ثقافة التقسيم ثقافة قديمة زرعتها أنظمة تسلطية قديمة... فيزيد كان دائما ما يحاول أن يصور الصراع بينه وبين الحسين «ع» على انه صراع حكم أو خصومة أسرتين وليست القضية قضية حق أمام باطل... وكذلك دأب بعض المؤرخين على تصوير أن واقعة الطف جاءت في سياق خصومة عائلية قديمة بين بيت «بني هاشم» وبيت «بني سفيان» هكذا بطريقة تسطيحية لا تخلو من قفز على أحاديث متواترة لرسول «ص» وهو يحكي فضائحية مثل هذه الرؤى ومثل هذه التفسيرات التي لا تخلو من إسفاف.
الكاتب أحمد شلبي كاتب مصري وقع ضحية مثل هذا التفسير وراح ينتقد الحسين «ع» في خروجه مع عائلته بقوله «لماذا يخرج الحسين مع عائلة إلى حيث المسلخ والذبح... هل هو في رحلة سياحية!!». وهذه الرؤية المؤدلجة بالاحكام المسبقة القطعية يرد عليها الكاتب الانجليزي الشهير «جارلس ديكنز» إذ يقول: «إن كان الإمام الحسين قد حارب من أجل أهداف دنيوية فأنني لا أدرك لماذا اصطحب معه النساء والصبية والأطفال؟ إذن فالعقل يحكم انه ضحى فقط لأجل الإسلام».
طبعا ليس غريبا أن يأتي لنا التاريخ بحوادث وتصورات كتبت في تلك الغرف المظلمة في تلك الحكومات السياسية، فإذا كان حميد بن مسلم هو الآخر كان يكتب الواقعة وأحيانا يذرف دموعا على بعض المشاهد إلا أنه لم ير بأسا أن يسارع هو الآخر للحصول على احد الرؤوس المقطوعة كي يحظى بشيء من النقود. إن شراء الذمم كانت فضيحة ذلك العصر. حقيقة أن التاريخ الذي نقرأه تاريخ أولي يسمى بتاريخ البلاطات لأنه كتب بأيد متنوعة لا تخلو من محسوبيات، فقد لعبت السياسية في التاريخ لعبا لا يقل فضائحية من اللعب السياسي الذي تمارسها اليوم دولتا السياسة التي تدعى الديمقراطية أميركا و»إسرائيل».
يقول علي الوردي في معرض حديثه عن تدخل أجهزة المخابرات للدول القديمة إعلاميا وثقافيا إلى درجة استطاعت تلك الدول أن تجعل من الدين والدولة شيئا واحدا إلى درجة أن إمام الجمعة كان دائما ما يقرن الدين بالدولة فيدعو «اللهم انصر الدين والدولة»... وهذه الأدعية ارتفعت سنينا طويلة بعزف أموي أيام حكم معاوية ويزيد والدولة العباسية.
الكاتب الشهير خالد محمد خالد صاحب كتاب «أبناء الرسول في كربلاء»... كان يقول إن الوضع ما قبل كربلاء كان يتأرجح بين أن يكون مسجدا أو حانة خمر فجاء الحسين فألزمه أن يكون مسجدا ولكن بدمه وبعائلته التي قال فيها الشاعر مصطفى جمال الدين:
وتركت للأجيال حين يلزها عنت
السرى ويضيق فيها المهرب
جثث الضحايا من بنيك تريهم
إن الحقوق بمثل ذلك تطلب
طبعا مبادئ علي «ع» ترسخت في المجتمع بدماء الحسين. الإمام الحسين «ع» أراد أن يبدل تلك المعادلات الخاطئة التي تشكل بها وعي الجماهير في تلك الحقبة من الزمن... الحسين كان يهدف إلى ترسيخ حقوق الإنسان باعتباره مسلما وإنسانا أيضا ويريد أن يضع حدا لتلك الانتهاكات ولعمليات الاستهبال التي كانت تمارس ضد حقوق الرعية... لم يكن يريد الثورة للثورة فلا احد يوقع نفسه في وقود المحارق وإنما أراد به اهتزازا وأراد أن يهز تلك المنظومات الخاطئة التي كتبها الأمويون.
الشاعر كان يقول في الزمن السابق:
فان تأتوا برملة أو بهند
نبايعها أميرة مؤمنينا
لقد ضاعت رعيتكم وانتم
تصيدون الأرانب غافلينا
دم الحسين كان ثورة على النفس وليس ثورة الرضا عن النفس... كانت حركته تصحيحية لثقافة ترسخت في المجتمع أن المسلم يجب أن يكون عبدا وان القرآن مجرد كتاب لطقوس خرافية... الحسين بموقفه قلب المعادلة وعلى حد قول بنت الشاطئ الكاتبة المصرية:
«القى الحسين عبوات ناسفة في قلب الدولة الأموية فأسقطها»...
إلا نحتاج - حقيقة - نحن باعتبارنا دولة إسلامية وشعوبا إلى عبوات ناسفة حسينية لإسقاط دولة «إسرائيل»... طبعا نحن بحاجة إلى ذلك هذا إذا خرجنا من غيبوبة «فن الممكن» الذي أضاع أراضي لم يعد بعضها لنا إلا بفضل تلك الثقافة الحسينية في جنوب لبنان. عندما كان ينطلق الواحد منهم مفجرا نفسه في عملية استشهادية وهو يقول: يا حسين
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 181 - الأربعاء 05 مارس 2003م الموافق 01 محرم 1424هـ