العدد 181 - الأربعاء 05 مارس 2003م الموافق 01 محرم 1424هـ

سيناريوهات ثلاثة تواجه فرنسا في مجلس الأمن

إلى أي مدى يستعد شيراك الذهاب إليه؟

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

السؤال المطروح حاليا في فرنسا والعالم هو الآتي: هل سيذهب الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى حد استخدام حق النقض للحؤول دون موافقة مجلس الأمن الدولي على مشروع القرار الأميركي البريطاني الذي يجيز إعلان الحرب على العراق؟ حتى الآن، ليس من مسئول فرنسي على استعداد للإجابة صراحة عن هذا السؤال، إذ اكتفى شيراك ووزير خارجيته دومنيك دوفيلبان بإجابات دبلوماسية من نوع: سنتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب، أو لكل حادث حديث. ولكن، مع دوران عقارب الساعة واقتراب موعد انعقاد مجلس الأمن للتصويت على مشروع القرار الأميركي البريطاني، فستجد فرنسا نفسها، ربما للمرة الأولى في تاريخها الحديث، في مواجهة حاسمة مع الولايات المتحدة ستترك نتائجها انعكاسات هائلة على العلاقات بين ضفتي الأطلسي.

ثلاثة سيناريوهات

مع اقتراب موعد الاجتماع الحاسم لمجلس الأمن، يضيق هامش المناورة أكثر فأكثر أمام الدبلوماسية الفرنسية. وتتضح صعوبة التوفيق بين استمرار الزعامة الفرنسية للمعسكر الدولي المناهض للحرب، وبين تحاشي الوقوع في فخ التهميش والعزل داخل مجلس الأمن. ومن هذا المنطلق، بدأت الأوساط المقربة في الإليزيه تروج لثلاثة سيناريوهات محتملة هي الآتية:

أولا: عدم توافر الأصوات التسعة اللازمة لتبني مجلس الأمن مشروع القرار الأميركي البريطاني مما يجنب فرنسا تلقائيا استخدام حقها في النقض لإسقاط المشروع العتيد فتمتنع عن التصويت.

ثانيا: نجاح واشنطن في ضمان تصويت تسع دول أعضاء على الأقل الى جانبها، ونجاحها أيضا في إقناع الصين وحتى روسيا بعدم عرقلة تبني القرار، عندها ستمتنع فرنسا أيضا عن التصويت لأن إصرارها على استخدام حق النقض سيؤدي إلى عزلها وتهميشها وتدفيعها مستقبلا ثمن مغالاتها في مناطحة الثور الأميركي.

ثالثا: شك موسكو حتى النهاية بموقفها المعارض لخيار الحرب وتصميمها على استخدام حق النقض لإفشال صدور القرار الثاني عن مجلس الأمن، عندها يمكن لباريس استخدام حق النقض من دون خشية الوقوع في فخ العزلة والتفرد، وبإمكانها أيضا أن تعزز مكانتها الدولية أكثر من خلال تحميلها واشنطن مسئولية الذهاب إلى الحرب من دون موافقة مجلس الأمن ومن خارج الشرعية الدولية المتمثلة بالأمم المتحدة. يبقى سيناريو الامتناع عن التصويت هو الخيار المفضل للدبلوماسية الفرنسية، لأنه يجنبها بلوغ نقطة اللاعودة في علاقاتها المتوترة مع واشنطن، ولكونه ينسجم أكثر مع حجم التأثير الذي تمارسه فرنسا في العالم. فالرئيس شيراك، وبرأي الأوساط القريبة منه، مدرك تماما بأن الموقع المتميز الذي تحتله فرنسا على الساحة الدولية نابع كما هو الحال بالنسبة إلى بريطانيا عن كونها عضوا دائما في مجلس الأمن. ولولا تمتع فرنسا بهذه المرتبة الرفيعة، لكان تأثيرها الدولي موازيا لدول أخرى من حجم ألمانيا أو إيطاليا، في حين أن دولا بحجم روسيا والصين ستظل مهابة الجانب بامتلاكها حق النقض في مجلس الأمن أم من دونه. يبقى التفوق الاقتصادي والعسكري الساحق الذي تتمتع به الولايات المتحدة والذي يسمح لها باتخاذ قرارات أحادية الجانب في كل المسائل الكبرى التي يواجهها العالم، لم تحل يوما من دون محاولات فرنسا الدؤوبة، وغالبا بمفردها، التصدي للغطرسة الأميركية والتعبير عن رفضها لسياسة الإذعان والإلحاق التي يتقنها البريطانيون. فإذا كان الجنرال شارل ديغول أتقن في الستينات فن مماحكة الأميركيين وإزعاجهم، ولم يتردد في إخراج بلاده من القيادة العسكرية لحلف شمال الأطلسي، فإن جاك شيراك هو القائل: ان العالم هو مجموع ثقافات لابد من احترامها ومعاملتها على قدم المساواة، وهو الذي جعل من نظرية «الحرب الاستباقية» التي يبشر بها بوش وكبار معاونيه في البنتاغون ومجلس الأمن القومي، الرافعة التي استند إليها في رفضه للمشروع الأميركي في العراق وفي منطقة «الشرق الأوسط» بالكامل. ولكن هل سيصمد شيراك حتى النهاية، وهل سينجح في القفز فوق حقول الألغام التي زرعها في طريقه خصومه الكثر في داخل فرنسا وخارجها؟

هذا السؤال مطروح اليوم، وأكثر من أي وقت مضى. فعلى المستوى الخارجي، تتمنى بريطانيا وإسبانيا والبرتغال، ومعها دول «أوروبا الجديدة» أن يدفع التحدي بشيراك إلى حد استخدام حق النقض داخل مجلس الأمن كي تصبح الهوة الفاصلة بين المواقف الأميركية والفرنسية بوسع المحيط. أم على المستوى الداخلي، فإن المعارضة الاشتراكية المرغمة في المرحلة الراهنة على الانسجام مع مشاعر الرأي العام ومساندة سياسة شيراك الخارجية، فهي تتمنى امتناع الرئيس الفرنسي عن استخدام حق النقض في مجلس الأمن كي تتهمه بالتراجع والديماغوجية، وتلويث سمعة فرنسا في المحافل الدولية.

باريس- كمال طربية

أسوأ الفساد فساد الرأس

دعى الأمير الحسن بن طلال إلى مائدة فكرية مستديرة في عمان الأسبوع الماضي لتدارس ما أسمته الدعوة «الثقافة والدين في الشرق الأوسط، النظر إلى ما بعد الأزمة الحالية» وليس في النية هنا تناول كل ما جاء في تلك الندوة المهمة، التي عقدت ليوم واحد تحت ظلال نذر الحرب المحتملة في منطقتنا، إلا أن مجموعة من دعي لهذه الندوة كثير منهم على سوية عالية من الخبرة والتجربة السياسية، من بينهم السيد فاستلاف هافل الروائي الذي ترك رئاسة جمهورية الشيك أخيرا بعد أن وصل إليها بشكل سلمي قادما من السجن، ولم ينتخب احد بعده إلا أخيرا، وهو بخبرته يقدم مثلا إنسانيا للعمل السياسي المتحضر.

أما الذي اثر في مسار النقاش وزاده غنى، فهو الخبرة الثرية التي قدم تجربتها الإنسانية والسياسية، رئيس وزراء جنوب إفريقيا اف دبليو دكليرك، لقد بدا دكليرك حيويا ونشطا ومتحمسا لتفوق الخير، وقدم للمجتمعين تجربة نابضة بالإنسانية، فهو الرجل الأبيض الذي كان قابضا على ناصية الحكم، في بلد متقدم يضاهي في تفوقه اقتصاد الدول الكبرى، وتجربته السياسية التي عرضها غنية، لها من الدروس ما يتعدى خصوصيتها ويمكن الاستفادة منها.

تدور لب تجربة دكلريك السياسية على كيفية حل المنازعات المعقدة بالطرق السلمية.

وقد بسط طريقة المعالجة في ثلاث نقاط:

- أسباب الصراع في المجتمع.

- تاريخ المجتمع وتجاربه في محاولات حل الصراع.

- القضايا الرئيسية التي تواجه مجتمع جنوب إفريقيا.

يقول دكليرك لقد وجدت نفسي وحزبي الحاكم أمام معضلة صراع طويلة المدى، وتاريخها دموي، وليس لها أفق في الوصول إلى حل لها بالقوة، وكان أمامي أما أن اتشبث بعملي السياسي وبكل السلطة التي أحوزها، أو ان افكر بطريقة جديدة غير مسبوقة، لم أكن غرا في السياسة، فقبل أن اكون رئيسا للوزراء كنت وزيرا لأكثر من وزارة، وكان عدد كبير من اعضاء حزبي البيض المواطنين الافريكانا وبعض السود ايضا، لا يتصورون حتى مجرد نقاش المشاركة في السلطة مع المواطنين السود، فقد عاشوا هناك مدة تفوق ثلاث مئة سنة، أبا عن جد وحاربوا البريطانيين في مطلع القرن العشرين، وبنوا بلادا حديثة، بكل ما يعني ذلك المصطلح من معنى، لذلك فإن تغيير المسار الذي درجوا عليه كان من المستحيلات.

يقول دكليرك لقد وجدت امامنا طريقين، اما ان نفكر مخالف وخلاق، أو نبقى في حفرة الصراع غائرة العمق، بما تستنزفه من بشر وموارد، فقدمت اقتراحا للحزب وهو اما ان نغير مسارنا جذريا، ونجد حلا سياسيا لما نحن فيه من معضلة، ونتحدث مع/ ونفاوض الحزب الافريقي الكبير، حزب نلسون مانديلا السجين سنوات طويلة في سجننا، أو ان اترك العمل السياسي واستقيل، إن لم يرقهم ذلك، ويبقوا هم يفرضوا السياسات التي تروق لهم في تسيير مجتمع جنوب افريقيا.

كانت التضحيات باهظة بالنسبة إليهم، ولكن لم يكن من بد بعد دراسة تاريخ الصراع امامي غير الحل المتفاوض عليه، وتسليم الغالبية مقاليد الحكم، مهما كانت التضحيات، وقبل الحزب الذي انتمي إليه الفكرة، كان هناك معارضون ولكن الغالبية قبلت بفكرة التفاوض بعد نقاش طويل، وتفكيك الصراع الإنساني الطويل، وهكذا تهيأت لي فرصة تاريخية أن اقدم، مع السيد منديلا تجربة إنسانية.

يكمل دكليرك بقوله، كانت لدينا مشكلة هي اسلحة الدمار الشامل، وخصوصا القنبلة الذرية، لم اكن اعرف عنها كثيرا عندما كنت وزيرا للموارد، كان السر محفوظا لدى القلة، وبعد أن أصبحت رئيسا للوزراء تبين لي حجم المخزون من هذا السلاح الفتاك، لقد كان بحوزة جنوب إفريقيا ست قنابل ذرية ونصف!

وقد قررت أن نقوم نحن بإعدام هذا المخزون الهائل الذي يمكن له أن يدمر ليس نصف الكرة الأرضية، بل الوجود الإنساني، لقد قمنا بتفكيك كل ذلك، ووثقنا هذا التفكيك ليس فقط القنابل الموجودة، بل والأجهزة التي تساعد على إنتاجها والمواد الخام، قمنا بذلك بأنفسنا، ثم طلبنا من المجتمع الدولي أن يشهد من خلال تلك الوثائق على صحة ما فعلناه، وجاءت شهادتهم الدولية كاملة غير منقوصة بأننا قمنا بما وعدنا المجتمع الدولي أن نقوم به. يتحدث دكليرك عن مانديلا وحزبه، فيقول انه على رغم أن الغالبية العددية، وبالتالي الديمقراطية للسود في جنوب إفريقيا، إلا أن مانديلا وحزبه، قد أشرك في كل الوزارات القائمة في جنوب إفريقيا ممثلا عن حزبنا من اجل أن يكون هناك في قمة السلطة وتتابع خطوات اتخاذ القرار.

ذلك ملخص ما عرضه الرجل التاريخي اف دبليو دكليرك، وهو الرجل الذي حاز مناصفة مع نلسون مانديلا جائزة نوبل للسلام العالمي، هو بالتأكيد مع شريكه يستحقانها فقد حقنا دماء مئات آلاف من الرجال والنساء في جنوب إفريقيا، كما فتحا للبشرية طريقا آخر غير طريق العنف.

هذه التجربة العظيمة ماذا نستفيد منها، فلم أتناول السابق لأعرض تجربة الرجل الفذة، بل من اجل أن نرى كيف ينظر إلى مثلها في منطقتنا الموبوءة بالصراع الدامي، ونحن على مشارف تدفق دماء غزيرة أخرى، وخسائر بشرية ومادية غير مسبوقة.

في لقاء الرئيس العراقي صدام حسين مع ممثل التلفزيون الأميركي قال «نحن حبانا الله بمهمة عظيمة، ومن يطلب مني التنحي أو يعرض اللجوء فهو شخص بلا أخلاق، لأنه يكون قد وجه إساءة للشعب العراقي». الفرق في التوجه ومعالجة المشكلة واضح، ففي الوقت الذي يتنازل رئيس دولة كبيرة مثل جنوب إفريقيا عن الحكم لتسليمه للغالبية بشكل ديمقراطي، ويرى في عمله هذا انتصارا لمبادئ إنسانية عظيمة، يرى الآخر الموضوع من زاوية «أخلاقية» مختلفة «أن من يطلب ذلك شخص بلا أخلاق!» وهو خلط عظيم في النظرة والتوجه، كما انه خلط بين «الشعب» و»الأنا أو الذات» يذكر المتابع بما كان الجستابو في عهد النازية يدين المعارضين بأنهم «ضد الفوهرر والدولة» فلا فرق بين الفوهرر والدولة، كلاهما واحد.

لقد ترك عبدالرحمن عارف الحكم في العراق أو ترك، على سبيل المثال، ولم يطلق عليه أحد حكما «اخلاقيا» كما ترك كثيرون الحكم والسلطة في سبيل إنقاذ وطنهم ومواطنيهم كما يحدثنا التاريخ الإنساني الطويل والمليء بالعبر، تلك هي رجولة حضارية، تفوق رجولة التشدد على غير المبني إلا على أوهام.

أمامنا تجربة دبليو دكليرك الرجل الذي قاد بشجاعة حضارية تفكيك دولة عنصرية مسلحة بالقنابل الذرية الفتاكة، وأعاد السلطة إلى الشعب الإفريقي من دون حرب أهلية، وهي حال انتقال من الدموية والقمع إلى حال من التطبيع السياسي الحضاري، وقد دخل وشريكه نلسون مانديلا، قائمة الرجال العظام.

أما من يؤكد «جيتو القلة» ويتحصن خلف مقولات ضاربة في التبرير غير المنطقي، فلن يجد له مناصرا عندما يحين الحين، حتى من فريق الجيتو المحيط به.

ذلك هو حكم التاريخ وتلك قصته، وهناك من يقرأ بعشوائية، وهناك من يعرفه على حقيقته

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 181 - الأربعاء 05 مارس 2003م الموافق 01 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً