يتجنب العراقيون وحتى أبناء صدام حسين بالتأكيد الأضواء الساطعة التي تبحث عن مرتادين لدور الرقص والموسيقى هذه الأيام. ولكن لدى اللاجئين العراقيين في النادي الليلي لمطعم شرق بيروت مزاج في التحدث. يقولون: «إن سكان بغداد خائفون، إنهم يحفرون الخنادق في حدائق منازلهم ـ أولئك الذين يمتلكون حدائق ـ ويشترون الأسلحة لحماية بيوتهم. والأشنع من ذلك كله القصة التي رواها عراقي في منتصف العمر عن جارته أم لابن يبلغ من العمر (38 عاما) تم اعتقاله بتهمة التآمر. وعندما سمعت السيدة العراقية بإعلان صدام العفو عن جميع السجناء السياسيين، نثرت الزهور والورود فرحا.
وبعد ثلاثة أيام اكتشفت المرأة في منزلها في بغداد جثة ابنها إذ أُحضرت في تابوت مختوم عليه لقد تم إعدامه بطلقة في جبينه. والآن أخذت الأم المسكينة تلعن صدام في الشوارع. فهل أحتاج إلى أن أذكر اسمها؟ أعتقد لا، فهي مازالت في بغداد ـ ولكن يريد الرجل تزويدي بكل التفاصيل من أجل صدقية قصته.
يستطيع العراقيون الذين أصبح لهم مستقبل في أميركا أو أوروبا التحدث أخيرا عن انتقالهم عبر بيروت والاحتفاء بحظهم السعيد على رغم الرعب الذي مروا به في الماضي. يقول هؤلاء عن عراقيي الداخل:
«إنهم بدأوا في شراء الأسلحة لأنهم لا يثقون في الحكومة أن تحميهم إذا كان هناك غزو أميركي». إذ قال لي رجل سرا بجانب حانة «إنهم يريدون حماية أنفسهم من كلا الطرفين لأنهم لا يثقون بالحكومة العراقية أو الأميركيين». ولكن هناك فكرة أخرى «لم يعد العراقيون يستمعون إلى أئمتهم. لقد ذهبت هيبة العالم. لا يستمع المواطنون لأي شخص، فهمّهم الراهن هو أنفسهم».
في البصرة وعمانية وكوت والناصرية يشتري السكان البنادق. «إن لديهم نوعا من التعاطف مع السعوديين أو الكويتيين. ويفضلون أن يأتي السعوديون أو الكويتيون إلى داخل العراق ويحكمونهم بدلا عن الأميركيين. إنهم لا يكترثون كثيرا بالمذاهب الدينية «فقط انهم يريدون أن يعيشوا مثل الكويتيين والسعوديين وتصبح معهم نقود».
إن الذي يريد أن يعرف الحقيقة عن العراق والطرب والسرور نتيجة تلقي تأشيرة إلى الغرب، عليه بملتقى هذا النادي الليلي. يقول أحد الرجال إن الأميركيين تعاونوا مع صدام طوال هذه الفترة ضد «الشعب العراقي»، ومن ثم يتم تدمير وإبادة الجيش العراقي بواسطة الولايات المتحدة ـ بالإضافة إلى المدن العراقية ـ وانه سيتم إحياء دور القبائل بحيث تصبح سلطاتهم هي الحاكمة.
يرفض العراقيون هنا أن تكتب اسماؤهم، إذ دبّ رعب صدام في لبنان على رغم مغادرتهم الوشيكة إلى وجهات أخرى.
يخشى أبو أحمد أن تكون أسلحة الدمار الشامل موجودة فعلا في العراق وسيتم استخدامها، وأضاف الرجل: «صدام سيقاتل وهذا هو السبب الذي جعل كثيرا من الشباب يرفضون الالتحاق بالجيش الآن. يعتقدون أن الجيش العراقي سيقوم بحماية بغداد، وسيحولها الأميركيون إلى مدينة محاصرة مثل بيروت تحت الحصار الإسرائيلي في العام 1982. سيموت آلاف الأشخاص، إذ يريد صدام أن يطول أمد الحرب ليجعل الوضع الإنساني سيئا وأسوأ للأميركيين».
بالطبع سترون منطق كل هذا، فالمدينة «بغداد» تتم حراستها بواسطة الحرس الجمهوري، إذ اتخذت كتائبه مواقع لها من قبل، من أجل استهداف شوارع ومناطق معينة استعدادا لوصول الأميركيين. وقد تم نشر فدائيي صدام في منطقة مدينة الحورية في بغداد بالإضافة إلى مربع الأمل.
إذا متى ستبدأ مقاومة الاحتلال الأميركي؟، كانت هناك مناقشة طويلة بخصوص هذا الأمر. اقترح غالبية العراقيين هنا في لبنان ـ بأسرهم وأطفالهم الذين يحبون الأطباق اللبنانية ـ أن تبدأ المقاومة بعد خمس سنوات. فالعراقيون محتاجون للغذاء والعناية الطبية، لم يعودوا يفكرون كثيرا في السياسة.
اعترضت هذا الحديث سيدة قائلة: «كلا، هؤلاء مخطئون»، إن المقاومة ستبدأ حالا. يأمل هذا الشعب أن يترك الأميركيون هنيهة لوحدهم ولكن لن يكون الأمر كذلك. فالعراقيون قاسون لا يقبلون الاحتلال الأميركي. فهم لم يقبلوا أبدا باحتلال أجنبي».
وتقول المرأة إنها تعرف «موظفة مساعدة إنسانية لبنانية تم استدعاؤها في وزارة الخارجية الأميركية لمناقشة عراق ما بعد صدام. ولكنها رفضت الذهاب إلى هناك. إنها لا ترغب في أن تكون متعاونة بعد احتلال الأميركيين للدولة»
العدد 180 - الثلثاء 04 مارس 2003م الموافق 30 ذي الحجة 1423هـ