرنسا وحدها في ميدان المعارضة، الأمر الذي يشجع الولايات المتحدة على اتخاذ خطوة الحرب من دون غطاء شرعي من مجلس الأمن.

الفكرة الأخطر هي أن تكون خطة الولايات المتحدة من خطوة طرحها المشروع الجديد، اختبار قوتها السياسية في مجلس الأمن، في وقت يكون خيارها الحقيقي هو اتخاذ الموقف الذي تراه مناسبا لاستراتيجيتها من دون اعتبار للموقف الدولي... وهذا يعني ان واشنطن سارت في خط مستقل عن العالم واتجهت نحو قيادة الأمم إلى مستقبل مجهول.

المستقبل المجهول مخيف في كل الحالات. فهو يبدأ من خط تجاوز الأمم المتحدة وقوانينها ومظلتها الدولية، والبدء في تأسيس مظلة دولية جديدة خارج إطار الأمم المتحدة تقسِّم العالم وفق التصور الذي أعلنه الرئيس جورج بوش بُعيد ضربة 11 سبتمبر/أيلول ويقوم على فكرة ساذجة «مع أميركا أو ضدها».

الشروع في تأسيس مظلة دولية (أميركية) جديدة، فكرة قديمة راودت مخيلة إدارة واشنطن في حُقَب السبعينات وظلت تثيرها في أكثر من مناسبة حتى عشية انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك معسكره الاشتراكي. ففي تلك الفترة شهد العالم الثالث حركات غضب واحتجاج ضد الهيمنة الأميركية الاقتصادية وسياساتها الدولية في آسيا وإفريقيا. وأدت تلك الحركات إلى عزل الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ونجح «العالم الثالث» في تمرير قرارات دولية اعترضت عليها واشنطن بتأييد بعض الأصوات القليلة، بينما نجح الاتحاد السوفياتي آنذاك في انتزاع تأييد غالبية أصوات دول العالم.

لجأت الولايات المتحدة إلى وسائل كثيرة لمعاقبة الأمم المتحدة والدول المعترضة على سياساتها. فمثلا امتنعت عن دفع اشتراكاتها في المؤسسة الدولية فوقعت في عجز مالي وتراكمت عليها الديون وبلغت مليارات الدولارات. كذلك رفضت تنفيذ أي قرار يمر من طريق الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأصرت على إعادة طرح القرارات الدولية على مجلس الأمن الذي تملك فيه صلاحية التعطيل (الفيتو). كذلك اتجهت نحو معاقبة كل دولة لا تأتمر بأوامرها في الجمعية العامة من خلال قطع المساعدات المالية عنها أو إثارة القلاقل السياسية والاضطرابات الأمنية ضد نظامها المخالف لإرادتها.

نظرت الولايات المتحدة، في سبعينات القرن الماضي، إلى مشاعر دول الجمعية العامة للأمم المتحدة باحتقار. وهددت مرارا بتغيير الأنظمة الدولية لأنها تساوي الدول الكبرى بأصوات عشرات الدول التي هي مجرد مجموعة أصفار اقتصادية وثقافية وسياسية. وطالبت بإعطاء قرارات مجلس الأمن الأولوية، لأن المجلس يميّز في عضويته ويعطي الدول الكبرى أفضلية قانونية ويأخذ أهميتها الاقتصادية والسياسية في الاعتبار.

وصل التأزم بين الولايات المتحدة والأمم المتحدة (الجمعية العامة) حده الأقصى، وكادت واشنطن أن تخرج مرارا عن الإجماع الدولي احتجاجا على نظام مساواة القوي بالضعيف. ولجأت واشنطن إلى الاحتيال على قرارات الجمعية العامة، وكررت رفضها تطبيق ما يصدر عنها وتمسكت بفكرة نقل كل القرارات إلى مجلس الأمن لتصبح نافذة. وحين تُنقل كانت تستخدم «الفيتو» لنقضها أو تعطيلها.

استمر التوتر بين الولايات المتحدة والأمم المتحدة إلى التسعينات التي شهدت انهيار الاتحاد السوفياتي ومعسكره، وتشتت الدول (دول العالم الثالث في الجمعية العامة)، الأمر الذي أضعف جبهة التحرر والاستقلال وزاد من قوة الدول الكبرى ونفوذها وتحديدا الولايات المتحدة.

ومنذ التسعينات شهدت أروقة الأمم المتحدة فترة من التعايش السلمي بين «جبروت» الولايات المتحدة وتلك الدول الحائرة بين نزعة الاستقلال السياسي والحاجة الاقتصادية إلى المساعدات المالية الأميركية.

الآن كما يبدو، من الصراع الدائر بين فرنسا وأميركا، بدأ التوتر يعود مجددا، وأخذت المعالم ترسم خطوط حرب باردة جديدة ليس بين الدول الفقيرة والغنية، بل بين الأقوياء والأغنياء أنفسهم.

والسؤال: إلى أين ستصل الولايات المتحدة في معاندتها السياسة الدولية حين تتعارض مع مصالحها واستراتيجيتها؟... الجواب بعد التصويت الثلثاء المقبل

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 185 - الأحد 09 مارس 2003م الموافق 05 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً