كان صراع الحسين (ع) صراع مبادئ وليس صراع مصالح سياسية. فالحسين رأى الضمير الاجتماعي اصيب بالجمود والتخشب، واصبحت الدولة المركزية تستقطب كل المجتمع والكل يدور حولها ويتمسح بأعتابها، وكان الحسين يعي جيدا تلك العوامل التي اشترت النفوس وبها صدئت القلوب، المال والسلطة والشهوة، تماما وكأن التاريخ يعيد نفسه. فالعوامل الثلاثة الآن تحرك العالم.
الاستئثار بالسلطة وتكدس الثروة في يد قلة من اصحاب القرار كما هو حادث مع ما يسمى بالنظام العالمي الجديد، وما نعيشه من «أمركة» اقتصادية وسياسية وثقافية دليل على ذلك. بالأمس تشترى رجال واليوم تشترى دول ومؤسسات واعلاميات، بالأمس كان عمر بن سعد يقول:
أأترك ملك الري والري منيتي
أم أرجع مأثوما بقتل حسين
كانت السلطة أمنيته، وعندما دعا عليه الحسين بقوله: «لا شربت من ماء الفرات ولا أكلت من قمح العراق»، أجاب بخسة «في الشعير كفاية»؟!
المال يلعب بالنفوس ويخرس الضمير ويذبح موقف الانسان حتى يجرده من ضميره، كان وسيلة وسلاحا تقليدا معتمدا لشراء الفتاوى الجاهزة القائمة على قاعدة «ما يطلبه المشاهدون»، كما هو اليوم حادث من فتاوى مسيسة روجت «للسلام» وراحت تضرب استراتيجية العمليات الاستشهادية من تحت الحزام.
فالمال هو السلطة... هو القوة لذلك توجه اليه اليهود، ودخلوا التجارة. طبعا الحسين يبحث عن المال المؤنسن ذي النزعة الانسانية.
إن الدراهم في المواطن كلها
تكسو الرجال مهابة وجمالا
فهي اللسان لمن أراد فصاحة
وهي السلاح لمن أراد قتالا
الرأسمالية العالمية والدولار الاميركي أصبحا سيدي العالم، وأصبحت اقتصاداتنا تدور وفق فلك تلك كل الهيمنة الاقتصادية.
كم انسان على شاكلة عمر بن سعد أو شمر بن ذي الجوشن جلادي الحرية بدأ الواحد منهم فأرا، صعلوكا، وانتهى في فترة قياسية قطا سمينا منتفخا على حساب السطو على المال العام واستغلال النفوذ!
الحسين كان يحارب ذلك الثراء السريع الذي يأتي بسبب البيروقراطية وغياب الرقابة متخذا من ذلك الحديث منهجا: «أما بعد فإنما أهلك من كان قبلكم أنهم منعوا الناس الحق فاشتروه بالباطل».
كان الحسين يمتثل سيرة جده «ص» وأبيه «ع»... فالتاريخ ينقل ان عليا جيء اليه بمال من اصفهان فقام بتوزيعه في الليلة ذاتها ثم صلى ركعتين بعد ان افترش المصلاة وتوجه الى جهة القبلة وقال: «اللهم اشهد على عبدك انه ادى الى عبادك حقوقهم».
هل لنا ان نقول ذلك في عالم قسم الى شمال متخم وجنوب معدم... تحكم فيه بنود دولية ومنظمات على هيئة «الجات» تلسع بالقروض والشروط ظهور الفقرا
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 183 - الجمعة 07 مارس 2003م الموافق 03 محرم 1424هـ