العدد 183 - الجمعة 07 مارس 2003م الموافق 03 محرم 1424هـ

في مناسبة انعقاد قمة الدوحة الطارئة منظمة المؤتمر الإسلامي بين الوهم والواقعية السياسية

أحمد عباس أحمد comments [at] alwasatnews.com

.

تشكيل منظمة المؤتمر الإسلامي، باعتبارها مجموعة ضغط سياسية اسلامية من الكتل المعترف بها في الأمم المتحدة. كان حلم الملك فيصل، الذي أعطى أهمية سياسية عالمية لمنظمة المؤتمر الإسلامي، على رغم محاولات الغرب تجاهل أنشطة المنظمة وشق وحدة صف دولها، فإن المنظمة تبقى المؤسسة العالمية الوحيدة التي قد تحقق حلم تحقيق الوحدة الإسلامية. أنشئت بعد حرق الإسرائيليين للمسجد الأقصى في القدس في العام ،1969 وتحرك الملك فيصل، الهدف منه تأسيس مجموعة إسلامية سياسية مؤثرة عالميا، لحماية المقدسات الإسلامية في العالم. وفعلا أحدثت المنظمة نقلة نوعية في فكر العلاقات الدولية مغايرة لنظريات الفلاسفة والمفكرين الغربيين. والسؤال: هل استطاع المؤتمر الإسلامي تحقيق آمال الشعوب الإسلامة وطموحها في تحقيق الوحدة الكبرى؟ هذا ما نحاول الإجابة عنه.

قمة الدوحة التي أنهت أعمالها في 5 مارس/آذار الجاري كان الغرض منها التضامن مع العراق، وفعلا صدر البيان الختامي الذي رفضل العدوان المسلح على العراق لكن ذلك البيان كما هو واضح لا يضمر المواقف الحقيقة للبلدان الإسلامية، وخصوصا تلك التي ترتبط أنظمتها بعلاقات متينة مع الإدارة الأميركية. التناقض واضح في المواقف تجاه العراق، فمرة تعلن تأييدها لاستقبال قوات أميركية على أراضيها لغزو العراق، ومرة أخرى تؤيد إزاحة صدام من السلطة أو العمل بكل جهد ونشاط ليتنحى عن السلطة، ولكنها في الوقت نفسه تؤيد بيان يستنكر أية محاولة لغزو الأراضي العراقية وتغيير النظام بالقوة، الواقع أن هذا هو حال البلدان الإسلامية والبلدان العربية. وهذا هو حال السياسات التي تنتهجها البلدان الإسلامية وبالاختصار «عدم الوضوح».

أعتقد بأن الدافع لإنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي، سببه أن الزيادة الهائلة في عدد المنظمات الدولية ونجاح أنشطتها في العالم، واتجاه المجموعات الإقليمية للتكتل السياسي والاقتصادي. حكومات البلدان الإسلامية استغلت الدين الإسلامي الحنيف لتحقيق مآربها السياسية، ولم يكن حافزا للمسلمين في تشكيل تكتل دولي خاص بهم لحماية مصالحهم القومية كما تصوره حكومات البلدان الإسلامية للناس، لكنه في الوقت نفسه سبيل لكسب الأصوات لأي مشروع سياسي للبلدان الإسلامية في الأمم المتحدة.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في العام ،1945 شهد العالم الإسلامي الكثير من الثورات الإسلامية المعارضة للهيمنة الاستعمارية على البلدان الإسلامية مطالبة بالاستقلال. وحاربت مليشيات الحركات الإسلامية المسلحة الاستعمار الإنجليزي والفرنسي والهولندي والإيطالي بعد ضعف الثورة العربية الكبرى بزعامة الحسين بن علي. إلا ان المستعمرين الإنجليز والفرنسيين كانوا يتربصون بدول الهلال الخصيب المرصاد، وبعد توقيع بريطانيا وفرنسا اتفاق سايكس - بيكو قسم الهلال الخصيب بينهما. وعندما وعد بلفور سنة 1919 اليهود بأرض لهم في فلسطين، حاربت الميليشيات الإسلامية الهجرة اليهودية إلى فلسطين، إلا أن التآمر الاستعماري ضد المسلمين والعرب والعرب سمح لليهود باغتصاب فلسطين. بيد أن الثورة الإسلامية لم تتوقف عند البلدان العربية بل امتدت إلى شمال إيران، حين حارب المسلمون الروس اللذين استولوا على المقاطعات الإسلامية شمال إيران، ولم تستقل هذه المقاطعات إلا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.

ولكن ما هي الجهود الإسلامية لبعث أمة الإسلام من جديد؟ كتب المفكر السياسي هولستي عن محاولة البلدان الإسلامية لبعث أمة الإسلام من جديد الآتي: «إن إيمان الشعوب الإسلامية بالقيم والتعاليم الإسلامية والرغبة في وحدة العالم الإسلامي هو نوع من تحقيق الأهداف القومية لكل بلد إسلامي، وخصوصا ان التوحد سيحقق المصالح القومية المشتركة كوضع الاتحاد الأوروبي».

فشل محاولات الوحدة الإسلامية

في القرن التاسع عشر وضع مفكرو النهضة الإسلاميون أيديولوجية إسلامية للوصول إلى هدف الوحدة الإسلامية عكس أسس دينية وليست سياسية، وكان أول مؤتمر تصالحي لعلماء المسلمين السنة والشيعة في النجف الأشرف. دعا فيه المؤتمرون إلى الوحدة بين الفريقين الإسلاميين لمواجهة أعداء الإسلام. كما عقد مؤتمر مماثل في سلونيكا بتنظيم من لجنة الوحدة والتقدم الإسلامي. وفي العام 1952 عقد مؤتمر إسلامي آخر في مدينة القدس تخلى فيه المؤتمرون عن فكرة إعادة تأسيس الخلافة الإسلامية، وطالبوا ببعث الأمة الإسلامية ووحدة الشعوب الإسلامية. وفي مؤتمر كراتشي في العام 1954 تم تأسيس المجلس الإسلامي الدائم، وانبثقت عن المؤتمر لجنة لمتابعة الوحدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلدان الإسلامية، كذلك دعم البلدان الإسلامية التي تناضل من أجل استقلالها للتخلص من الاحتلال الأجنبي. واستمرت جهود توحيد البلدان الإسلامية حتى تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي في العام .1969

تناقض مواقف الدول الإسلامية

فكرة تأسيس المنظمة وحدت إرادة الدول الإسلامية، بعد انتهاء حقبة الاستعمار وتحرر البلدان الإسلامية. ليس هناك مجال للشك ان إنشاء المنظمة كان مقدمة لمشروع إسلامي سياسي ناجح، أكسب الدول الإسلامية احترام العالم. والسؤال: هل الوطنية تناقض مواقف الدول الإسلامية السياسية وتقف حائلا دون تنفيذ فكرة الوحدة السياسية الإسلامية؟ الجواب يكمن في فشل تركيا في إقامة حكومة إسلامية عند قيام أول حركة علمانية في دولة إسلامية في العام ،1922 أي بعد الحرب العالمية الأولى، حين استطاع كمال أتاتورك الوصول إلى سدة الحكم في تركيا، واتخذ من العلمانية منهجا له. القومية التركية اتجهت إلى أوروبا وتحالفت مع تركيا بعد سقوط الرجل المريض «السلطنة العثمانية»، أظهر كمال أتاتورك عداء سافرا للإسلام، وتخلى عن الأحرف العربية في اللغة التركية، وأغلق جمعية دار الإسلام وفصل تركيا عن بقية الأمة الإسلامية.

الحركات القومية امتدت إلى البلدان العربية خلال الفترة من 1950 إلى 1962 وناقضت الفكر الإسلامي الوحدوي الذي تحول إلى فكر قومي. قبل هذه الفترة كان الإسلام محركا ودافعا ومحرضا لحركات التحرر من الهيمنة الاستعمارية على البلدان العربية، كما حدث في مصر وفلسطين وشمال إفريقيا والشام والعراق والجزيرة العربية وبعض البلدان الإفريقية. إلا أن ازدياد البعثات الطلابية العربية لدول الغرب غير من اتجاهات المفكرين العرب الذين تأثروا بالفكر القومي والاشتراكي للفلاسفة والمفكرين الأوروبيين.

في مصر تبنى عبدالناصر الفكر القومي وبعث الحماس القومي في الجماهير العربية لمحاربة الاستعمار والرجعية «الاتجاه الإسلامي» وأصبح بطلا للقومية العربية. كذلك كانت أفكار ميشال عفلق وصلاح البيطار القومية المستوحاة من الفكر القومي الفرنسي، مثار جدل واسع في أوساط المثقفين العرب عندما أسس في باريس حزب البعث العربي. وانتشار الحزب لاحقا يرجع إلى دقة تنظيم خلاياه، وانضباط أعضاء الحزب جعله من أكثر الأحزاب العربية القومية شعبية. الأحزاب القومية والاشتراكية العربية ساهمت بفعالية في النضال ضد الاستعمار، إلا أنها في الوقت نفسه قسمت الأمة الإسلامية، وتخلت معظم البلدان العربية عن دعم فكرة بعث الأمة الإسلامية والنهضة الإسلامية، ما أجج الصراع بين الزعيمين المرحومين جمال عبدالناصر «القومي» والملك فيصل «الإسلامي». إلا ان هزيمة «إسرائيل» للعرب في العام 1967 سنحت للتحرك الإسلامية مر أخرى، بعد إدراك الشعوب العربية والإسلامية للمصير المشترك الذي يربطها ضمن إطار المصالح المشتركة.

نظرية بول سيبورى بشأن المصالح القومية تنطبق على وضع البلدان الإسلامية، قال سيبورى: «إن الإيمان بوحدة العقيدة يحقق هدف المصالح القومية العليا وهي مصالح قومية مشتركة لشعوب العقيدة الواحدة».

آفاق منظمةالمؤتمر الإسلامي

على رغم تناقض المعتقد الديني مع المعتقدات القومية المتعصبة. فإن جمع أكثر من 56 بلدا تحت لواء منظمة سياسية اسلامية هو إنجاز كبير للملك فيصل، ونجاح في العلاقات الدولية للبلدان الاسلامية منذ انهيار الخلافة الاسلامية العثمانية في اسطنبول. إلا أن هذا النجاح المعنوي يجب أن تقابله خطوات عملية تجسد الوحدة بين الدول الاسلامية، تتمثل في وحدة الموقف السياسي، وحدة المصالح. والتضامن بين الدول الإسلامية لا يمكن ان يبيح غزو العراق للكويت أو غزو الهند لباكستان أو تدمير أميركا لأفغانستان والصومال والعراق والسودان وليبيا أو السكوت على مجازر «إسرائيل» في فلسطين أو روسيا في الشيشان أو التطهير العرقي في البوسنة وكوسوفو، أو تدمير قرى المسلمين في الفلبين. بطبيعة الحال فإن تحالف الدول الاسلامية في منظمة سياسية لم يقو عزيمتها لاعلان الجهاد على المحتل الإسرائيلي لتحرير المقدسات الإسلامية في فلسطين، على رغم أن ذلك التحالف يربط الدول الإسلامية بالاتفاقات والمعاهدات التي تنظم التعاون الإستراتيجي والسياسي والاقتصادي بين البلدان الإسلامية.

التناقض السياسي المهم هو تنوع أنظمة البلدان الإسلامية السياسية، والتوزيع غير المتساوي للثروة، والمشكلات العرقية في البلدان الإسلامية، ومشكلات الأقلية الإسلامية في البلدان غير الإسلامية، ومشكلة الهوية من أهم التحديات التي تهدد استمرارية المؤتمر الإسلامي.

المجموعة الإسلامية نشطت في حماية مصالح البلدان الإسلامية في المنظمة الدولية، إلا أن الاختلاف الواضح في أنظمة الحكم في البلدان الإسلامية عاق الانسجام والاندماج السياسي فيما بينها. كذلك ظهور جماعات إسلامية أصولية متعصبة كالتكفير والهجرة في مصر والعرب الأفغان في الجزائر وطالبان والقاعدة في أفغانستان أساءت للإسلام والبلدان الإسلامية وأضعفت البلدان الإسلامية، خصوصا بعد ضربة 11 سبتمبر/أيلول بتهميش أميركا لدور البلدان الإسلامية والمسلمين في العالم بعد محاصرتهم سياسيا واقتصاديا كما فعلت مع باكستان. والتحديات الأخرى التي تواجهها البلدان الإسلامية الأكثر أهمية هي: النزاعات الإقليمية والحدودية، بالإضافة إلى عدم وجود آلية لحل النزاعات بين الدول الإسلامية، أو جيش ردع إسلامي.

بلدان المؤتمر الإسلامي يواجهه نظام دولي جديد بقطب واحد سيطر على ما يعرف بالنظام العالمي الجديد، بعد أن كان متعدد الأقطاب قبل سقوط الاتحاد السوفياتي. المجموعة الإسلامية في الأمم المتحدة شكلت العام ،1980 وتمكنت من فرض قضاياها على جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في كل دورة حجم تكتلها، كما أن دول العالم تحاول دائما كسب ود المجموعة الإسلامية حتى تصوت لجانبها، المجموعة الإسلامية تضم 56 دولة عضوة في الأمم المتحدة ما يجعلها من أكبر التكتلات السياسية بعد مجموعة عدم الانحياز التي تضم أيضا دول المجموعة الاسلامية. لذلك فإن المجموعة الاسلامية تملك وسائل التأثير على عملية اتخاذ القرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة. إلا ان تحكم الولايات المتحدة والبلدان الأربعة الأخرى في مداولات مجلس الأمن لم تمكن المجتمع الدولي من تطبيق قرارات الجمعية العامة الخاصة بالبلدان الإسلامية وخصوصا قضية فلسطين، أو كشمير، ونفذت «اسرائيل» من عقوبات الأمم المتحدة وطبقت على بلدان اسلامية مثل العراق وليبيا والسودان وافغانستان.

إذ هل يكون خيار الوحدة الاسلامية مصدرا أساسيا لقوة العرب والمسلمين؟ أم أن الشعور الوطني والقومي والمصالح القطرية لكل بلد سيطغى على الشعور الإسلامي، ويكون سببا لانهيار المؤتمر الاسلامي، في ظل عالم متحرك تتحكم فيه تيارات العولمة والكتل الاقتصادية والتحالفات الاقليمية والدولية.

الإسلاميون في العالم الاسلامي يؤمنون بأن الرجوع إلى الإسلام هو الحل الأمثل لمعالجة مشكلات العالم الاسلامي، لذلك هل يتغلب المعسكر الإسلامي على المعسكر القومي، أم يسود الفكر السلفي؟ هذه الأسئلة سيجيب عنها تحرك البلدان الإسلامية المقبل في المؤتمرات المقبلة.

العدد 183 - الجمعة 07 مارس 2003م الموافق 03 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً