على رغم محاولات الإدارة الأميركية فصل ما يجري ضد العراق، عما تقوم به «إسرائيل» ضد الفلسطينيين تستغل الحكومة الشارونية التحضيرات الأميركية للحرب على العراق والضغط الأميركي على الدول العربية من أجل خدمة أهدافها المباشرة: القضاء على الانتفاضة، والتخلص من الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وفرض شروطها في التسوية، والتخلص من تهديد سلاح «حزب الله» على حدودها الشمالية، وتضييق الحصار على سورية المؤيدة لما تعتبره حركات إرهابية. وبالاستناد إلى ما جاء في تقرير لمراسل صحيفة (هآرتس) في واشنطن برزت أخيرا انتقادات لسياسيين وصحافيين ينتمون إلى اليمين المحافظ أمثال فيت بيوكنان وبول شرودر اتهمت الإدارة الأميركية بالوقوع تحت تأثير مجموعة من المستشارين اليهود الموالين لـ «إسرائيل»، والذين يقودون الولايات المتحدة إلى حرب لا تخدم المصالح الأميركية، وإنما مصالح «إسرائيل». وذهبت هذه الانتقادات إلى حد اتهام هذه المجموعة بالازدواجية في الولاء.
واعتبر بات بوكانان في (أميركان كونزيرفاتيف) الأميركية، أن المصالح القومية الأميركية تقتضي أن تعلن أميركا استقلالها عن «إسرائيل»... فعلى رغم ان الدولة العبرية هي حليفة لأميركا في حربها ضد «الإرهاب» فإننا لسنا حلفاء لـ «إسرائيل» في حربها ضد الفلسطينيين... لافتا إلى ان الالتزام الأميركي مرتبط بأمن «إسرائيل» وليس بمستوطناتها التي كانت وراء اندلاع الانتفاضة.
ونصح يوئيل ماركوس في (هآرتس)، الحكومة الإسرائيلية، بألا تحشر أنفها في الحرب الأميركية المرتقبة وألا تنجر إليها بأي شكل من الأشكال... فيما اعتبر زئيف شيف في (هآرتس)، تراجع الولايات المتحدة عن الحرب سيكون له تأثير سريع على «إسرائيل». موضحا ان القوة الدفاعية الإسرائيلية تعتمد بشكل أساسي على الولايات المتحدة، وإذا تأذت القوة الدفاعية الأميركية، ستتأذى القوة الدفاعية للدولة العبرية بشكل تلقائي، وتصبح عرضة لوقاحة أعدائها، واستفزازاتهم. وبعد عملية حيفا الاستشهادية، كتب ألوف بن في (هآرتس)، ان هذا الأسبوع ليس الأسبوع الملائم لاعتراض طريق الأميركيين... مؤكدا أن ليس هناك نية لدى ارييل شارون وشاؤول موفاز لأن تنحرف «إسرائيل» عن سياستها الحالية في الأراضي الفلسطينية وأن تصعد هجماتها ضد الفلسطينيين!!.
ولاحظ عموس هاريل في (هآرتس)، ان شبكات التلفزة العالمية ألقت جانبا وبسرعة كبيرة صور الرعب في حيفا لتحل مكانها صور القتلى الفلسطينيين في عملية جباليا... وإذ اعتبر ان المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي لا يحسدون على مواقعهم، لاحظ انه مع كل غارة إسرائيلية على قطاع غزة، فإن التقارير والصور وشرائط الفيديو التي تتدفق من الجانب الفلسطيني، تحول عددا كبيرا من الرجال المسلحين الذين قتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي إلى مدنيين.
وأشار هاريل، إلى ان الصحافة الإسرائيلية قد تكون غير مبالية حيال حجم الخسائر الفلسطينية، إلا ان هذا ليس حال الصحافة العالمية. فالمراسلون الأجانب كانوا على بعد كيلومترات قليلة من جنوب جباليا، يستمعون إلى إفادات مفصلة من الفلسطينيين عن الهجوم. ولاحظ هاريل، ان شبكات التلفزة العالمية، ألقت جانبا وبسرعة كبيرة صور الرعب في حيفا، لتحل مكانها صور القتلى الفلسطينيين في عملية جباليا. وتساءل هاريل، عن فعالية الغارات التي تشن على قطاع غزة، لافتا إلى ان جيش الدفاع يقول انه يريد القضاء على حركة حماس في غزة ولكن من دون احتلال القطاع. ولكن هاريل، رأى انه من غير الواضح بعد ما إذا كانت الغارات المتواصلة على غزة ستعطي النتائج المطلوبة مثل احتلال كامل مدن القطاع. إذ انه على رغم الخسائر التي لحقت بعدد كبير من قادة حماس في القطاع، فإن الحركة تتمتع اليوم بشعبية واسعة لم تشهدها من قبل.
من جهته، يوئيل ماركوس في (هآرتس)، رأى انه يجب على «إسرائيل» ألا تحشر أنفها في الحرب الأميركية المرتقبة ضد العراق وألا تنجر إليها بأي شكل من الأشكال... مشيرا إلى الكلام الكثير والمتناقض في كثير من الأحيان الصادر عن المسئولين الإسرائيليين عن إمكان قيام العراق بتوجيه ضربات ضد «إسرائيل» أثناء الحرب الأميركية المرتقبة. إلا ان ماركوس، لفت إلى أن أحدا لا يستطيع التنبؤ بما ينوي صدام القيام به. ورأى ماركوس انه يجب على «إسرائيل» ألا تحشر أنفها في هذه الحرب، وألا تنجر إلى هذه الحرب بأي شكل من الأشكال. لافتا إلى ان اسم «إسرائيل» الذي تردد بشكل كاف خلال المظاهرات المعادية للأميركيين حول العالم هو مؤشر على ضرورة البقاء جانبا. فهذه الحرب ليست حربنا، ولا علاقة لـ «إسرائيل» بها. وأشار ماركوس، محذرا إلى المعارضة الواسعة في العالم التي تواجه بها هذه الحرب. لافتا إلى ان «إسرائيل» صغيرة جدا ولديها مشكلات كافية لتهتم بها. ونبه ماركوس، إلى ان الخطر المحدق بـ «إسرائيل» بعيد المدى ولا علاقة له بصواريخ صدام حسين. لافتا إلى ان إحدى الصحف الفرنسية كتبت أخيرا ان حرب الخليج أنتجت زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن، ولكنه رأى ان هذه الحرب قد تؤدي إلى جهاد ضد المسيحيين واليهود. وخلص إلى القول انه يجب على «إسرائيل» اليوم أن تفكر جيدا في التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين. ففي العام 1991 تعلمت «إسرائيل» درسا بأن ضبط النفس هو القوة. والدرس الذي يجب أن تتعلمه اليوم هو ان الصمت من ذهب.
وخلافا لهذا الرأي بدأ زئيف شيف في هآرتس، مقاله متسائلا، عما إذا كان هناك من سبب منطقي يدفع الرئيس الأميركي جورج بوش، إلى وقف آلته الحربية ضد العراق، وإلى استدعاء الجنود الأميركيين من دون أن يتسبب ذلك باعتباره فاشلا ومفلسا بوصفه رئيسا وقائدا؟ ورأى شيف، ان تراجع بوش، من دون تحقيق أهدافه سيعتبر هزيمة كبيرة للأميركيين. وبالإضافة إلى الضرر الذي سيلحق بـ «البريستيج» أو بالهيبة الأميركية، فإن الرئيس الأميركي نفسه سيكون عرضة لضربة قاتلة، تقضي على فرص إعادة انتخابه مجددا. واعتبر شيف، ان تراجع الولايات المتحدة عن ضرب العراق، من دون تحقيق أهدافها سيكون له تأثير يتخطى أيضا حدود بغداد وواشنطن. فإذا لم يتم نزع السلاح العراقي، سيكون لدى إيران سبب وجيه لاستكمال تطوير برنامجها النووي، وهذا الأمر سيكون له تأثير خطير جدا على منطقة الشرق الأوسط.
كما ان التراجع الأميركي، سيرسل موجات صادمة إلى العالمين العربي والإسلامي. فأصدقاء الولايات المتحدة سيكونون عرضة لهجمات من أسماهم المتطرفين الإسلاميين، الذين سيصعدون من هجماتهم «الإرهابية». وكوريا الشمالية ستزداد جرأة. وخلص إلى ان تراجع الولايات المتحدة سيكون له تأثير سريع على «إسرائيل». موضحا ان القوة الدفاعية الإسرائيلية تعتمد بشكل أساسي على الولايات المتحدة، وإذا تأذت القوة الدفاعية الأميركية، ستتأذى القوة الدفاعية للدولة العبرية بشكل تلقائي، وتصبح عرضة لوقاحة أعدائها، واستفزازاتهم. وكان شيف، قد رأى إثر العملية التي وقعت داخل حافلة للركاب في حيفا، انها شكلت دليلا إضافيا على ان هناك حاجة إلى وقف استخدام تعبير «السنة الحاسمة» عندما يناقش قادة أجهزة الأمن الإسرائيلي الهجمات التي وصفها بالـ «إرهابية» ضد المدنيين الإسرائيليين. موضحا انه على رغم ان القوى الأمنية الإسرائيلية استطاعت إحباط عدد كبير من الهجمات، والمهمات الانتحارية، فإن النشاطات «الإرهابية» مازالت مستمرة، وعدد المدنيين الإسرائيليين الذين سقطوا خلال الصراع ارتفع إلى 521، بالإضافة إلى 226 جنديا. ورأى شيف، ان هجوم حيفا، يمكن اعتباره ردا من حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» على الحملة الواسعة النطاق التي يشنها جيش الدفاع الإسرائيلي ضدهما. لافتا إلى ان حركتي حماس والجهاد تلقتا ضربات موجعة في الضفة الغربية.
ولكنه رأى ان هجوم حيفا أكد انه لا يوجد حل حاسم لمشكلة «الإرهاب». كما رأى شيف، انه يمكن رؤية الهجوم على انه محاولة لاستفزاز «إسرائيل»، وجرها نحو رد فعل عسكري عنيف لعرقلة أي تقدم على صعيد الإصلاحات داخل السلطة الفلسطينية. وأشار شيف، إلى ان الغارتين الأخيرتين اللتين نفذهما جيش الدفاع الإسرائيلي في قطاع غزة، نجمت عنهما خسائر فلسطينية فادحة في أوساط المدنيين. وأضاف ان الجيش يريد زيادة وتيرة وحجم عملياته، ولكن القيادة السياسية الإسرائيلية تطالب بضبط النفس تجنبا لمواجهات مع الإدارة الأميركية التي تستعد لحرب مرتقبة ضد العراق. أما بالنسبة إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي فقد رجح شيف، ان اقتراب موعد الحرب ضد العراق، قد يشكل حافزا بالنسبة إليهما لشن المزيد من الهجمات ضد «إسرائيل».
أما ألوف بن في (هآرتس)، فقد لفت استنادا إلى مصادر حكومية وأمنية إسرائيلية، إلى انه ليس هناك من نية لدى رئيس الحكومة شارون، ووزير دفاعه شاؤول موفاز، لأن تنحرف «إسرائيل» عن سياستها الحالية في الأراضي الفلسطينية، وأن تصعد هجماتها ضد الفلسطينيين ردا على هجوم حيفا. وأوضحت المصادر ان هناك ثلاثة أسباب تدفع شارون، وموفاز إلى ممارسة ضبط النفس وهي:
1- اهتمام «إسرائيل» بانتخاب رئيس للحكومة الفلسطينية نهاية الأسبوع الجاري. وعدم رغبتها في إعطاء ياسر عرفات عذرا لإلغاء هذا القرار وإلقاء اللوم على «إسرائيل».
2- «إسرائيل» لن تضع عراقيل في طريق الولايات المتحدة التي تستعد للحرب ضد العراق. فهذا ليس الأسبوع الملائم لاعتراض طريق الأميركيين.
3- السياسة الأمنية الحالية نجحت في إحباط الهجمات «الإرهابية» وفي الحفاظ على هدوء نسبي خلال الأسابيع الماضية. كما لفتت المصادر إلى انه لا يوجد أي ضغط داخلي على شارون، للرد بعنف على الهجوم، فوزراء الجناح اليميني أحجموا عن إطلاق تصريحات عنيفة، والتزم كل من نتنياهو، وسيلفان شالوم الصمت.
الربط العالمي بين حرب بوش على العراق والاحتلال الإسرائيلي وجرائمه في فلسطين شغل أيضا المحللين الأميركيين، فاعتبر بات بوكانان في أميركان كونزيرفاتيف، ان المصالح القومية الأميركية تقتضي أن تعلن أميركا استقلالها عن «إسرائيل»... مشيرا إلى انه على رغم ان الخزينة الأميركية تعاني من عجز يفوق الـ 200 مليار دولار، فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية شارون، الذي تجاهل نداء الرئيس جورج بوش، بسحب جيوشه من الضفة الغربية، يطالب اليوم الولايات المتحدة بمساعدات مالية إضافية بقيمة 4 مليارات دولار.
وتساءل بوكانان، لماذا يجب على الولايات المتحدة أن تدفع إلى «إسرائيل»؟ وما الذي ستحصل عليه في المقابل؟ وماذا قدمت المساعدات الأميركية لـ «إسرائيل» والتي تجاوزت الـ 100 مليار دولار، سوى عداء العالم العربي لأميركا؟ ورأى بوكانان، انه يجب على بوش أن يقول لشارون، انه لن يقدم أي مساعدات إلى «إسرائيل» ما لم يبدأ بإخلاء المستوطنات اليهودية داخل الأراضي الفلسطينية. ورأى ان المصالح القومية الأميركية تقتضي أن تعلن أميركا استقلالها عن «إسرائيل». فعلى رغم ان الدولة العبرية هي حليفة لأميركا في حربها ضد «الإرهاب» إلا اننا لسنا حلفاء لإسرائيل في حربها ضد الفلسطينيين. فالالتزام الأميركي مرتبط فقط بأمن «إسرائيل» وليس بمستوطناتها التي كانت وراء اندلاع الانتفاضة
العدد 184 - السبت 08 مارس 2003م الموافق 04 محرم 1424هـ