العدد 180 - الثلثاء 04 مارس 2003م الموافق 30 ذي الحجة 1423هـ

الرد الأميركي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ما الرد الاميركي الذي ستقدم عليه الولايات المتحدة في حال فشلت في انتزاع موافقة دولية على قرار الحرب؟ هناك سلسلة من الاجوبة كلها قابلة للتعديل اذا حصلت تطورات غير متوقعة.

الجواب الاول: القبول بالامر الواقع والسكوت عن مطالبتها بانتزاع قرار الحرب. الثاني: رفض الامر الواقع والتحرك منفردة من دون غطاء دولي والذهاب إلى الحرب ومحاولة كسر التوازن الدولي عن طريق القوة العسكرية. والجواب الثالث: تمديد فترة عمل فرق المفتشين الدوليين واعطاء فرصة جديدة للحل السلمي.

احتمالات التعديل في الاجوبة كثيرة منها، مثلاَ، ارتكاب نظام العراق خطأ غير محسوب تتذرع به واشنطن لشن حربها من دون العودة إلى الامم المتحدة. وربما تلجأ الادارة الاميركية إلى الضغط على بغداد واستدراجها لارتكاب خطأ كبير يشكل في الحسابات الدولية ثغرة تعطي ذريعة للهجوم بناء على القرار 1441. والاحتمال الاسوأ بالنسبة إلى العراق هو انهيار التحالف المناهض للحرب وحصول خلافات في الجبهة السياسية الفرنسية - الالمانية وتراجع روسيا عن دعمها للتحالف الثنائي. فالتحالف المناهض للحرب على رغم قوته السياسية يعاني من خلل بنيوي في متانته، فهو مجرد لقاء مؤقت يحتاج إلى مزيد من التطوير والتفعيل ليتحول إلى جبهة متراصة تقوم على استراتيجية ثابتة وسياسة دولية تخاطب مختلف القوى المتضررة من الهيمنة الاميركية على الاتحاد الاوروبي. فالتحالف الالماني - الفرنسي يحتاج إلى المزيد من العناصر الاوروبية لتبرير قيامه واستمراره، لمواجهة مختلف الضغوط الاميركية المدعومة الآن من الثنائي البريطاني - الاسباني.

أوروبية التحالف الثنائي هي اساس نجاحه واستمراره وليس عروبيته. ففرنسا تحركت لحسابات مصلحية كذلك المانيا ومثلهما روسيا. فأساس التحرك بدأ لأسباب اوروبية... حتى لو رفعت شعارات عربية عنوانها العريض رفض الحرب على العراق. وحتى يستمر التحالف الثنائي (او الثلاثي) لابد من تقوية عناصره الاوروبية وتغذيتها بتقديم اغراءات اقتصادية - سياسية تعطي للجبهة المناهضة للحرب مبرراتها الموضوعية التي تزيد من قوتها واتساعها لتشمل غالبية دول الاتحاد.

وهنا تحديدا يبدأ الدور العربي في تقديم فرص استفادة اوروبا من موقفها الداعم للمخاوف العربية واحتمال تعرض الدول العربية لهجوم يبدأ في العراق ولا يستقر إلا بعد انهاك القوى العربية واستنزاف ثرواتها وكسر جغرافيتها السياسية.

السياسة في النهاية مصالح. ومن الصعب ان يستمر الدعم الاوروبي للدول العربية في الوقت الذي تكون فيه المصالح العربية مرتبطة بالسياسة الاميركية. الدعم الاوروبي قد يتراجع والحماس الفرنسي - الالماني قد يتلاشى مع الايام اذا لم ترافقه سلسلة نجاحات على المستويات الاقتصادية التي تعطي السياسة مردودها المصلحي حتى تجد لنفسها المبررات الكافية للاستمرار والنمو.

لا شك في ان المسئولية العربية كبيرة في هذه الايام الصعبة. وتقع على عاتق الدول العربية مهمات ثقيلة تتطلب بعض الوعي التاريخي للتوازنات الدولية الناشئة في اكثر من موقع ومكان.

وحتى تكسب الدول العربية نفسها وتحمي مصالحها من التبعثر لابد لها من استبدال لغة العواطف بلغة المصالح وقراءة الموقف الفرنسي - الالماني في جوانبه الاستراتيجية الاوروبية والنزاع مع اميركا على الاقتصاد والاسواق ومصادر الخامات. فجوهر الخلاف الاوروبي - الاوروبي ومن ثم الاوروبي - الاميركي هو المصالح (الاقتصاد، الاسواق، الخامات) وليس العراق. العراق هو عنوان المشكلة بينما المشكلة الحقيقية تكمن في الثوابت الاستراتيجية التي تقوم اصلا على توازن المصالح وحاجات الدول المتضررة من الهيمنة الاميركية.

نجحت الدول العربية في صوغ الحد الادنى من الممكن العربي في قمة شرم الشيخ واستطاعت في الحدود الدنيا ان تُسمع صوتها للعالم... ورسالتها وصلت إلى اوروبا وأميركا. الآن لابد من أن تبدأ الخطوة الثانية وهي تحديد آليات عربية للتنسيق بين دول الجامعة والانتقال إلى الدول المعنية لمخاطبتها. والمخاطبة تحتاج خطابا عربيا يعتمد لغة المصالح لا لغة العواطف، ويستند في سياسته إلى قواعد اقتصادية تعطي قوة معنوية وفوائد مادية للتحالف الدولي (الاوروبي تحديدا) المناهض للحرب على العراق... ومن العراق على العرب.

من الخطأ القول ان واشنطن ستقبل بالامر الواقع. كذلك من الصعب تصور ان اشرار البيت الابيض سيتراجعون من دون رد كبير على مختلف الخطوات التي اتخذت لتعطيل او عرقلة حركة الاندفاع نحو الحرب.

الولايات المتحدة سترد وعلى الدول العربية ان تسرع في صوغ خطابها الجديد (لغة المصالح) وطرحه على جبهة الدول المناهضة للحرب حتى يعاد بناء التحالف الثنائي الالماني - الفرنسي المدعوم من روسيا على اسس اقتصادية ثابتة من الصعب كسرها او تجاهلها... فالمصالح تمنع تلاشي المبررات السياسية مع مرور الايام وتعطي دفعة معنوية للقوى الدولية الجديدة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 180 - الثلثاء 04 مارس 2003م الموافق 30 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً