العدد 182 - الخميس 06 مارس 2003م الموافق 02 محرم 1424هـ

شموع تحترق بسبب أمومةٍ غائبةٍ

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

ليس هنالك افضل من ساعة يجلس فيها الوالدان مع أبنائهما... انها ساعة ذهبية لا تقدر بالمال وليست محسوبة من العمر وذلك لما لها من تأثير كبير على روحية الطفل وما لها من ايقاع موسيقي جميل على نفسيته... حضور الام في المنزل يوفر الحنان الامومي الذي لا يمكن ان توفره اية امرأة اخرى مهما كانت قريبة من هذا الطفل، كذلك حضور الأب وعطفه ورعايته للابناء يقطع الطريق على اية ازمة نفسية أو حرمان عاطفي قد يتعرض له الطفل فيذهب للبحث عنه هنا أو هناك...

لذلك كان رسول الله (ص) يقول: «كفى بالمرء اثما ان يضيع من يقوت». ان اكبر جريمة يقترفها الانسان عندما يحكم على ابنائه بالاعدام المستقبلي أو بالسجن العاطفي... كثير من الابناء جنحوا نحو المخدرات أو الجريمة نتيجة ابوين مهملين... العراك الدائم، القسوة في المعاملة، التفرقة في المعاملة بين الابناء، بين الذكور والاناث، مثلا، أو بين الكبار والصغار.. أو التذبذب في التعامل... فأحيانا تبدو الام قطعة حنان متدفق واحيانا تقسو في الضرب والتعامل والتوبيخ... وهكذا... كل هذه العوامل تسبب كوارث كبيرة... من قبيل الفشل في الدراسة أو الهروب منها أو السطو والسرقة والميل الدائم إلى الانتقام.

اذن وجود الوالدين في المنزل وحضورهما بصورة متوازنة يعطي الاسرة مزيدا من الاستقرار والدعة والهدوء، لذلك نلحظ أن اكثر الدراسات العلمية وصلت إلى نتيجة ان اكثر الاطفال أو المراهقين الجانحين ممن وقعوا في جرائم مخدرات أو قتل أو فشل في دراسة أو... هم ينتمون إلى اسر مفككة فنلاحظ أن:

1- الجانح لا يسكن مع والديه في الغالب. إذ توجد عوائل تترك - مثلا - احد ابنائها في رحمة بيت الجد توفر له المال أو الطعام ولكنه لا يعيش مع الاسرة لظروف خاصة... هذا الابن يفقد ركنين اساسيين لاستقرار عاطفته (عاطفة ورعاية الام والاب)... هذا النوع من الاطفال تكون له القابلية اكثر للسقوط في اي شرك.

2- أُمّ الجانح ليست في ذمة الاب: غياب احد الابوين يسبب فراغا عاطفيا، ما يؤدي إلى عدم الاستقرار النفيسي للطفل.

3- احد الابوين أو كلاهما متوفى: ( النتيجة نفسها) فاليتيم يحتاج إلى تعويض كبير ويجب ان يقوم بهذا الدور احد أقربائه فهو اكثر عرضة لأي جنوح.

اذن العائلة المفككة أو التي تعاني من قسوة أو التي يغلب عليها الفراغ العاطفي أو التي يفقد فيها احد الاركان (الام أو الاب) ابناؤها اكثر عرضة للجنوح أو السقوط في شرك الجريمة أو المخدرات أو السطو والسرقة أو....

احيانا تجد بعض الاسر يتوافر فيها الركنان (الام والاب) ولكنهما أو احدهما بحكم المعدوم... فالقضية ليست فقط الوجود المادي والجسدي بل المعنوي وهو اكثر تركيزا، صحيح ان للجسد لغة خاصة وللوجود المادي معنى ولكن الوجود الحقيقي يكمن في الحضور الروحي والمعنوي والاخلاقي والعاطفي.

بعض الآباء ينجب ابناء للطرقات إذ الطريق يتولى تربيتهم وبعض الامهات ينجبن ابناء لتقوم برعايتهم الخادمة...

بعض العوائل تنشغل بالوظيفة طيلة اليوم إذ الام والاب يكتفيان بقبلة يتركانها على وجنتي الابن صباحا عند خروجهما إلى العمل وعند مجيئهما ليلا عندما يكون الأبناء نائمين... فالخادمة تقوم بكل المهمات.

هؤلاء الاطفال يصابون في نهاية المطاف بفقر عاطفي قد تظهر انعكاساته مستقبلا. ولذلك يجب على هذه العوائل الاجتهاد قدر المستطاع بانتهاز اية فرصة لتعويض هؤلاء الابناء عن كل ذلك الغياب الطويل الذي يحدث طيلة الاسبوع. وخصوصا إذا كان ضمن الاطفال مراهقون فهنا الرعاية تشتد.

