العدد 183 - الجمعة 07 مارس 2003م الموافق 03 محرم 1424هـ

نظرية اللاحرب

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هناك رأي يقول إن الحرب على العراق لن تقع. هذا خطأ الرأي المذكور يعتمد على سلسلة تحليلات هي أقرب إلى التفكير «المؤامراتي» ويتجاهل التطورات الواقعة امامه من حشود عسكرية وصلت إلى 230 ألفا من القوات البرية والبحرية والجوية والاستنفار العام في مختلف القطاعات والقواعد القريبة أو البعيدة عن العراق. فالحشد كما يقول خبراء الاستراتيجيات العسكرية نصف حرب والنص الآخر هو الخطط الموضوعة ليسناريو المعركة والأهداف القريبة والبعيدة المحددة لها. وهي أمور انتهى البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) من رسمها منذ فترة وينتظر المناسبة الدولية وقرار الرئيس لاعطاء إشارة البدء.

الرأي الذي يقول إن الحرب لن تقع يعتمد على مجموعة فرضيات سياسية منها أن الحرب عادة تندلع بين خصمين على منطقة محايدة لم تحسم خيارها الدولي، بينما الحاصل أن الولايات المتحدة ستخوض حربها (إذا وقعت) في دائرة نفوذها وفي منطقة محسوبة دوليا على السياسة الأميركية. فكيف يمكن أن تحارب واشنطن نفسها وتخوض حربها في مساحة لا ينافسها عليها أية قوة دولية أخرى.

هذه الفرضية السياسية يعززها أصحاب رأي (اللاحرب) بفرضه عسكرية تقوم على فكرة المناورة الطويلة المدى التي تعمد استراتيجية «حد السيف» من دون أن تضطر في النهاية إلى استخدام السيف. يطلق البعض على هذه المناورة الطويلة تسمية «دبلوماسية البوارج» أي أن القوة الكبرى ترسل اساطيلها للتهديد لا للاستخدام وأن الخصم يفهم من الإشارة ما هو المقصود من الحشد والضغط فيستلم طوعا من دون حاجة إلى استخدام القوة.

وبرأي أصحاب نطرية اللاحرب أن العراق سقط عسكريا منذ فترة طويلة وأن قدراته الدفاعية، تراجعت منذ العام 1991 إلى حدودها الدنيا وما يملكه ليس مخفيا ولا يحتاج إلى كل هذا الحشد من القوات والأساطيل. هذا عسكريا. أما سياسيا فإن نظام بغداد أبدي استعدادي لتقديم كل ما هو مطلوب منه وأن فرق المفتشين الدوليين أكدت بالملموس ان العراق لا يملك الشيء المخيف الذي يستدعي كل هذه المناورات والمداولات. فالدولة ساقطة سياسيا من دون حاجة إلى خوض حرب تدميرية شاملة.

ويتابع أصحاب نظرية اللاحرب تحليلاتهم (فرضياتهم) بالتأكيد على المظاهرات المليونية التي حصلت في 600 مدينة في العالم اضافة إلى مواقف الاتحاد الأوروبي ودول عدم الانحياز والدول الاسلامية والافريقية والعربية كلها مؤشرات تدل على أن فرص الحرب باتت معقدة وصعبة وأنها تعطي حدة قوية للتيار المضاد للحرب في واشنطن أن يضغط على الرئيس جورج بوش (متذرعا بتلك الاعتراضات) بعدم اعطاء اشارة البدء بالحرب.

هذا كل ما يقوله أصحاب اللاحرب. هناك استنتاجات واضافات كثيرة من نوع أن الحشد مناورة وأيضا مؤامرة خططت لها واشنطن لا لتقوم الحرب بل لتعويم نظام بغداد وتحويل الرئيس العراقي إلى «بطل قومي» في الشارع العربي. فالحشد برأي بعض هؤلاء حصل اصلا لتغذية عناصر القوة في العراق وتقوية نظام صدام حسين حتى تعطي واشنطن لنفسها ذريعة سياسية لبقاء قواتها في المنطقة وابتزازها سياسيا واقتصاديا وماليا. وهذه «المؤامرة» على المنطقة لا تمر إذا انتقت المبررات التي تستدعي التخويف وبالتالي الحشد العسكري لزرع الطمأنينة في الجهات الخانقة من نهوض العراق وقيامه مجددا... الخ.

ماذا بعد؟ هناك الكثير من الآراء المتعلقة بأصحاب نظرية اللاحرب تصل أحيانا إلى استنتاجات غير معقولة وتخلق عاليا فوق أرض الواقع متحولة احيانا أخرى إلى نوع من الخرافات والتخويف السياسي. إلا ان الهبوط من علٍ إلى الأرض بعيد تركيب مقولة اللاحرب وايقافها مجددا على قدميها وهي أن الحرب مقبلة وكل المؤشرات تصب في اتجاه رياحها.

الحرب مقبلة. والسؤال الحقيقي لماذا الحرب إذا كانت تهدف إلى تحقيق أهداف سياسية متحققة أصلا منذ فترة ليست قصيرة؟ هذا هو السؤال.

سؤال الحرب ليس سؤلا. فالحرب واقعة. المشكلة في جواب ماذا بعد الحرب؟ وماذا تريد واشنطن أن تحقق في المنطقة أكثر مما حققته على امتداد أكثر من عقدين من الزمن؟ وماذا تريد تحصيله من «الشرق الأوسط» أكثر ما نالته من طريق السياسة والدبلوماسية؟ لجواب معقد وهو يتركب من مجموعة عناصر متداخلة أولها مصالح «إسرائيل» وأهدافها الخاصة من الاستراتيجية الأميركية الهجومية. وثانيها السيطرة على النفط للضغط مستقبلا على قوى حيوية دولية صاعدة في أوروبا (ألمانيا، فرنسا مثلا).

وثالثها اعادة رسم خريطة «الشرق الأوسط» وفق التصور السياسي الأميركي الذي يخدم نموذج الولايات المتحدة في وقت باتت واشنطن تعتبر ان التقسيمات الأوروبية باتت قديمة واستنفدت اغراضها ووظائفها.

كل هذه الأهداف المعلومة وغيرها الكثير لايزال في طي الكتمان تؤكد خطأ أصحاب نظرية اللاحرب فالحرب واقعة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 183 - الجمعة 07 مارس 2003م الموافق 03 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً