على وقع الضغوط الأميركية المتواصلة على مجلس الأمن في شأن الأزمة العراقية الذي يدرس مشروع القرار الأميركي -البريطاني - الأسباني والذي يطلب تفويضا لاستخدام القوة ضد صدام، لخص الرئيس الأميركي جورج بوش في خطاب مطول جديد ومثير للجدل تصورات إدارته للشرق الأوسط بعد انتهاء الحرب مع بغداد وتغيير النظام فيه، مشددا على ان التغيير في بغداد سيكون «حافزا» للسلام بين العرب والإسرائيليين من جهة، وللحرية والديمقراطية في دول أخرى في المنطقة من جهة أخرى. مؤكدا ان النظام الجديد الذي ستقيمه الولايات المتحدة في العراق في مرحلة ما بعد الرئيس صدام حسين سيكون نموذجا لكل دول المنطقة.
أثارت الصحف العربية على نحو لافت، وإذ لاحظت جميعها ان الرئيس الأميركي وجه رسالة واضحة وعلنية إلى القمة العربية، فيها شيء من الإغراء، هي الالتزام الكامل بالعمل على إقامة دولة فلسطينية... لاحظت أيضا ان الولايات المتحدة تجاوزت النقاش بشأن حرب أو لا حرب على العراق فهي تتحدث عن مرحلة ما بعد صدام، عن «عراق نموذجي» للديمقراطية والحرية. واعتبر غالبية المراقبين العرب ان ربط بوش بين الإطاحة بصدام حسين والقضية الفلسطينية هو نوع من الخداع... وهي محاولة عشية القمة العربية في شرم الشيخ لكسب الدعم العربي للخطط الأميركية لضرب العراق، وأجمع المراقبون على ان الخطاب بمثابة تمهيد وبداية عد تنازلي لحرب العراق.
وهذا ما أجمعت عليه أيضا الصحف العبرية التي في المقابل، احتفلت بخطاب بوش، وأعلن مسئول إسرائيلي، ان «إسرائيل» تدعم المقترحات التي عرضها بوش وربط فيها قيام دولة فلسطينية مستقلة برحيل الرئيس العراقي صدام حسين. وقال المسئول الكبير: «ندعم مقترحات الرئيس بوش التي لا تحمل أي شيء جديد بالنسبة إلى الرؤية المتعلقة بمستقبل الشرق الأوسط التي سبق وقدمها في خطاب سابق في 24 يونيو/ حزيران الماضي». وهذا ما تحدث عنه ألوف بن في «هآرتس»، إذ اعتبر ان هناك قاسما مشتركا بين خطاب الحرب الذي ألقاه بوش، وخطاب القسم الذي ألقاه شارون وهو إدراج الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي في آخر جدول أعمالهما... وأثنى زالمان شوفال (السفير الإسرائيلي السابق في الولايات المتحدة) في «جيروزاليم بوست»، على خطاب بوش، الذي أكد فيه ان الطريق إلى القدس يمر عبر بغداد وليس العكس.. ورأى ان هذا الخطاب الأميركي أكد ليس فقط ان «إسرائيل» والولايات المتحدة تملكان رؤية واحدة مشتركة بشأن عملية السلام، وإنما حيال الشرق الأوسط والعالم عموما.
خطاب بوش
ولاحظت «الحياة» اللندنية ان خطاب بوش كان طاغيا على جو الاستعدادات للقمة في شرم الشيخ، فبعض الدبلوماسيين العرب اعتبر ان الرئيس الاميركي وجه رسالة واضحة وعلنية إلى القمة العربية، وليس كما فعل والده قبل عقد ونيف مع قمة (90) ما بعد اجتياح الكويت. ومفاد الرسالة ان الولايات المتحدة تجاوزت الوضع الحالي للأزمة، فهي تتحدث عن مرحلة ما بعد صدام، عن «عراق نموذجي» للديمقراطية والحرية، وعن مرحلة أخرى فيها شيء من الإغراء، هي الالتزام الكامل بالعمل على إقامة دولة فلسطينية... هي الأخرى من دون القيادة الحالية للسلطة الفلسطينية.
واعتبرت «الوطن» الكويتية خطاب بوش بمثابة تمهيد وبداية عد تنازلي لحرب العراق... ورأت «الوطن» القطرية ان توقيت حديث الرئيس الأميركي قبل أيام من انعقاد اجتماع قمة القادة العرب في شرم الشيخ عن «دولة للفلسطينيين» إن كان محض مصادفة أم تدبيرا مسبقا، فمن الواضح أن هدف بوش هو أن ترسم الولايات المتحدة في سياق اكتمال جاهزيتها العسكرية لضرب العراق انطباعا لدى العرب بأنها غير غافلة عن قضية الشعب الفلسطيني... وإذ لفتت إلى ان المشهد الراهن يشرح نفسه بنفسه، فـ «إسرائيل» تتلهف إلى رؤية عراق مدمر، بينما تبارك الولايات المتحدة الاجتياحات الدموية الإسرائيلية في المدن الفلسطينية... طالبت القمة العربية، على أقل تقدير بتحرك دبلوماسي مكثف على الصعيد الدولي يهدف أولا إلى دعم معسكر السلام ضد معسكر الحرب في مجلس الأمن الدولي، وثانيا، إلى استصدار قرار من المجلس لإرسال قوة دولية لحماية الشعب الفلسطيني من المجازر الإسرائيلية اليومية... وفي السياق، اعتبرت «الراية» القطرية ان ربط بوش بين الإطاحة بصدام حسين والقضية الفلسطينية هو نوع من الخداع... واستغربت أن يحاول الرئيس بوش تسويق الحرب المقبلة على العراق، من خلال إطلاق مواعيد بحل القضية الفلسطينية وإقامة الدولة، في محاولة كما يبدو، لكسب الدعم العربي للخطط الأميركية لضرب العراق، ورأت ان مشكلة العرب مع الإدارة الأميركية، أنهم يراهنون على وساطتها لإيجاد تسوية للنزاع مع «إسرائيل»، لكنها تصر على التعامل معهم بالمعايير المزدوجة، فهي تمارس أقسى الضغوط وبضمنها شن الحرب على العراق تحت ذريعة القرارات الدولية، في حين تتجاهل كل ما تفعله من جرائم واستهتار بقرارات الأمم المتحدة!. من ناحيته، عبدالباري عطوان في «القدس العربي» الفلسطينية ذكّر بأنه في الماضي كان الكويتيون والسعوديون (ونحن نتحدث عن المسئولين) يعارضون ربط القضية الفلسطينية بالعراقية، ويعتبرون ذلك كفرا، ويجدون التأييد من واشنطن في هذا الموقف، بالأمس الرئيس بوش أكد هذا الربط، فماذا سيقول أصحاب فكرة الفصل والمتطرفون في عدائهم لأي ربط بين القضيتين؟ كما ذكّر عطوان بتوقعاته السابقة بأن تكون القمة المقبلة آخر القمم العربية، فنحن لا نقرأ الطالع، ولا نضرب بالرمل، فبعد احتلال العراق، وتنصيب حكومة عسكرية أميركية في عاصمته، ستصبح القضية الفلسطينية في يد أميركا وبريطانيا، وسيكون الحل وفق تصورات شارون، وستتهافت الأنظمة، أو ما تبقى منها على التطبيع، والتنافس في ما بينها على استضافة شارون. فباختصار بعد احتلال العراق وسقوط الورقة الفلسطينية عربيا، ماذا سيبقى من قواسم مشتركة بين الزعماء العرب، ولماذا يعقدون قمما مستقبلية، وما القضايا التي سيناقشونها، هل سيناقشون غزو الجراد، أم كيفية إغلاق محطة فضائية، أم تطبيق إجراءات حمائية مشتركة لمنع دخول الفاتنات الروسيات؟ ألستم معي، بعد كل ما تقدم، انه ليس هناك أسوأ من أن تكون زعيما عربيا؟ لكن لـ «الشرق الأوسط»، رأي آخر، فقد يزعم المتشنجون ان بوش تحدث عن فلسطين أساسا لأن «حلف الراغبين» الذي يقف معه يبدو انه في أزمة عشية التوجه إلى شن عمل عسكري ضد صدام حسين. وإذا كان إرسال قوات إلى العراق هو «عصاه الرمزية» فإن الوعد بدولة فلسطينية قد يبدو أيضا بمثابة «الجزرة الرمزية». ولكن الحقيقة، بحسب الصحيفة السعودية، هي ان صانعي السياسة الأميركية ربما يكونون وعوا انه لا يمكن تحقيق سلام حقيقي، دعك من تحقيق «هندسة سياسية جديدة» في الشرق الأوسط، مادام الفلسطينيون لم يحققوا طموحهم في أن تكون لهم دولتهم.
حكومة تحالف
ورأت انه يجب الترحيب بموقف بوش سواء كان ذلك انتهازية منه أم لا.. ملاحظة ان «إسرائيل» الآن خارجة من أزمتها الانتخابية لتشكيل حكومة تحالف جديدة (يبدو ان الشرق الأوسط لم تسمع أو تقرأ برنامج شارون الحكومي). أما الفلسطينيون فإنهم يحاولون من جانبهم تعزيز حكومتهم بتعيين رئيس وزراء ومجلس وزراء. وبناء عليه فإن على واشنطن بحسب «الشرق الأوسط»، أن تحدد الآن جدولا زمنيا لاستئناف المحادثات بين الجانبين، وبالتالي تسريع إحياء العملية الدبلوماسية. ورأت «الوطن» السعودية ان مطالبة بعض الدول العالمية بإعطاء مهلة أطول لمفتشي الأمم المتحدة لإنهاء مهمتهم في العراق تزيد من معاناة الشعب العراقي الذي تجرع مرارة ما يزيد على اثني عشر عاما من الحصار، كما اعتبرت ان خيار الحرب الذي يلقي بظلاله الكئيبة على المنطقة يهدد أمن واستقرار المنطقة كلها خصوصا والعالم عموما، والمخرج في كلتا الحالتين هو بصيص الأمل الذي مازالت دول المنطقة تتشبث به وهو الحل السلمي. وسألت الصحيفة السعودية عن الحل النهائي من بين الخيارات: الحرب، أو تمديد عمل المفتشين أو تنحي صدام؟
العدد 180 - الثلثاء 04 مارس 2003م الموافق 30 ذي الحجة 1423هـ