العدد 185 - الأحد 09 مارس 2003م الموافق 05 محرم 1424هـ

تملّك الأراضي ثم شراؤها هدر للمال العام وقتل للنمو الاقتصادي

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

بدأ عدد من النواب التحرك بصورة جادة لتفعيل دور مجلس النواب من خلال طرحهم موضوع تمليك أراضي الدولة لأشخاص، ثم قيام الدولة بشراء تلك الاراضي مما يعد هدرا للمال العام. وهذا التحرك يعتبر الأهم من نوعه منذ تشكيل مجلس النواب الذي شكك البعض في قدرته على طرح موضوعات مهمة وحساسة من هذا النوع. ولذلك فان استمرار النواب في طرحهم الأسئلة ومطالبتهم بتشريع قانون يمنع هذا الهدر الفاضح للمال العام سيسجله التاريخ بأحرف من نور وسيثبت أن بامكان المناخ الديمقراطي، مهما كان محدودا، ان يدافع عن مصالح الأمة.

الاراضي وطريقة تمليكها واستخدامها من أخطر الأمور في أي بلد كان. وقد تطورت الديمقراطية على أنقاض النظام الاقطاعي في اوروبا، ومنذ ذلك الحين لا يمكن الجمع بين «الاقطاع» و«الديمقراطية»، إلا اذا كانت الديمقراطية هي صاحبة اليد العليا.

خلْق الثروة من خلال استقطاع الأراضي وتوزيعها بصورة مجانية وثم بيعها على الآخرين او على الدولة هو وسيلة للثراء ولكنه ثراء بأسلوب غير صحيح. فشتان بين شخص مثل بيل غيتس الذي صنع ثروته من خلال إبداع منتجات وخدمات الكترونية وبين من اصبح ثريا بين ليلة وضحاها من دون ان يبذل ذرة جهد في انتاج الثروة. وهؤلاء الذين يثرون بطريقة غير سليمة لا تستفيد البلاد من ثرواتهم التي عادة ما تبذر في البذخ، لان ما حصل عليه الانسان بطريقة سهلة يتم صرفه بطريقة سهلة وأنانية ايضا ولا يتم تدويره في الاقتصاد، بعكس الأشخاص الذين حصلوا على الثروة من عرق جبينهم وجهدهم.

الثري الذي حصل على أمواله عن طريق تقديم منتجاته او خدماته له مصلحة في اعادة استثمار ثرواته للمساعدة في تنمية السوق المحلية، ذلك لأن المزيد من النمو يعني المزيد من الطلب على السلع والخدمات التي يقدمها.

ثم ان كثيرا من الذين يحصلون على اراض مجانية يعرضونها في السوق ويضطر مواطن آخر إلى استنفاد ما يملك من اموال جمعها بعد عمل شاق وفترة طويلة من اجل تسليمها إلى شخص آخر حصل على تلك الأرض من دون مقابل. وهذا يعني ان هناك من يشقى طوال حياته لانه يعمل بجد واجتهاد وهناك من يترف طوال حياته لانه لا يعمل شيئا. وهذه الصورة المقلوبة لها آثارها المباشرة والبعيدة المدى على القدرة الوطنية للإبداع. فبدلا من ان يركز المرء جهوده على الطريق الحلال والمنتج، يتوجه إلى اساليب العيش القائمة على التملق والرياء من اجل الحصول على قطعة ارض هنا أو هناك.

ان ما يحز في النفس هو استمرار وجود هذه الظاهرة غير الديمقراطية، هناك اناس يبيعون كلاما ورياء ويحصلون مقابل ذلك على عطايا وهدايا، وبالتالي يخلقون نوعا من الاحساس بالغبن لدى الآخرين. وما لم نتجرأ جميعا ونطرح الآراء المعاكسة لهذه الثقافة فان الاجواء الانفتاحية تذهب سدى. ذلك لان الديمقراطية تعني المشاركة في القرار السياسي على اساس المساواة في الحقوق، وتعني المشاركة في الثروة على اساس الكفاءة، وليس على اساس الرياء.

ولقد كان لأحد المبتكرين الاميركان في مطلع القرن الماضي حديث مع رجل اعمال حاول سرقة ابتكاره وتسويقه من دون ان يعطيه حقوقه. فالتفت المبتكر اليه قائلا: تستطيع ان تفعل ذلك وانا لا أقدر عليك بسبب امكاناتك، ولكن اعلم انك بذلك تقتل بذور الابداع لديّ ولدى غيري، ادى ذلك الحديث إلى استشعار رجل الاعمال مسئولياته تجاه وطنه وتنازله عما كان قد عزم عليه.

لا مانع من الثراء، فقد خلق الله الناس درجات، ولكن يجب ان يكون الثراء مشروعا وليس على حساب المال العام وليس على حساب المواطنين العاديين. ولو اغلقنا هذا الباب غير السليم لتحصيل الثروة لفتح الله لنا ابواب رزقه الحلال التي تنمي البلاد وترضي العباد ورب العباد. ففي الهند، تلك البلاد التي نستورد منها ايدي عاملة رخيصة، هناك تخلق ثروات هائلة سنويا، ولكنها على اساس مشروع قائم على تنمية المواهب. فالشخص الذي اخترع نظام البريد الالكتروني (Hotmail) انما كان شابا هنديا صغير السن واصبحت لديه الثروات الهائلة بسبب ابتكاره. وله الحق في ان يفتخر بذلك بعد ان توسع ابتكاره ووصل إلى جميع انحاء العالم، وللهند ان تفتخر بوجود مليونير من امثاله.

اما نحن فلن نفخر بمن يحصل على ثرواته على حساب المال العام وعلى حساب المواطنين الكادحين

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 185 - الأحد 09 مارس 2003م الموافق 05 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً