عندما يحتاج سرطان البحر - الذي يتخذ من القشور الخالية للمخلوقات البحرية سكنا له - إلى مسكن جديد فإنه يحاول في الغالب سرقة مسكن من ظهر جاره. وبدراسة الفائز في الصراع يمكننا تعلُّم المزيد عن السلوك السائد.
يوجد في عالم سرطان البحر الهيرمت - الذي يتخذ من القشور الخالية للمخلوقات سكنا له - نقص في المساكن. ويوجد لسرطان البحر (الهيرمت) بطن لين عرضة للهجوم. لذلك فإن هذا النوع من سرطان البحر يحتل الأصداف الفارغة للحلزونات البحرية مثل «البرونق» و«الولك» لحماية نفسه. فعندما لا يتسع البيت لهذا السرطان أو عندما تصبح قشرته بالية فإنه يبحث عن بيت آخر. وإذا لم يستطع العثور على صدفة خالية مناسبة فإنه يقوم بطرد سرطان آخر بالقوة وسرقة بيته.
وتتضمن عملية الطرد هذه أساليب غريبة إذ يقوم السرطان المهاجم بالإمساك بالسرطان الآخر السيئ الطالع ويضرب الأصداف سويا بسلسلة من الضربات القصيرة.
وقام الباحثون في جامعة كوينز برئاسة مارل برينا بفحص هذا السلوك، إذ قالوا إنه يقدم مشهدا فريدا على كيفية إعطاء الحيوانات إشارة العدوان إلى بعضهم بعضا، ويمكن أن يكون نموذجا للإشارات العدوانية بين الحيوانات بشكل عام. فعندما يكبر السرطان بحيث تصبح قشرته قصيرة لا تتحمل حجمه أو عندما تبدأ القشرة في التآكل فعليه أن يجد قشرة جديدة. وتوجد للسرطان ثلاثة خيارات للعثور على قشرة (بيت) جديدة. فبإمكانه أولا أن يجد قشرة خالية مناسبة.
وبإمكانه ثانيا أن يجد قشرة مازال بداخلها حلزونها الأصلي، إذ يقوم بقتل الحلزون وإخراجه منها أو أن يقوم أخيرا بالعثور على قشرة بداخلها سرطان من النوع نفسه ويعمل على إخراجه منها بالقوة.
يقول بريفا: هناك نقص بشكل نسبي في القشور الفارغة. كما أنه من النادر أن يقوم السرطان بقتل وإزالة المخلوق من داخل الحلزون، لذلك فإن الحالة الشائعة هي قيام السرطان بطرد سرطان آخر مقيم داخل قشره.
إن ما يحدث هو الآتي: يكتشف السرطان - الذي يبحث عن مأوى - بيتا جديدا محتملا ويقترب منه. ويقوم كل سرطان باستعراض كلابيه، ليتمكن كل واحد من الحصول على معلومات عن الآخر. وإذا اعتقد السرطان المعتدي أن فريسته المحتملة كبيرة، فإنه سيتراجع. أما إذا اعتقد أن لديه فرصة في طرد خصمه فإنه يندفع إلى القشرة الأخرى، ممسكا بها بأرجله الأربع. وفي هذه اللحظة يتراجع السرطان المدافع داخل قشرته. ثم يبدأ المهاجم بفحص دقيق للقشرة فيقلبها ويمشي بأرجله على سطحها ويضع أحد كلابيه في مدخل القشرة.
وإذا قرر المضي قدما في محاولة الطرد فإنه يقلب القشرة بحيث يصبح المدخلان متقابلين ويمد كلابه ليمسك بكلاب السرطان المدافع. ثم تحدث سلسلة غريبة من الأحداث إذ يقوم المهاجم ـ باستخدام أرجله وعضلاته البطنية ـ بضرب القشرتين سويا في سلسلة من الضربات القصيرة تصل كل منها إلى ما بين ست وعشر ضربات.
وهناك نتيجتان محتملتان لهذه المعركة، التي يمكن أن تستمر جولتين أو عشرات الجولات، فيمكن للمهاجم أن يستسلم ويتقهقر أو أن يقوم المدافع بإرخاء قبضته على الجزء الداخلي من القشرة ما يسمح بسحبه خارج القشرة، وتكون النتيجة انتقال المهاجم إلى البيت الجديد وقيام السرطان المطرود بالسكن في قشرة المهاجم التي أصبحت خالية.
إن الشيء الظريف بالنسبة إلى العلماء بخصوص هذا السلوك هو أنه من السهل نسبيا قياسه: عدد مرات الضربات وقوتها ومدة كل جولة وفترات الراحة بين كل جولة. ويمكن تحليل هذه القياسات طبقا لنتيجة المعركة، إذا ما كانت عملية الإخراج ناجحة أم لا.
ولكن ما هدف عملية القرع بالتحديد؟ يعتقد أن ضرب القشور هو شكل من أشكال المخاطبة بين الحيوانات إذ يقوم المهاجم بإعطاء المدافع معلومات عن قدرته القتالية. إن عملية ضرب القشور هي بمثابة استعراض للعضلات وهو شكل من أشكال الاستعداد للقتال. إن هذه العملية ترسل إلى المدافع رسالة مفادها: انظر كم أنا قوي، لا فائدة من المقاومة.
وتقول برينا: ان الباحثين في جامعة كوين بدأوا فهم كيفية نقل المعلومات بين سرطانات البحر. نحن نعرف أن المهاجمين الذين يبذلون مجهودا عاليا في الجولات القليلة الأولى لديهم احتمالات كبيرة بالفوز. وقد لاحظنا أن المهاجم يزيد من الجهد قبل عملية الطرد، يبدو أن الزيادة المفاجئة في الجهد علامة على أن عملية الطرد على وشك أن تحدث. ومن الممكن أن المدافع يدع المهاجم يعرف أنه على وشك الاستسلام. وليس معروفا على وجه التحديد لماذا يقرر المدافع الاستسلام.
إن إعطاء الإشارات بشكل متكرر قد يُفضي إلى استنزاف الطاقة. ففي جميع الصراعات بين الحيوانات فإنه من المنطقي الافتراض أن جميع المشاركين في الصراع يقومون بعملية تحليل التكاليف، تقييم مقدار الطاقة التي يستحق بذلها لتحقيق أهدافهم.
وفي الحال التي نتحدث عنها إما أن ينجح سرطان البحر في طرد المدافع وإما أن ينجح المدافع في مقاومة عملية الطرد.
ولبحث هذا الأمر قام العلماء بتحليل لسرطانات البحر، إذ قاموا أولا بفحص مستويات حامض اللبنيك، وهو منتج ثانوي معروف لنشاط العضلات. فعندما يتراكم حامض اللبنيك، تصاب العضلات بالتعب. لذلك فإنه كلما كان معدل حامض اللبنيك في الدم أقل بعد مستوى معين من الإجهاد، كانت قدرة الحيوان على التحمل أكبر. لقد وجدنا أن معدل حامض اللبنيك في الدم عند المهاجمين غير الناجحين أكثر من معدله عند الناجحين. ويبدو أن المهاجم يتخذ قراره بشأن الانسحاب عند وصول حامض اللبنيك إلى مستوى يستطيع إدراكه. أما في المدافعين فيبدو أنه لا يوجد فرق في معدلات حامض اللبنيك بالنسبة إلى المدافعين الناجحين أو غير الناجحين.
وقد فحص الباحثون كذلك مستويات السكر في دم الحيوانات ولم يجدوا فروقا تذكر في مستويات سكر الدم لدى المهاجمين الناجحين وغير الناجحين. أما بالنسبة إلى المدافعين الذين تم طردهم فقد كانت مستويات السكر في الدم أقل من أولئك الذين قاوموا بنجاح. ويمكن تفسير هذه الظاهرة بأن المدافعين الناجحين قد قاموا بتعبئة احتياطيهم من الجليكوجين الكربوهيدراتي المخزون وحولوه إلى غلوكوز استعدادا للقتال. أما المدافعون غير الناجحين فلم يهتموا بهذا الأمر معتمدين على احتياطيهم من الطاقة، ما جعلهم يتخلون عن بيوتهم.
خدمة الإندبندنت - خاص بـ «الوسط