العدد 181 - الأربعاء 05 مارس 2003م الموافق 01 محرم 1424هـ

بتلكو وتحديات المنافسة

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

مباشرة بعد الإعلان عن أرباحها لهذا العام أشارت مصادر بتلكو إلى نيتها الاستعداد إلى سوقت نافسي بعد أن فتحت الحكومة المجال أمام شركات أخرى تعرض خدماتها للهواتف النقالة والباب أصبح مفتوحا لخدمات الإنترنت وغيرها من الخدمات المرتبطة بالاتصالات.

فلحد الآن تمتعت بتلكو باحتكار السوق وحددت الأسعار التي تناسبها لتسيير أعمالها ودفعت معاشات موظفيها وتحقيق الأرباح المستهدفة. ولكن الاحتكار يعني اختناق الأعمال التي تعتمد على تلك الخدمات إلا إذا كانت هناك منافسة حقيقية بحيث تنزل الأسعار إلى مستوى تحدده ضوابط العرض والطلب في السوق.

من الناحية الاقتصادية سيستفيد الاقتصاد البحريني بعد تحرير صناعة الاتصالات وستتوسع مجالات الاستثمار وستشعر الشركات المعتمدة على خدمات الاتصالات (تقريبا كل الشركات من دون استثناء) أن أحد مصادر كلفتها سينخفض وستتمكن هي أيضا من تخفيض أسعارها وبالتالي تتحسن الحالة المعيشية للموطن. وفيما لو استمر الاحتكار فإن الأسعار تتصاعد وتقل فرص الاستثمار وتزداد البطالة بعد أن يتراجع الاقتصاد.

كل هذه الأمور مفهومة ومقبولة ومجربة في دول كثيرة لم تستطع التحرك إلى الأمام إلا بعد أن حررت عددا من الصناعات الأساسية وأهمها الاتصالات والطاقة والمواصلات والصناعات الكبرى وصولا إلى خدمات مثل البريد وحتى السجون.

غير أن كل هذه التغييرات الهيكلية تتطلب إجراء عمليات جراحية ينتج عنها تسريح موظفين وعمال من مختلف الدرجات بحيث تستطيع الشركة البقاء في السوق وإلا أصبحت معرضة للإغلاق بعد فقدان احتكارها للسوق.

ومثل هذا الأمر لا يمكن لشركة واحدة أن تستحمله إلا إذا كانت هناك استراتيجية وطنية لتخفيف الأعباء وإعادة تأهيل الذين يتم تسريحهم بحيث توفر الحكومة برامج تدريبية وتوفر مساعدات للشركات النامية إذا ما قامت تلك الشركات بتوظيف الذين تتم إعادة تأهيلهم وتدريبهم للقيام بأعمال أخرى. ومثل هذا البرنامج الحكومي يعتبر من الشروط الأولى للشروع في خصخصة قطاع معين أو في إنهاء احتكار شركة معينة. وإذا لم توفر الحكومة المساعدة المطلوبة فإن العملية الجراحية التي ستضطر إلى القيام بها أية شركة ما قد تؤدي إلى نزيف حاد يؤلم كثيرا وقد يتسبب في مشكلات خارج نطاق المتوقع. وبتلكو هي أولى الشركات الكبرى التي تتعرض لهذا الامتحان الصعب، فهو امتحان لنا جميعا في البحرين. إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستمرار في الاحتكار، وإنهاء الاحتكار يعني تقليص كلفة الشركة، والجزء الأهم في كلفة أية شركة هي المعاشات، وبالتالي فإن تخفيض موازنة المعاشات يعني إقالة أعداد من الموظفين.

الشركات الكبرى التي تضطر إلى الاستغناء عن موظفين تقوم هي أيضا برعاية الذين يتم تسريحهم وتوفر لهم معاش شهر واحد كل سنة قضوها بالإضافة إلى مميزات أخرى تساعد الذين يتم تسريحهم وتعطيهم متنافسا لكي يستعدوا إلى حياة أخرى.

في الشهر المقبل سيتم منح رخصة لشركة أخرى لمنافسة بتلكو في الهواتف النقالة، وهذا سيدشن مرحلة تنافسية شريفة. وبعد ذلك سيتم منح رخصة لتوفير خدمات انترنت تنافسية. وبعد عامين من الآن سيفسحون لشركات أخرى المجال للدخول في السوق. ولكن بتلكو ستبقى الشركة الأكبر لأنها ستحتفظ بالخطوط الهاتفية الثابتة ولديها أجهزة ومعدات وتسهيلات قائمة لا يمكن لأية شركة جديدة إقامتها بالسرعة المطلوبة لمنافسة بتلكو في كل شيء. وهذا يعني أن بتلكو ليست مضطرة إلى القيام بعملية جراحية كبيرة جدا، فلديها هامش من الأرباح ولديها تسهيلات وإمكانات، وبإمكانها خدمة مشروع تحرير سوق الاتصالات من خلال تخفيف العبء الاجتماعي, ولذلك فإن بعض الممارسات التي قام بعض الإداريين ليست صحيحة، بل إنها غير لائقة.

ونحيي سمو الشيخ علي بن خليفة آل خليفة الذي بادر بالاتصال بنقابة عمال بتلكو لتهدئة الوضع، ولكن الأمور التي حصلت أحدثت آلاما كثيرة لدى عدد كبير من الموظفين الذين أشهرت أسماؤهم ووصلت نسخ منها إلى المصارف وإلى أماكن كثيرة، ما يهدد مستقبل هذا الشخص أو ذاك الذي ارتبط بقروض وبمشروعات في حياته.

البحرين كانت أول الدول الخليجية التي دشنت تكنولوجيا الاتصالات المتطورة ولكنها بدأت تخسر موقعها بسبب احتكار الصناعة المهمة. فإحدى الشركات التي كانت تعمل في البحرين طلبت خطا مخصصا لخدمة الإنترنت وكلفها ذلك عشرة أضعاف السعر الذي حصلت عليه في دول خليجية مجاورة ما حدا بها لإعادة تخطيط استراتيجيتها.

إن المستقبل واضح أمامنا، فالجميع يتجه نحو تخفيض الاتصالات إلى الدرجة التي أصبحت شركات الاتصالات في بعض المناطق في العالم توفر للمواطن مكالمات مجانية داخل حدود المدينة الواحدة، وباستطاعة الشخص أن يتصل لمدة 42 ساعة في اليوم أو لا يتصل ولا يكلفه ذلك سوى الإيجار الشهري لخط الهاتف. والإنترنت أصبح مجانا في أماكن كثيرة في العالم، بل إن هناك ترغيبا من الشركات للناس لاستخدام الإنترنت المجاني في كل شئون حياتهم لتنشيط التجارة الإلكترونية.

التجارة الإلكترونية هي التي ستسلم القيادة من أنواع التجارة الأخرى، وأهم متطلبات هذا النوع في التجارة هو توفير اتصالات وانترنت بأسعار منخفضة جدا أو مجانا مهما أمكن، لأن المدخول سيأتي من التبادل التجاري وليس من المواطنين الذين يودون الدخول إلى العالم الافتراضي.

أمام بتلكو تحديات كبيرة ولكن لديها فرصا أكبر للنجاح، وهي قادرة على تخفيف العبء على الموظفين عبر إدارة المرحلة الانتقالية بعزم وحزم ولكن أيضا مع النظر إلى الجوانب الإنسانية التي لا يمكن إغفالها تحت أي عذر من الأعذار

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 181 - الأربعاء 05 مارس 2003م الموافق 01 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً