العدد 183 - الجمعة 07 مارس 2003م الموافق 03 محرم 1424هـ

قراءة في الانتخابات البلدية في ايران انتفاضة الجمهور ضد الحزب

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الذين ذهبوا إلى المنازلة ليكسبوا الرهان خسروا المعركة وهزموا شر هزيمة والذين استنكفوا عنها ربحوها بثمن شبه مجاني. فجمهور الاصلاحيين لم ينزل بقوة كما عودهم إلى الميدان فبقوا لوحدهم متشبثين ببعض القواعد الحزبية البائسة. فما بقي جمهور المحافظين وفيا بعض الشيء لرجاله ورموزه فشارك مشاركته الاعتيادية فاوصل رجالا ونساء من التيار إلى المجالس البلدية هم من صنف ونمط مدرسة المحافظين لكنهم ليسوا من رموزهم المسيسة والمؤدلجة التي استنكفت النزول كما قلنا فارسلت «ظلالها» اذا جاز التعبير وهنا قد يكون بيت القصيد بنظم البعض.

ثمة من يعتقد هنا في طهران بان نتائج الانتخابات البلدية الثانية لم تكن خسارة للاصلاحيين فقط وربحا للمحافظين فحسب بقدر ما كانت «نكسة سياسية» للاحزاب والأجنحة الحاكمة عموما سواء كانت من احزاب الحكومة «وغالبيتها اصلاحية» أو «احزاب السلطة» وغالبيتها محافظة مستندا في ذلك إلى أمور كثيرة أهمها:

اولا: ان انخفاض عدد المشاركين في الانتخابات وتحديدا انكفاء نحو 24 مليون عن المشاركة اي ما يقارب نسبة الـ 60 في المئة وطهران بالاخص ما يقارب الـ 88 في المئة كان هو الحدث الاهم وليس نوع الفائز وبأية نسبة فاز.

ثانيا: ان انكفاءة جمهور الناخبين المؤيدين للاصلاحيين عن جماعاتهم لم تنتقل لصالح المحافظين بل تم توظيفها لغير صالح العملية الانتخابية ككل.

ثالثا: ان نجاح «المحافظين» لم يكن في سياق تنامي اصوات الجمهور لصالحهم بقدر ما حصل بسبب غياب ناخبي الاصلاحيين عن صناديق الاقتراع.

والدليل الواضح على ذلك هو ثبات حجم الاصوات التي ظلت تصب لصالح المحافظين.

رابعا: ان التصويت لصالح الفائزين وعدم التصويت لصالح الخاسرين لم يكن على اساس القول بنعم لصالح مشروع حزب سياسي على حساب مشروع سياسي آخر لهذا الحزب أو ذاك بقدر ما جاء لصالح افراد واناس ووجهاء من رموز المدنية والريف ممن يعرف عنهم بالصلاح والمسلكية المستقيمة والسليمة وغير المصنفة في خانة الاحزاب السياسية المعروفة.

خامسا: ان الرسالة المشتركة بين الذين انكفأوا عن صناديق الاقتراع «ولا نسميهم قاطعوا لأسباب سنشير إليها» هي ان الرأي العام الايراني يريد وجوها عاملة وخدومة للشعب تهتم بهمومه واهتماماته وغير منشغلة 24 ساعة بالسياسة فقط والاحتزاب السياسي والصراع على الكرسي والزعامة.

سادسا: وربما الاهم هو ان الذين ظلوا يصرخون ان الفرصة لو أتيحت لهم للترشيح بكل حرية وان الحكومة لو لم تستخدم الفيلترات السياسية والدينية امام مرشحيهم فانهم سيكتسحون المقاعد البلدية كانوا اصحاب الفشل الاكبر لهذه الاختبار بعد ان سمحت لهم الحكومة وباقرارهم في واحدة «من انزه الانتخابات التي حصلت حتى الآن منذ 25 سنة» إذ سقطت حركة الحرية المحظورة وكذلك كل الرموز الليبرالية والعلمانية المعارضة للسلطة وللحكومة إلى اسفل السلم الانتخابي والجماهيري بشكل فظيع.

اذن كانت هناك انكفاءة واعية ومقصودة وتحمل رسالة واضحة للأحزاب والرموز السياسية بشكل عام وللاصلاحيين طبعا بشكل خاص ان عليكم اصلاح انفسكم اولا وتغيير مناهجكم واسلوبكم في التعامل مع قضايا الناس قبل ان نشبعونا بالشعارات والادبيات التي لا تغني ولا تسمن من جوع، وهي ليست مقاطعة للانتخابات ولا للنظام السياسي في البلاد بالضرورة لانها لو كانت كذلك كان يفترض ان تترافق مع اعمال وسلوكيات مختلفة عن عدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع فقط.

وفي الغالب فانها سوف لن تكون كذلك في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة كما يتوقع الكثيرون المتتبعون لهذا الشأن.

ثمة «انتفاضة» وعي ورشد بالغ الحساسية والشفافية لدى جمهور الرأي العام الايراني ظهرت على مسرح الانتخابات البلدية ورسمت صورة مصفرة عن بؤس الحياة الحزبية الايرانية بشكل عام حاول الرئيس محمد خاتمي وصف جانب منها في اول تعليق له على نتائج الانتخابات عندما قال:

«انها جرس انذار وناقوس خطر لكل من يهمه الامر وخصوصا أصحاب المنابر السياسية والحزبية التي ظلت ترسم صورة سوداء عن بعضها البعض طوال الوقت» انها اشارة إلى التضامن الحزبي والصراع السياسي المقيت الذي كان يتفاقم يوما بعد يوم في الآونة الأخيرة ليس فقط بين أحزاب اليمين المحافظ واليسار الاصلاحي بل وبين اطراف تكتل الاصلاح ايضا.

اخيرا وليس آخرا فإن ثمة من يرى ان الرأي العام الايراني «المخملي» في طباعه وسلوكياته في العمل السياسي انما قام بفعلته هذه، فإنه قصد منها «معاقبة» كل الحزبيين والمتحزبين الذين ظلوا ينظرون إليه طوال السنوات الاربع الماضية التي انقضت من تاريخ المجلس البلدي الاول بمثابة «رقم» لارواح له يستطيعون استدعاءه متى شاءوا إلى صناديق الاقتراع لينتصر للسياسة فقط! بينما هو بأمس الحاجة إلى الانتقال من الشعار السياسي والصراخ السياسي احيانا إلى المشروعات الحياتية اليومية. وبالتالي عندما لم يجد الكثير من اصحاب هذا «الغني» فضل الانكفاء مؤقتا لاسيما في العاصمة بشكل خاص ولكنه حيثما وجد منهم انتخبهم وبقوة كما حصل في الكثير من المحافظات بعيدا عن معايير الاستقطاب السياسي المتداولة، لكنه قد يعود إلى لعب دوره وبقوة لقلب المعادلات من جديد في أول تجربة انتخابية جديدة مرة اخرى كما حصل من قبل في انتخابات الرئاسة الشهيرة في العام 1996م.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 183 - الجمعة 07 مارس 2003م الموافق 03 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً