العدد 180 - الثلثاء 04 مارس 2003م الموافق 30 ذي الحجة 1423هـ

لابد من اعتبار جريمة التعدي على البيئة جريمة ضد الإنسانية

حديث مع المحامية كورين لوباج:

يصطدم الدفاع عن البيئة في يومنا هذا بنظام قضائي غير ملائم... فمسئولية مسببي تلوث البيئة والعقوبات المفروضة عليهم... كما وحقوق الأحياء والأجيال المقبلة... إضافة إلى حقوق التدخل في مجال البيئة، جميع هذه المفاهيم الجديدة تتطلب إعادة صوغ فورية وعاجلة للقانون الدولي... حديث مع المحامية المتخصصة في شئون البيئة ووزيرة البيئة السابقة كورين لوباج.

لابل فرانس: لقد اتخذتي موقف المدافع عن بلدات إقليم بريطاني ضد المسئولين عما عرف بالمد الأسود إثر حادث «أموكوكاديز» العام 1978 والآن تترافعين عن قضية البلدات الساحلية التي طالها المد الأسود بعد حادث الباخرة «أريكا» التي حصلت العام 1999، فما هي برأيك مشكلة القوانين البحرية؟

- كورين لوباج: إن أصعب ما في الأمر يكمن في انتهاك قوانين الحق العام. فالقوانين البحرية لها قواعد خاصة بها، غير منبثقة عن الحق العام. وبناء على القرارات المعدلة العام 1992 لمعاهدة بروكسل المعروفة بالـ CLC والمعتمدة العام 1969 يكون مالك السفينة هو المسئول الأوحد عن الضرر الذي قد تتسبب به، مع إخلاء مسئولية كل من مستأجر السفينة أو المستأجر الثاني والوكيل المكلف والمستخدم. لذلك فإن النظام الحالي، بإعفائه من المسئولية يجعل المستأجر في حل من كل المشكلات التي تسببها السفينة وبالتالي لا يبالي بالأمر وخصوصا مع تطبيق نظام «الفيبول» ومعناه صندوق التعويض المشترك ويقصد به التعويض عن الخسائر التي تسببها السفن نتيجة للتلوث بالهايدروكاربور والناتج عن تسرب البترول من السفن، وتصل قيمة هذا التعويض إلى 183 مليون يورو بحده الأعلى. وقد حددت قيمة التعويض عن السفينة إريكا بـ 12,2 مليون يورو. ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في التعرف على المالك الحقيقي للسفن فغالبا ما يتستر خلف مؤسسة مصرفية أو شركة وهمية.

والأخطر في الموضوع، هو أن الشركة التي ترغب في استئجار سفينة من الغير فهي غير مضطرة إطلاقا إلى اختيار أفضل مؤسسات النقل مادامت تعرف أنها تحظى بتغطية في حال وقوع أي حادث وحتى مالك السفينة نفسه فلن تطوله أية مسئولية إلا في حال الخطأ المقصود، وهو في الواقع أمر يستحيل إثباته. أما بالنسبة إلى مشكلة اريكا فقد اضطررنا إلى التركيز في مرافعتنا على «السبب»، أي أن التلوث نتج عنه. علما بأن القانون الفرنسي يتضمن أحكاما خاصة بهذا المجال تسمح بملاحقة المسئولين عن هذا المد الأسود.

وتم استصدار مذكرات اتهام بحق تسعة أشخاص حتى الآن. ولعل الوسيلة الوحيدة لحث هؤلاء المتسببين في التلوث على تحمل مسئولياتهم تكمن في فرض غرامات مالية عليهم.

لابل فرانس: ما رأيك في حق التدخل في مجال البيئة؟

- كورين لوباج: يمكن القول إن المشكلة قد سُويِّت اليوم داخل الاتحاد الأوروبي، فجميع الدول الأعضاء تتفق على ضرورة التشاور بين الدول المعنية في حال حدوث تصادم أو في حال وجود مشروع قد يأتي بضرر يصيب البيئة في البلدان المجاورة.

عليه، إذا ما أردنا اليوم بناء مركز كاتنوم الذري في شمال فرنسا يتعين إشراك كل من اللوكسموبرج وألمانيا في الدراسات الأولية. وهكذا باتت هناك أيضا هيئات استشارية دائمة تضم الدول الواقعة على ضفاف نهري الراين والدانوب وهي قيمة على إدارة وتنظيم شئون النهرين. أما على الصعيد الدولي فلا يوجد ما يعرف بحق التدخل في مجال البيئة، ولم تبادر أية دولة من الدول مثلا إلى تحميل روسيا أو أوكرانيا المسئولية عن انفجار المركز النووي بشرنوبل، بل على العكس، نجد اليوم أن الفرنسيين يأخذون على حكومتهم تخاذلها في اتخاذ الإجراءات اللازمة بعد مرور السحابة الإشعاعية النشطة بأراضيها.

ومازالت محكمة العدل الدولية بلاهاي ترفض حتى الآن الاعتراف بحق التدخل في مجال البيئة. ومن أجل إرساء هذا الحق من دون ممارسات تعسفية، قد يتطلب ذلك إنشاء محكمة بيئية دولية أسوة بمحكمة العقوبات الدولية، بحيث يشكل هذا اعترافا بحق الإنسان تجاه البيئة التي يعيش فيها ورفع مستوى تصنيف جريمة التعدي على البيئة بحيث تصبح جريمة ضد الإنسانية، وإن كان الأمر يتطلب مزيدا من الصبر ولن يتحقق من دون شك قبل مرور جيلين من الآن. فقد كان لزاما علينا الانتظار خمسين عاما بعد قضية نورمبرج لإنشاء محكمة العقوبات الدولية وأن يتوافر إمكان توجيه الاتهامات إلى المتسببين في الحروب والمجازر، ما يعد تطورا كبيرا للبشرية وهذا ما نأمله بالنسبة إلى البيئة أيضا.

«إن استصدار شهادة ملكية فردية مسجلة للأحياء هو باب مفتوح لكل التجاوزات».

لابل فرانس: لماذا تقفين دائما ضد المواد المعدلة وراثيا وبصورة أعم ضد ما يسمى باستصدار «شهادة ملكية فردية مسجلة» للأحياء؟

- كورين لوباج: أنا أعارض تماما مسألة استصدار «شهادة ملكية فردية مسجلة» للأحياء لثلاثة أسباب: أولها جوهري فالأفراد يمنحون براءة اختراع عند اكتشافهم شيئا ما جديدا ومستحدثا ولا يكون ذلك اكتشافا عندما تكون الأشياء موجودة، وبالتالي، فالمادة الحية موجودة أصلا قبل الاختراعات البشرية.

أما ثانيها فيتعلق بالأبحاث العلمية. فلو كان الفرد وحده هو المالك فهذا يعني التسبب في نهاية الأبحاث العامة التي تقوم ـ بعكس الأبحاث الفردية الخاصة ـ على وجود منفذ حر للاطلاع على البيانات والاستحصال المجاني على النتائج، ولا يمكننا القبول بأن تكون المعارف والمعلومات (الناتجة عن الأبحاث) قائمة حصرا على منطق الربحية وبحوزة المختبرات الخاصة من دون غيرها. لذلك فإن استصدار شهادة ملكية فردية مسجلة للأحياء هو باب مفتوح لكل التجاوزات، مثل القرصنة في مجال التقنيات البيولوجية التي تقوم على اختلاس أسرار سكان محليين بنية استثمارها تجاريا غير عابئين بهم.

أما ثالثها فهو اقتصادي، إذا ما احتكرت مؤسستان تجاريتان أو ثلاث ملكية التصنيع الغذائي للمنتجات الزراعية الرئيسية مثل الحبوب، فسيصبح بين يديها استخدام سلاح الجوع عند الحاجة، ومن دون الملكية الخاصة المسجلة لن تكون هناك أية مكاسب اقتصادية تحقق نتيجة تنمية الأبحاث الخاصة بالمواد المعدلة وراثيا.

لابل فرانس: كثر الحديث عن حقوق الأجيال المقبلة، فما رأيك باعتبارك أستاذة حقوق؟

- كورين لوباج: لسنا أول من يطرح هذا التساؤل، ففي الماضي كان تحكم «رب الأسرة الصالح» في المال يعني الاهتمام بحقوق الأبناء في «الأجيال المقبلة» وننتقل بهذا المفهوم لنعطيه معنى أكثر شمولية.

ولكن، ومن الناحية القانونية البحتة، فإن هذه «الأجيال المقبلة» التي لا وجود لها الآن يتعين أن يكون هناك من يمثلها وأن يتحدث بلسانها، فمن له الحق في ذلك؟ وهنا تكمن الصعوبة. بيد أن هناك وسيلة لتفاديها بحيث تؤخذ في الاعتبار الآثار والكلف التي سيتم تحملها على المدى الطويل عند التحضير لمشروع ما. فالتطلع إلى الاعتبارات المستقبلية عند النظر في خيار راهن، وإن كان من شأنه أن يقلل من مردودية القرار وقتيا فسيكون مجديا على المدى الطويل. فيتعين إذن مراعاة مبدأ توخي الحذر. ولإعطاء مثلا عن ذلك، نذكر أن مسألة ري حبوب الذرة قد تكون مربحة ماديا على المدى القصير ولكنها تطرح مشكلات مستقبلية تتعلق بالثروة المائية، نظرا إلى ما تستهلكه من كميات وفيرة من الماء.

لذلك من المطلوب ـ بحسب اعتقادي ـ أن نبقي على تواضعنا كقاعدة عامة وأن نكون واقعيين، ولابد أن نقتنع بعدم وجود حلول شافية في مجال الدفاع عن البيئة، ولكن توجد حلول أقل ضررا. لذلك يجب التعامل مع كل حال على حدة، والأهم هو اعتماد نظام يؤمن حماية بأفضل قدر ممكن للكائنات الحية، جميعها وعلى كثرتها، وذلك على أساس احترام التسلسل الهرمي للأجناس على تنوعها.

لابل فرانس ـ بالاتفاق مع السفارة الفرنسية





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً