هل كان بعض من زاروا الكونغرس الأميركي للمشاركة في ندوةٍ عن الحريات الدينية بحاجةٍ إلى كثيرٍ من الجهد لكشف واقع البحرين؟ وهل كانت ستنقصهم الوقائع والدلائل، وبالصور والأرقام، لإثبات ما يدّعون؟ وما الذي دفع نائبا وفاقيا عُرف بهدوئه ودبلوماسيته... إلى الحديث في نادي الصحافة؟ ألا يُعَدُّ ذلك مؤشرا على مأزقٍ حقيقي مسكوتٍ عنه تعيشه البلد؟
ستبدأ عما قريب الانتقادات وحملات الشتائم وبيانات الاستنكار والتخوين لمن زاروا الكونغرس، ولكن ذلك لن يجيب على السؤال الأهم: لماذا؟
لن نناقش مجموعة من الناشطين الحقوقيين المهمّشين والمحاصَرين في قناعاتهم وخياراتهم، ما دامت هناك قناعةٌ لدى الحكم والمعارضة باحتمال الاستفادة من هذه الفرصة السانحة. والحكم ليس أقل رغبة ولا زهدا في اللعب بهذه الورقة، بدليل تشكيلة الجمعية الحقوقية المقرّبة جدا من الحكومة، بطريقةٍ موجّهةٍ للخارج، الأميركي تحديدا، لإثبات أننا بلدٌ متعدّد ويتسع لكل الأديان.
ولن نناقش في أننا بلدٌ متعدّد الأديان والمذاهب والأصول والأعراق، فتلك ليست حقيقة تاريخية فحسب، بل مصدر فخر واعتزاز لنا نحن البحرينيين، نرفعها دائما كبصمة وراثية ورثناها تسامحا وطيبة تسري في الدماء.
المشكلة ليست مذهبية في البحرين، بل سياسيةٌ، لها تشعبات حقوقية، دستورية، وشرعية، تتعلق أيضا بالمبادئ والقيم الفاضلة والأخلاق. فالتعامل الممنهج ضد الآخرين، ومحاربتهم في أرزاقهم، وربما استبدالهم بأقوامٍ وجنسيات أخرى، بما يشعرهم بمظلومية غير مقبولة في عصر حقوق الإنسان.
لم يكن صعبا على الفئة التي ذهبت للكونغرس أن تجمع الأدلة والبراهين على وجود التمييز، بدءا من سياسات التعليم والبعثات والتوظيف والترقيات، انتهاء بالتشكيلات الوزارية والمناصب القيادية.
الأميركان وغير الأميركان لديهم مراكز دراساتهم الخاصة ووسائل تحرياتهم الخاصة، ولا يحتاجون إلى أرقام سفارتنا أو معارضتنا لمعرفة واقعنا. وعندما نستضيف وفودهم الصحافية والإعلامية، ونسكنهم في فنادق الخمس نجوم طمعا في كتابة تقارير «تنصفنا»، نفاجأ بتقارير كأن كتابها من أصلب المعارضين الذين عاشوا أربعين عاما في المنفى أو السجون. وهو ما يدفع البعض لشنّ حملةٍ مضادةٍ لاتهامهم بالتحيّز والحقد والعنصرية! ولكننا لم نسأل أنفسنا: لماذا؟
البحرين تستطيع أن تتآلف فيما بينها بسرعة، وليس أدل من ذلك ندوة بيت القرآن مساء الخميس الماضي، ويجب ألا تفارق هذه الحقيقة أذهان الجميع لكي لا نغالط بعضنا بعضا. ولكن هناك شرخٌ في الثقة، يحتاج إلى معالجة حكيمة تتجاوزه النفوس.
التمييز جريمةٌ بلاشك، سقطت راياته في كل أنحاء العالم، ولم يبق من أنصاره إلاّ فلولٌ تقاوم الإصلاح في هذه الدولة أو تلك. ومن المعيب أن تبدأ وتتكرّس ممارسات غير عادلة في بلدنا في الوقت الذي تجاوزتها دول العالم الأخرى. وعلينا أن نكون على مستوى من الشجاعة والمكاشفة والصراحة للخروج من هذا المأزق الذي خطّط له البعض واستفادت منه بعض القوى الطارئة على عالم السياسة، تحت غطاء النصرة والتمكين
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2236 - الأحد 19 أكتوبر 2008م الموافق 18 شوال 1429هـ