كشف مسئول رفيع المستوى في الإدارة الأميركية أن الرئيس جورج بوش سيدعو في وقت لاحق، إلى عقد قمة دولية «طارئة»، لقادة العالم، لمواجهة الأزمة المالية التي تعصف بالأسواق الأميركية، وامتدت تداعياتها إلى أسواق المال العالمية. ووفقا لأقوال المسئول التي صرح بها لمحطة (CNN) فإن بوش «يريد أن يستمع، خلال تلك القمة المقترحة، إلى أفكار من مختلف قادة دول العالم، سواء من الدول المتقدمة أو الدول النامية، بشأن سبل حل تلك الأزمة غير المسبوقة التي يمر بها الاقتصاد العالمي».
يتشابه تصريح بوش بشأن القمة، مع ذلك المحكوم عليه بالإعدام، عندما يدعى للإفصاح عن آخر أمنية يرغب في تحقيقها قبل تنفيذ الحكم فيه ومغادرة الحياة الدنيا. فالأزمة الأميركية التي قاد بوش الاقتصاد الأميركي نحوها، كانت السبب الرئيسي المباشر في الأزمة التي تعصف بالاقتصاد العالمي ككل، وبالكثير من الاقتصادات الإقليمية والوطنية على حد سواء.
وإذا افترضنا جدلا أن هذه الدعوة كانت صادقة وتمت، فإنها ستجد في طريقها الكثير من العقبات الكأداء التي تسبب فيها بوش شخصيا، لكونه صاحب القرار النهائي في أكبر اقتصاد قطري لأعظم دولة تتحكم في اتجاهات حركة العالم، ليس على الصعيد الاقتصادي، فحسب، وإنما على الصعيد السياسي أيضا.
أول تلك العقبات سياسة بوش الأنانية التي ترفض المساومة، وتحاول أن ترغم العالم على المشاركة، وباتجاه واحد، في حل أزمة الاقتصاد الأميركي، ولعل استباق البيت الأبيض القمة الأميركية الأوروبية، التي عقدت قبل أيام بين بوش ونظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي تتولى بلاده الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي، وحضرها أيضا رئيس المفوضية الأوروبية مانويل باروسو، برفض الالتزام بموعد أو مكان محددين لعقد القمة الاقتصادية العالمية، لمناقشة الأزمة المالية العالمية الراهنة، كمحاولة لإعادة صوغ النظام المالي العالمي يعكس الكثير من الأنانية التي باتت تسيطر على سياسات البيت الأبيض.
ثاني تلك العقبات، هي القضية الأساسية التي سيحاول بوش جر المجتمعين لها، كي تكون محور الحوار؛ فبدلا من التركيز على لب المشكلة من أجل تشخيص مسبباتها ومن ثم وضع الأمور في نصابها والحيز الصحيح الذي تحتله في العلاقات الدولية، سنجد بوش يجر الاجتماع نحو قضايا من نوع «محاربة الإرهاب»، والإرهاب الذي يحدده المعجم السياسي الذي ألف محتوياته بوش ذاته، بدلا من صب الاهتمام على القضايا المركزية.
ثالث تلك العقبات ستكون الأنانية المفرطة التي تحكم سياسة بوش الخارجية والتي تصوغ علاقاته الدولية. فبدلا من رؤية الأزمة في إطارها البنيوي الدولي، ومن ثم تأثيراتها السلبية على الاقتصادات العالمية ككل، بما فيها الاقتصاد الأميركي، سيكتشف المشاركون في القمة العالمية، إذا ما قدر لها أن التأمت، كيف في وسع بوش تجيير كل الجهود العالمية من أجل مساعدته على انتشال الاقتصاد الأميركي، وليس أي اقتصاد آخر بغض النظر عن عمق أزمته، وليس الاقتصاد العالمي، من دون النظر إلى شموليته، من ازمة لاتزال بصمات بوش واضحة عليها.
وليس هناك من يتجنى على السياسة الأميركية عندما يتوقع منها ذلك. فهناك أمام ناظري العالم جميعه، قضية الانبعاث الحراري وخطورته على البيئة العالمية، والتي لاتزال الولايات المتحدة الدولة الأكثر تسببا في حصوله، لكنها رغم ذلك ترفض التوقيع على «بيان كيوتو» وتصر على عدم تنزيل حصتها من استهلاك الوقود أو التغيير في سياساتها البيئية من أجل المساهمة في الحد من تأثيرات عوامل «التخريب البيئي»، الذي بات البعض يضعه في خانة «الإرهاب الدولي» ، نظرا إلى التدمير الذي يسببه للبيئة العالمية.
حتى على المستوى العربي، لن يتردد بوش من تجيير الأموال النفطية العربية والاستثمارات التي ولدتها من خلال السيولة النقدية التي باتت في أيدي المستثمرين العرب، وتحديدا تلك التي تحت تصرف الدول العربية مثل الصناديق السيادية، لن يتردد بوش بدلا من الاستفادة منها في مشروعات تساهم، ولو بالنزر اليسير في الحد من توسع نطاق الأزمة، سيجيرها لخدمة الاحتكارات النفطية والعسكرية التي أوصلته إلى سدة السلطة، ومن ثم بات المدافع الأكبر عن مصالحها التي لا يتردد في وضعها، ليس فوق مصلحة الاقتصاد العالمي ككل، بل على حساب الاقتصاد الأميركي أيضا عندما يجد نفسه مجبرا على الاختيار
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2236 - الأحد 19 أكتوبر 2008م الموافق 18 شوال 1429هـ