البحرين أيام عاشوراء ليست هي البحرين في الأيام الأخرى، فالمواطن والزائر والوافد يشاهدون ويعيشون مظاهر احتفالية كبرى تبدأ منذ اليوم الأول وتستمر حتى الثاني عشر من محرم الحرام. والشعائر الحسينية تطورت مع الأيام وعكست أنماط التفكير السائدة في البلاد الإسلامية التي تحتفل بموسم عاشوراء بأساليب جماهيرية حاشدة.
وعاشوراء البحرين حركة اجتماعية، ثقافية وسياسية ارتبطت بحوادث البلاد وتطورها الاجتماعي والسياسي، وهي محط أنظار الجميع بعد الانفتاح السياسي الذي شهدته البحرين.
فبعد أن كانت مراسم عاشوراء غير معترف بها، وتتم مطاردة أصحاب المواكب والمشاركين فيها لأسباب سياسية، أصبحت هذه المراسم ـ وبتوجيه من جلالة الملك ـ معترفا بها منذ العام الماضي. وهكذا بدأ الإعلام الرسمي يتوجه إلى تسليط الأضواء على المراسم ونقلها تلفزيونيا وإذاعيا.
ولذلك فإن من الواجب الصعود إلى مستوى التحدي المطلوب، وألا نعكس شعائر غير مناسبة لزماننا الذي نعيش فيه، وخصوصا مع سقوط ضحايا كما حصل قبل عامين عندما توفي أحد المواطنين نتيجة إسالة الدم.
كما أن هناك من يتصيد على المسلمين ويدّعي بأنهم شغوفون بأساليب العنف والدم، وهي ادعاءات غير صحيحة. فالحسين الذي أثّر بثورته على مفكرين وسياسيين كبار من مختلف الأديان والثقافات لم يؤثر عليهم من خلال مواكب مملوءة بالدماء التي تنزف من المشاركين، ولا من الهتافات التي لا تحمل مدلولا عميقا في بعض الأحيان، ولا من الشعارات التي ترتفع فوق الجدران أو على اللافتات. بل إن كثيرا من هذه اللافتات والتوقيع الذي يدرج تحت العبارات المنشورة يحمل دلالات سياسية قد لا تخدم قضية الإمام الحسين. فالحسين (ع) نشر ثقافة إسلامية وجوهر هذه الثقافة يرفض كثيرا من الممارسات التي ينتهجها البعض باسمه.
لقد بدأت مراسم عاشوراء في التطور بصورة إيجابية في الأعوام الماضية، والبعد السياسي لتلك التطورات الإيجابية جلب سمعة حسنة للبحرينيين، فالتبرع بالدم من أجل المحتاجين في مختلف بلدان العالم الإسلامي وتنشيط حركة الفن من خلال المرسم الحسيني، إضافة إلى استعراض الأفلام على الشاشات الكبيرة كلها تدل على مدى التطورات الإيجابية في مراسم عاشوراء... ولكن مراجعة هذه التطورات خلال العامين الماضيين بالإضافة إلى هذا العام ـ أي ثلاثة مواسم لعاشوراء ـ نرى أن الوضع يشهد تراجعا لا تقدما. فقبل عامين كان علماء الدين البحرينيين من مختلف المذاهب يتقدمون أمام الكاميرا وأمام الناس للتبرع بالدم، ومن ثم يشاركون في المواكب، ولكن هذه الظاهرة اختفت منذ العام الماضي ولم نشاهدها هذا العام... ثم ان العام الماضي شهد تطورا نوعيا عندما تم استدعاء أحد الأساتذة (البروفيسور سجادينا) لإحياء عاشوراء باللغة الإنجليزية وقد امتلأت قاعة بوشهري ليليا، وحضر تلك الشعائر عدد غير قليل من الأجانب والناطقين باللغة الإنجليزية ليستمعوا لأول مرة إلى شخص يشرح قضية الإمام الحسين بأسلوب مبسط وباللغة الإنجليزية. ولكن هذا التطور الذي حصل العام الماضي اختفى هذا العام...
إن الحسين (ع) كان لكل البشرية وليس لفئة واحدة دون أخرى، ولذلك فإن مراسم عاشوراء يجب أن تتطور وتتنوع لكي يستطيع أن يشارك فيها من يود معرفة شيء عن ثقافة الحسين (ع). والخشية هي أننا، وفي عهد الإصلاح، نتراجع إلى الوراء ونعيد إلى السطح أساليب وممارسات لا تستطيع الأجهزة الرسمية بثها على التلفزيون لأنها لا تتناسب والذوق المقبول في عصرنا الحاضر... فهل لدينا الجرأة للإصرار على تطوير الشعائر بما يتناسب مع ثقافة الحسين (ع) ومتطلبات العصر الحاضر؟ أم أننا نخشى ذلك ونفضل أن ندفن رؤوسنا في التراب كما يفعل أكثرنا لسنوات، وربما لعقود، من دون أن يحرك ساكنا باتجاه تصحيح الأمور؟
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 184 - السبت 08 مارس 2003م الموافق 04 محرم 1424هـ