ذكرى عاشوراء هي ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي (ع) في العراق في العام 680م بعد مواجهة دموية وانقلابات اجتماعية وتحولات سياسية مهمة في جسد الامة الاسلامية. ان ذكرى عاشوراء تحمل من الدروس والمفاهيم والعبر التي توضح كيف يتحرك الانسان من اجل المبدأ لا من اجل المنفعة المادية، وكيف يتحرك المرء من اجل اصلاح الامة، لا من اجل الحصول على كرسي الحكم.
ذكرى عاشوراء مظلومة، ليس من الذين لا يذكرونها، وانما من كثير ممن يحيي شعائرها. ذلك ان ظلم الذكرى هو اعتبارها خاصة بمذهب دون غيره، او اعتبارها قضية معاناة شخصية ومؤلمة ألمت بالاسرة النبوية، او حصر اساليب احياء الذكرى بنمط معين يرتبط بتراث اجتماعي محدد قد لا يمت للتراث الموروث لدى قطاعات اخرى وبلدان اخرى.
خرج الحسين من مكة إلى العراق بصورة علنية متحديا الظروف القاسية ومعلنا غايته النبيلة «إنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي». خرج ومعه قوم كثير إلى قوم اكثر عددا، ينتظرونه لرفع راية الحكم العادل وتأكيد البيعة التي قدموها إليه قبل تحركه من مكة.
وهو متجها إلى العراق، كان «الفرزدق» في الاتجاه المعاكس قادما من العراق إلى مكة، ويلتقي الحسين بن علي ليخبره عن آخر الاخبار قائلا: «قلوب الناس معك وسيوفهم عليك»! ثم يصل الخبر الأقسى وهو مقتل سفير الحسين في الكوفة «مسلم بن عقيل» وخذلان الذين بايعوا الحسين في بادئ الامر. وتنقلب الامور والنفوس، فلا يبقى مع الحسين سوى سبعين رجلا من اهل بيته وانصاره الذين وهبوا حياتهم لمبدئهم وواصلوا المسير من دون خوف او وجل ليؤكدوا ان حركتهم في البداية لم تكن من اجل الحكم وانما من اجل مبدأ اسمى من ذلك، وهو اصلاح الامة. وهؤلاء الثلة رأوا ان دماءهم فداء لاستمرار دين محمد (ص) ومصدرا ملهما لحق الانسان في معارضة الظلم مهما كان وأينما كان مصدر هذا الظلم.
اذا كانت الفتنة الكبرى في اواخر عهد الخلافة الراشدة قد خلقت بذور التفرقة، فإن تضحية الحسين خلقت بذور المعارضة المشروعة التي فصلت بين الظالم والمظلوم، وخلقت المثال الاكبر والانموذج الاسمى للتفريق بين الاسلام باعتباره ثقافة وحضارة وبين الحاكم باعتباره فردا قد يظلم بسبب سعيه للسيطرة على الحكم. نعم قد ينحرف الحاكم المسلم ويستشري ظلمه، إلا ان المجتمع الاسلامي استطاع ان يحافظ على «الدين» لأن الحسين بن علي اوضح بتضحيته أن الاسلام اسمى وأعظم من ان يسيطر عليه حاكم ما، او تؤممه امبراطورية ما.
عند استحضار ذكرى عاشوراء يعتقد البعض بحساسية الاشارة إلى مثل هذه الموضوعات لارتباطها بمشاعر وأفكار وسياسات مختلفة في اوساط الامة الاسلامية. غير ان الحساسية هذه ليست في محلها. فالذين يتحسسون من طرح موضوعات من التراث الاسلامي ربما كانوا هم انفسهم الذين يتحسسون من التطرق إلى موضوعات من خارج التراث الاسلامي. والحساسية المفرطة ترجع في جذورها إلى انعدام الثقة بالنفس امام الافكار المختلفة. فالبعض يخشى من التطرق إلى أي موضوع يتلمس العبرة بصورة غير تقليدية. وخشية الكثيرين نابعة من الارتباط القلبي أو العاطفي الذي قد يزداد ليمنع الانسان من الاستفادة من الدروس التاريخية والذكريات، حتى لو كانت تلك الذكريات كعظمة ذكرى عاشوراء.
ان المسلمين الاوائل استفادوا من العبر التاريخية بل ان القرآن الكريم اعتمد اسلوبا غير تقليدي في التعامل مع حوادث التاريخ. إذ اورد الوحي الالهي ذكريات التاريخ بأسلوب قصصي ليعكس الدروس والمفاهيم. فعندما تحدث القرآن، مثلا، عن «البقرة» لم يكن المهم شكل البقرة او لونها، بل ان المعنى اعمق من ذلك بكثير وليس له علاقة بالبقر او بعالم البقر. فالعبرة والحكمة ضالة المؤمن وهو أحق بها أينما وجدها.
الدروس والعبر في ذكرى كبرى كعاشوراء بحاجة إلى انفتاح نفسي وعلمي يستحق ان ينظر فيه المهتمون بالثقافة الاسلامية. فالحسين ألهم الامة الاسلامية وغذَّى ضميرها، بل انه ايضا أثَّر على غير المسلمين، اذ يقول محرر الهند المهاتما غاندي: «تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما وأنتصر».
حريٌّ بنا ان نتعلم من الذكرى وأن نخرجها من الأطر الضيقة المفروضة عليها لكي نكون مع الاهداف النبيلة قلبا وقالبا ولكي لا تكون قلوبنا في واد وسيوفنا في واد آخر، كما كان بعض الذين ادعوا مناصرة الحسين قبيل استشهاده
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 179 - الإثنين 03 مارس 2003م الموافق 29 ذي الحجة 1423هـ