اثبت العلم والشرع ايضا ان الطفل الصغير يشعر بالأمِّ وهو رضيع ويتحسس وجودها... كثير من الاطفال كُتِبَ الشقاء عليهم لفقدانهم احد الابوين أو كليهما، بطلاق متسرع او باستهتار في المسئولية أو لهروب أمٍّ إلى عشيق كاذب ضحك عليها فهربت بأنانية كبرى تاركة وراءها اطفالا تتقاسمهم هموم الزمن وتأكل طفولتهم انياب الرياح العاتية. كم من طفل اخذته يدا ابويه إلى حيث الجريمة؟... وكم من اب انفق وقته وماله وعطفه حيث الانانية الذاتية؟، متقلبا بين ايدي ماجنات أو غارقا في بحر الرذائل والخمر والمخدرات، تاركا وراءه اطفالا وزوجة مسكينة يتكففون الناس ويطرقون ابواب الصناديق الخيرية، ليس لانعدام مالٍ فالراتب الشهري كبير، لكن الاب (المثالي) يبذره هنا وهناك، على (عاشقة) هنا وعلى مائدة قمار هناك.

إن اكبر جريمة تقترفها الام عندما تترك ابناءها عرضة للضياع وتذهب مهرولة في خيانة زوجية إلى صديق ضحك عليها بكلمة... ان مثل هؤلاء الأمهات يلوثن معاني الامومة الصافية ولا يحق لهن الانتماء إلى الاسرة...

يقول العالم الفرنسي المهتم بسلوكيات الاطفال هبرت مونتاجنر: «لاحظت ان الاطفال الذين يتمتعون بروح قيادية هم في معظم الاحوال اطفال من اسر متفاهمة تسودها روح الحب، تقوم الام دائما بالتحدث إلى طفلها بلطف وحنان، ولا تقوم بأي عمل عدواني نحوه ان هو اخطأ، بل تعرف كيف توجهه بحزم، ولا تدلله إلى حد التسيب»، ويوجه نصيحة إلى الام فيقول: «ان طفلك يردد اللغة التي تعلمها منك، فأية لغة تلقنينه...؟».

ليس غريبا عندما يقول رسول الله (ص) قبل 14 سنة «اظفر بذات الدِّين تربت يداك». بعض الامهات لا تتعامل مع طفلها إلا بالتقريع والتوبيخ والضرب امام الاطفال الآخرين وإلقاء الشتائم فهي ترضعه صباحا وليلا بدلا من حليب العاطفة، (دعاوي) لا لها اول ولا ثاني وبعد ذلك تسأل نفسها متعجبة: «لماذا يفشل طفلي في الدراسة؟».

بعض الزوجات همهن الاكبر جمالهن وأناقتهن وعطرهن المميز واصطياد مجلة للازياء هنا ومجلة لنجوم السينما هناك، أما الاطفال فهم خارجون من دائرة الاهتمام.

قد يرضى الاطفال بنصف أمٍّ ولكن حتى هذه لا يجدونها، قد يقنعوا انفسهم بربع أو خُمس وحتى عُشر أمٍّ ولكن الام تفاجئهم بأن حتى العشر هو لغيرهم.

ان سبب انحراف الاطفال وخصوصا المراهقين هو ان الوالدين يقضيان اوقاتا طويلة في العمل.

الشاعر يقول:

ليس اليتيم من انتهى ابواه من

همِّ الحياة وخلفاه ذليلا

ان اليتيم هو الذي تلقى له

امّا تخلَّت أو أبا مشغولا

ليس من الانصاف ان نصنع اسرا لنضعها على قارعة الطريق أو نقيم اسرة لنضعها بين اسنان الجريمة أو في يد القدر يعبث بها الزمن وتتقاسمها شرور الايام.

دعونا نذهب إلى حيث المصحات النفسية... ألن نرى اطفالا مرضى بعضهم ذهب ضحية آباء معوقين نفسيا؟ كم من طفل سجين ارتكب جريمة كان نتاج أب مجرم؟ وكم من طفلة ومراهقة ذهبت ضحية لامبالاة الابوين إذ تركا لها الحبل على الغارب واذا بها تقع ضحية ذئب بشري؟

ألا تعتقدون ان الله سيوقف كل أب وكل أمٍّ كان لهما دور في ضياع أو موت أو انحراف ابنائهما؟ أليس الله يقول: «وقِفُوهُم إنَّهم مسئولون» (الصافات: 24) دعونا نقرأ بإمعان الآية المباركة: «يا أيُّها الذين آمنوا قُوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة» (التحريم:6)

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 182 - الخميس 06 مارس 2003م الموافق 02 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً