العدد 182 - الخميس 06 مارس 2003م الموافق 02 محرم 1424هـ

موعد جديد

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

مواعيد كثيرة حُددت لاندلاع الحرب الاميركية على العراق، آخرها كان 14 مارس/ آذار الجاري. استند الموعد المذكور إلى مجموعة معطيات منها التقرير النهائي لكبير فرق المفتشين الدوليين هانز بليكس.

اكثر من مرة قيل عن تقارير بليكس انها الاخيرة. المرة الاولى في 14 يناير/ كانون الثاني، ثم 27 يناير، ثم 14 فبراير/ شباط الماضي، بعد ذلك قيل في 14 مارس الجاري.

كل تقرير يقال عنه الاخير ثم يعاد التمديد لمهمة المفتشين واعطاء مهلة جديدة للحل السلمي. ومع كل تجديد يُكتشف بعض السلاح الذي لا قيمة عسكرية أو استراتيجية له. فالأسلحة والمواد وبعض المنصات والمحركات التي تم تدميرها بذريعة انها تخالف القرارات الدولية ليست ذات أهمية، وهي في الموازين العسكرية لا تستحق كل هذا الانتباه وليست بحاجة إلى كل هذا الضجيج الدولي والتضحية بالعلاقات الاوروبية - الاميركية ووضع صيغة الاتحاد الاوروبي على كف عفريت.

اذن نحن بانتظار التقرير النهائي مجددا في 14 مارس. وكل المؤشرات تدل على ان الاتجاه الدولي الغالب يميل إلى مزيد من التمديد وتجديد مهمة فرق المفتشين وتوسيع عملها وعددها.

الولايات المتحدة باتت في وضع دقيق للغاية. فهي لا تستطيع خرق الاجماع الدولي في حال نجحت مجموعة دول مجلس الأمن في تعطيل قرار الحرب ومنعت الولايات المتحدة المدعومة من الثنائي البريطاني - الاسباني من تمرير قرار ثان غير القرار 1441. والدول المعترضة على الحرب باتت في وضع افضل من السابق ولم تعد مكرهة على الموافقة على طلبات ورغبات واشنطن كما كان الامر عليه في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي حين وافقت دول مجلس الأمن بالاجماع بما فيها فرنسا والمانيا وروسيا والصين وسورية على اصدار القرار 1441.

منذ نوفمبر الماضي إلى مارس الجاري (أربعة اشهر) حدث ما يشبه الانقلاب في «المزاج الدولي» وتعدَّلت موازين الدبلوماسية وانحرفت عن المسار الاميركي واتجهت نحو صيغة تبحث عن هوية سياسية غير واضحة حتى الآن... لكنها بالتأكيد ليست اميركية وربما تكون مستقبلا ضد اميركا.

ماذا حدث حتى يتحوَّل «المزاج الدولي» أو على الاقل ينحرف عن المسار الاميركي ويندفع مستقلا عن هيمنة القطب الواحد؟ وماذا حصل حتى تجتمع الأمم في أكثر من هيئة اقليمية (القمة الافريقية، عدم الانحياز، الجامعة العربية، المؤتمر الاسلامي اخيرا) وتعلن صراحة رفضها المطلق للحرب على العراق أو فرض الحلول بالقوة العسكرية أو تغيير الخرائط السياسية والجغرافية من طريق الاحتلال الاجنبي؟ من اين جاءت هذه الدفعة المعنوية التي تحوَّلت بسرعة إلى قوة اقليمية من الصعب تجاوزها؟

يمكن القول ان ما حصل يصعب تفسيره في كلمات قليلة وسريعة، ولكن ما حدث ليس ابن ساعته أو نتاج تحولات سياسية مفاجئة وقعت في اقل من اربعة أشهر.

فالحركة المضادة للاستبداد الدولي في صيغته الاميركية هو نتاج تراكمات زمنية بدأت في العام 1991. منذ تلك الفترة اخذت نزعة الاستقلال عن الهيمنة الاميركية تنسج مساحة من الحرية لكنها كانت تفتقد إلى غطاء دولي يتمتع بقوة اقتصادية ومالية وثقافية ودبلوماسية واعلامية تعطيه المبرر العقلاني (الواقعي) للخروج وإعلان نفسه. وجاءت الفرصة من اوروبا. فالاتحاد الاوروبي في غالبيته العظمى اتجه نحو اعتماد سلوك لا يتطابق بالضرورة مع الاستراتيجية الاميركية التي يقودها اشرار الحزب الجمهوري. فمنذ وصول هذا الحزب إلى سدة الرئاسة الاميركية وتسلطه على إدارة البيت الابيض في يناير 2001، طرح سلسلة برامج تصعيدية ضد اوروبا وروسيا والصين و«النمور الآسيوية»، بدأت بالانسحاب من معاهدات الحد من التسلح النووي مع روسيا وانتهت إلى رفض توقيع اتفاق «كيوتو» المتعلق بالحد من الاضرار المتعلقة بالبيئة.

كل هذه السياسة التصعيدية حصلت قبل 11 سبتمبر/ ايلول 2001 ولاقت الكثير من الاعتراضات الدولية بدءا من روسيا وأوروبا والصين وانتهاء بتلك الدول التي لا قيمة سياسية لها ولا تتمتع بأي دور أو موقع اقتصادي. حتى منظمات حقوق الانسان والدفاع عن البيئة عبرت عن أسفها وحزنها من انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقات سبق وأن وقعها أو وعد بتوقيعها الرئيس السابق بيل كلينتون.

ضربة 11 سبتمبر أخَّرت بعض الشيء التحولات الدولية المضادة للهيمنة الاميركية، وأعطت بعض الزخم السياسي والمبررات الاخلاقية لسياسات الاستبداد الدولي الذي تفردت واشنطن بصوغ معالمه لمدة سنة كاملة. وفي الذكرى الاولى لضربة 11 سبتمبر بدأ المفعول السحري للاستراتيجية الاميركية الهجومية بالانكماش واخيرا بالانكشاف مجددا امام العالم.

لا شك في ان للاتحاد الاوروبي، وتحديدا فرنسا والمانيا وبلجيكا، الفضل في تغذية سياسات الاستقلال التي عبرت عنها المنظمات الدولية والاقليمية. فالاتحاد الآن بدأ يقود نفسه ويحاول أن يشق طريقه باستقلال عن المظلة الاميركية، وهذا يعني الكثير في توازنات السياسة الدولية واتجاهاتها.

نحن الآن امام موعد جديد في مجلس الأمن. عنوان الموعد هو العراق ومهمات فرق التفتيش، بينما الحقيقة تشير إلى ان 14 مارس هو موعد للاختبار والاختيار. اختبار القوة الدولية واختيار الطريق المستقل عن الاستبداد الاميركي

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 182 - الخميس 06 مارس 2003م الموافق 02 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً