العدد 2236 - الأحد 19 أكتوبر 2008م الموافق 18 شوال 1429هـ

سِيَاسَةٌ بِلا خَاتَمِي سَتَكُونُ أَجْدَى

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ربما يتبرّم السيدمحمد خاتمي من قول الرئيس أحمدي نجاد إن الأزمة المالية الحالية تُبشّر بقرب سقوط العباءة الإمبراطورية عن ظهر الأميركيين. لكنه سيبدو مُحرجا إن سَمِعَ المؤرخ الكبير بول كنيدي يقول: «إن الولايات المتحدة ستبدأ في الانهيار الإمبراطوري في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين».

وربما تضيع البوصلة أكثر لدى السيدخاتمي عندما يسمع وزير المالية الألماني في الحكومة الشقراء بير شتاينبروك أن هذه الأزمة ستؤدي «إلى نهاية أميركا كقوة مالية عظمى، لأن الرأسمالية غير المقيّدة والجشعة مثل التي نشهدها الآن ستلتهم نفسها في النهاية».

ولكيلا يتصوّر السيدخاتمي أن عهده كان عصرا فيكتوريا بامتياز، وأن عهد الرئيس أحمدي نجاد هو كجمهورية كرومويل البيوريتانية عليه مراجعة فترة وجوده في رئاسة الجمهورية (1997 – 2005) وخصوصا سنواته الأربع الأولى التي كانت تجليا لمرحلة سياسة بمخيال ناشف.

فعندما جاء السيدخاتمي إلى السلطة في أغسطس/ آب من العام 1997 كانت الجمهورية الإسلامية تسير على عربة ثلاث خطط خمسية ناهضة، وحكومتين للإعمار، وانفتاح سياسي على الإقليم، وتبادلات تجارية قوية. وبالتالي لم تكن لديه تحديات اقتصادية هائلة ذات عيار ثقيل.

والأكثر من ذلك فإن الحكومة الخاتمية الأولى كانت قد استنبتت مشاريعها ومرئياتها على جزء من أفهام رفسنجانية، وعلى مجموعة الستة عشرة (أو اليمين الصناعي) الداعمة للشيخ الرئيس. وكانت فرصة جيدة له لأن يأخذ إيران على الوتيرة ذاتها التي كانت عليها قبل الثاني من خرداد، لكنه لم يفعل.

في السنوات الأربع الأولى لولايته، أضاع خاتمي مفاتيح العمل السياسي لبلاده. حين استنفذ جزءا منها على الصراع مع رئيس السلطة القضائية السابق آية الله محمد يزدي حول ملفات عبدالله نوري وعطاء الله مهاجراني ونشرة «موج» الطلابية.

واستنفذ الجزء الآخر على تقديم تسريحات سياسية فلكلورية بائسة في الصحافة حينا وفي مظاهرات يوليو/ تموز 1999 حينا آخر. في حين بقيت نهاياتها مُشتتة ما بين الترميم والبناء وصراع الأولويات.

بل إن الرئيس أحمدي نجاد عندما وصل إلى الحكم في أغسطس من العام 2005 كانت ارتدادات تلك الفترة مازالت فاعلة داخل أجهزة الدولة. بالإضافة إلى تداعيات أزمة النفط العالمية التي أثّرت بشكل كبير على الخطة الخمسية الرابعة، وبالتالي فهو وارث لنتائج حقبة شائخة.

كان رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون يقول في تهكّمه من حزب المحافظين بقيادة ديفيد كاميرون: «عندما لا يُخبرك البائعون بما يبيعونه؛ فإن ذلك يعود إلى أنهم يبيعون شيئا لا ينبغي لأحد أن يشتريه».

وهو بالضبط ما كان يفعله مَن التحفوا برداء الخاتمية من الإصلاحيين المتطرفين خلال عقد التسعينيات. ولا أظنّ أحدا بقادر على تفكيك تلك العلاقة مع بقائهم في مناصب استشارية عليا إلى جانب الرئيس كسعيد حجاريان، وبالتالي فهو مسئول عن ذلك في كل الأحوال.

هم لم يقولوا للناس عن لقاء الإصلاحي المتطرف بهزاد نبوي بزلماي خليل زاد في تركيا في العام 1999 للتباحث حول مشروع التمرد المدني والرقابة الاستصوابية على الانتخابات في إيران، وهم يعلمون أن حبر قانون داماتوا لم يجف بعد.

ولم يقولوا للناس لماذا حضر عبدالكريم سروش ومحسن كديفر احتفال السفارة الأميركية في بولندا لاستلام جائزتين نيابة عن الصحافي أكبر كنجي وهاشم آغاجري، وهم يعلمون أن الكونغرس الأميركي كان حينها قد أصدر لتوّه مشروع موازنة بقيمة عشرين مليون دولار لزعزعة النظام في إيران.

ولم يقولوا للناس لماذا قام تنظيم تحكيم وحدت الإصلاحي المتطرف بتوجيه رسالة مفتوحة لمنسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافير سولانا تنتقد فيها «الأداء والمواقف لبعض الأعضاء بالاتحاد الأوربي تجاه إيران» طالبة منها «عدم التضحية بالديمقراطية وحقوق الإنسان في سبيل مصالح قصيرة الأمد».

هذه الأحداث يجب أن لا تُفصل عن عهد الرئيس خاتمي. لأنها جرت في زمانه ومكانه ومن مريديه. وإن قِيل عن خطابه في يناير/ كانون الثاني من العام 2004 الذي وبّخ فيه الإصلاحيين المتطرفين في المجلس النيابي السادس بأنه ناسخ لمشروعه المأسوف عليه، فإن اعتماده عليهم طيلة أربع سنوات كانت مُشكلة ويجب أن يتمّ التعامل معها على أنها كذلك.

الخاتمية اليوم تعيب على حكومة الرئيس أحمدي نجاد ضخها السيولة النقدية من عائدات النفط بغرض استجلاب المزيد من الشرعية والمصداقية، ونست أنها وفي مارس/ آذار 2004 قامت بالأمر نفسه عندما سحبت سبعة مليارات دولار من حساب احتياطي العملة الصعبة للإسراع في إكمال المشاريع الإنمائية غير المُكتملة وتسديد ديون الحكومة وتوحيد سعر الصرف الأجنبي.

الخاتمية اليوم تُعيّر الرئيس أحمدي نجاد إن قال إنه سيترشّح مرة أخرى للرئاسة، لكن أحدا لم يذكر لماذا أصرّ السيدخاتمي على الترشّح في العام 2001 وكأنه يتغنى بقصيدة روبرت فروست «الغابات جميلة ومظلمة وواسعة، لكن لديّ وعود عليّ الوفاء بها ومسافات يجب أن أقطعها قبل أن أرتاح».

التاريخ يقول إنه وعندما بُنِيَت الولايات المتحدة الأميركية على مبدأ «محافظيّة العظمة الوطنية» في مطلع القرن بالاعتماد على الدبلوماسية المُكثّفة والاستثمار العسكري صار ذلك رمزا في السياسة الأميركية.

وعندما شُرّعت مقولة «ألاّ نفاوض بدافع الخوف، وألاّ نخاف أبدا من التفاوض» في حقبة الستينيات حين كانت الحرب الباردة في أوجها صار ذلك أيضا رمزا في تلك السياسة، وعلامة فارقة فيها.

لكن الرمزين بقيا متجانسين في طريقة ترتيب أوضاع واشنطن إلى الحد الذي أضحى وليام كوهين اليميني المُتصقّر وزيرا لدفاع بيل كلينتون الديمقراطي. وأن يكون الديمقراطي هنري جاكسون ضمن جوقة تُعمّد قضايا جمهورية، مادام الرمزان يؤديان إلى «هيكليات مُستدامة» كالتي أرساها هاري ترومان.

السيدخاتمي اليوم ينتقص كثيرا من رمزٍ هو يحتاجه كمُكمّل لاستمرار تلك الهيكليات. لا يحتاجه هو كشخص بل تحتاجها اللعبة السياسية الكبرى في بلاده. وبالتالي فإن هذه اللعبة مادام السيدخاتمي يراها بعين واحدة فإن التضحية به (كشخص) ستكون أهون من التضحية بالسياسة نفسها مادامت مشروعا يحتكم إليه الأشخاص

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2236 - الأحد 19 أكتوبر 2008م الموافق 18 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً