لا تبدو ظلال الحرب الأميركية المحتملة على العراق بعيدة عن دمشق. هذا ما يمكن لأي مراقب مدقق في الواقع السوري أن يخلص إليه. وخلاصة كهذه، ليست جديدة ولكن في تفاصيلها ومؤشراتها ما هو جديد، ذلك أن ظلال الحرب على العراق تبدو واضحة في السياسة السورية التي تتابعها الحكومة في صلاتها وعلاقاتها العربية والاقليمية، وخصوصا لهجة تأكيد موقف دمشق في معارضة الحرب والدعوة إلى انتهاج حل سلمي في معالجة الموضوع العراقي. وقلما يمضي يوم واحد من دون تصريحات من كبار المسئولين السوريين، تتناول موضوع الحرب وتأكيد عدم مشروعية اللجوء إلى القوة في معالجة القضايا المختلف عليها ولا سيما ما يتعلق منها بالعلاقات الدولية.
ولا شك في أن ظلال الحرب في انعكاساتها على السياسة السورية، دفعت السلطات إلى اتخاذ اجراءات احترازية من شأنها مواجهة آثار الحرب إذا اندلعت، ومن ذلك الإعداد لاستقبال لاجئين عراقيين من خلال إقامة معسكرات استقبال تستطيع ايواء القادمين وتقديم المساعدات الصحية والغذائية اللازمة اليهم، وهي اجراءات تتساعد فيها الحكومة السورية مع الهيئات والمنظمات الدولية المعنية.
وبطبيعة الحال، فإن ظلال الحرب المحتملة على العراق حاضرة بقوة في الاعلام السوري، وهو أمر ينطبق على وسائل الاعلام الخاصة، التي لا تشكل سوى كمٍّ قليل من وسائل الاعلام السوري المرئي والمكتوب والمسموع المسيطر عليه من جانب الدولة، وتحتل موضوعات الحرب المحتملة وما يتصل بها من أخبار وتحليلات وتصريحات الحجم الأكبر مما يطرحه الاعلام السوري وسط تركيز على المعارضة الدولية للحرب.
والشارع السوري في المستويين الشعبي والسياسي مشغول بالحرب المحتملة على العراق، ومن بين تعبيرات هذا الانشغال، تنظيم مسيرات واعتصامات شعبية، تتشارك في تنظيمها تنظيمات مقربة من جانب السلطات وأخرى من المعارضة. ويتم ذلك في دمشق والمدن الأخرى، وفي مخيمات الفلسطينيين في سورية، وخصوصا مخيم اليرموك، أكبر هذه المخيمات. وتختلط في تلك المسيرات والاعتصامات حال التداخل بالانشغال بموضوع الحرب المحتملة على العراق بالحرب الإسرائيلية المتواصلة على الفلسطينيين. ويترافق القيام بهذه الأنشطة الشعبية مع إصدار بيانات ونداءات تطلقها أحزاب سياسية ومنظمات أهلية، تشكل الكثير منها على خلفية مناصرة العراق وفلسطين.
وتعكس صيغة البيانات الصادرة عن الجماعات السياسية والمنظمات الأهلية قلق ومخاوف السوريين من الحرب على العراق، وما يمكن أن تجره من آثار مدمرة على المنطقة كلها، وسط شعارات عداء سافرة للسياسة الأميركية وللرئيس جورج بوش. كما تتضمن البيانات دعوات للقادة والمسئولين العرب إلى العمل على دعم العراق في مواجهة الحرب، فيما تتجاوز هتافات المشاركين في المسيرات والتظاهرات ذلك إلى التنديد بسلوك قادة وزعماء عرب في موقفهم من الحرب على العراق والهجمة الإسرائيلية على الفلسطينيين.
وتجاوزت ظلال الحرب على العراق في حياة السوريين اعلان المواقف، لتأخذ أشكالا عملية بينها، توجيه دعوات من جانب هيئات أهلية وشخصيات عامة تطالب السوريين في المناطق المجاورة للعراق بفتح بيوتهم لاحتمال استقبال «اخوة عراقيين» يمكن أن تشردهم الحرب، ودعوة السوريين إلى تنظيم رحلات إلى العراق في إطار حملة تضامن سورية مع الشعب العراقي في مواجهة العدوان المحتمل. ونظمت في حلب ودير الزور حملات استقبال لوفود الدروع البشرية الأوروبية الآتية عبر تركيا دعما لمواقف المتطوعين الأجانب الذاهبين إلى العراق.
غير أن ثمة ظلالا أخرى للحرب أخذت تظهر خفيفة في حياة السوريين، ومنها التوجه إلى شراء مواد غذائية أساسية، وتخزينها خوفا من التداعيات التي يمكن أن تحملها الحرب. وعلى رغم أن هذه الظاهرة، ليست عامة فإنها تعكس قلق فئات من السوريين ومخاوفهم. وما زاد في تلك المخاوف، تدفق عراقي ملحوظ إلى سورية، وتمركز عشرات الأسر العراقية في مدينة السيدة زينب في جنوب دمشق.
وجاء في سياق ظلال الحرب على سورية، قيام وزارة الخارجية البريطانية بدعوة رعاياها إلى تجنب السفر إلى سورية، والسماح لعائلات الدبلوماسيين بالعودة إلى بريطانيا «بسبب التوتر الاقليمي المتزايد» الناجم عن الأزمة مع العراق، كما نصحت الخارجية «المجلس الثقافي البريطاني» بفرعية في دمشق وحلب بإغلاق أبوابه حتى إشعار آخر. وهذا ما حصل
العدد 184 - السبت 08 مارس 2003م الموافق 04 محرم 1424هـ