ارتفعت القبضات الطلابية في مسيرة نارية، ودوى صدى التكبيرات المرعبة، والهتافات الساخطة بين أسوار الجامعة، لتعلن الجموع صوت الاحتجاج، ولتصرخ بلاءات ثلاث: «لا للعدوان على العراق... لا للقواعد والبضائع الأميركية... لا لسياسة التركيع والهيمنة». انطلقت مسيرة الرفض في جامعة البحرين بمقرها في الصخير الأربعاء الماضي بتخطيط طلابي عفوي وتنظيم سري، اتسم بالتوجس والحذر الشديد من أعين رجال الأمن وإدارة الجامعة.
وعلمت «الوسط» من مصدر موثوق (طلب عدم الكشف عن اسمه) أن مسئولا في الجامعة طلب مقابلة الجهة المنظمة التي لم تكشف عن نفسها، إلا أن منظمي المسيرة ترددوا كثيرا، بل ورفضوا العرض بسبب «خوفهم من شبح الإنذارات». ويقول أحدهم: «رأيت شخصيا (مخابرات مدنية) تتبعنا وترصد تحركاتنا. لا نحتاج إلى وجود رجال الأمن بهذه الكثافة لاسيما أن وجودهم يشعرنا بانعدام الثقة». أما الطالب (أ. ف) وهو ناشط في مجال حقوق الإنسان يقول: «المسيرة خرجت بشكل سلمي عن طريق مجموعة من الطلبة ولم نرصد أي نوع من الانتهاك من قبل رجال أمن الجامعة».
بداية المسيرة...
فجأة... ومن دون سابق إنذار، أقبل أحد الطلاب وبدا هادئا جدا، وبيده مجموعة أوراق (منشورات) نثرها على الطلبة والطالبات ليلتقطوها بريبة، وبحماس متقد وبوقفة واثقة، يهتف أحد المتظاهرين: «تكبير...»، ويرد الطلبة الملتفون حوله: «الله أكبر... النصر للإسلام... الموت لأميركا». تبعثرت الشعارات لتعم أرجاء قسم التسجيل وسط ترقب وانتظار للبيان الطلابي، وأخيرا... يصعد محمود الشهابي (طالب في السنة الثالثة بكلية الحقوق) ويستقر بالطابق العلوي، ليطل على المتظاهرين، ويقرأ عليهم البيان بطلاقة وبنبرة عالية إذ يقول بحرقة: «ولعل وجود القواعد العسكرية في أكثر من منطقة عربية دليل على أن أنظمتنا مازالت مرهونة بيد الغدارة الأميركية وأنها غير قادرة على الوقوف في وجه سياسات بوش التدميرية الهادفة إلى غزو العراق وتكريس الهيمنة الصهيونية»، ويقاطع نفسه ويهتف: «لا للقواعد الأميركية في البحرين الإسلامية».
مخالفة مسلكية
بعد انتهاء المسيرة، تفرق الطلبة بهدوء متجهين إما إلى المسجد أو إلى محاضراتهم، في تلك الأثناء المتوترة جالت «الوسط» بين الجموع لتتحدث إلى المنظمين والمشاركين ولتستمع إلى هواجسهم ومطالبهم، ويعبر أحدهم: «اللائحة المسلكية تنص على عدم شرعية أو جواز توزيع أي بيان أو أي مطبوع من دون الرجوع إلى الأمن، وسيعاقب أي طالب في حال ضبطه». ويذكر أن الجهة المنظمة لم تلجأ إلى مجلس الطلبة (الرسمي) للتنسيق معه وذلك «لتجنب الرضوخ لإملاءات وإرشادات عمادة شئون الطلبة».
ويذكر أن مجلس الطلبة نظم في وقت سابق اعتصاما يستنكر ضرب العراق، وتميز بالمشاركة «الهزيلة». وعن أسباب ذلك يقول عضو مجلس الطلبة جعفر حمزة: «يرجع ضعف الإقبال على الاعتصام السابق إلى فقدان مجلس الطلبة الصدقية، الذي أتى من ثلاث جهات أولها إدارة الجامعة وذلك من خلال التوقيت والكيفية واللوائح السلبية، أما الثانية فتكمن في الأعضاء الذين ينقسمون بدورهم إلى ثلاثة أصناف، أولهم المهتم مع غياب آلية تنفيذ العمل أو الجهل أو النَّفَس القصير نتيجة الاحباطات، ثانيهم من يحب الوجاهة والظهور، وثالثهم مهمش ولا يحضر الاجتماعات مع انعدام كلي للتفاعل، ويحلو لي أن اسمي هذا الصنف بــ (الميت الحي) أما الجهة الثالثة فهي الطلبة، وأكثر ما يسعدني هو سماع انتقاداتهم ونتمنى أن نكسب تفاعلهم البارد».
غرفة نوم العرب...
وعن سبل التضامن مع الشعب العراقي تقول الطالبة في قسم الاعلام والعلاقات العامة هناء مرهون: «لا أدري إن كان في مقدور الإنسان العربي أن يقدم شيئا للتضامن مع الشعب العراقي غير أن يبدي احتجاجه ورفضه لاستمرار غرفة نوم العرب نائية عن صرخات الاحتجاج، للصمت المدقع الذي يتوسم على شفاه السلطة العربية».
وتضيف مرهون: «متيقنة مثلما غيري متيقن، أن مصلحة الشعوب والإنسانية هي آخر ما تفكر به الإدارة الأميركية وأن ادعاءات السلام والقضاء على الإرهاب ما هي إلا مبررات لمصالح نعرفها جميعا. هل من المعقول أن أهدي رضيعا قنبلة نووية لأعلن له حبي لمصلحته وأن يكون إنسانا حرا؟ اعلم أن مبررات أو واهيات هذه الحرب لا تعدو كونها رغبة في إحكام السيطرة الأميركية والصهيونية في الشرق الأوسط، والتمكن من تنشيط الاقتصاد الأميركي بالمواد الخام التي تحتويها العراق». وسألتها عن دورها باعتبارها طالبة وماذا قدمت، فأجابت: «لا جواب... لأني لا أريد أن أثرثر مثلما يثرثر غيري ولا يحصد إلا الهواء، وبالنسبة إلى الذي قدمته إلى العراق فلن أخرج من حسابي كلاما للرياء المحصن لكنني أتمنى أن أستطيع تقديم شيء إلى العراق».
لا للوجود العسكري...
وعن جدوى المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية يقول الطالب في كلية إدارة الأعمال صادق العلوي: «المسيرات والبيانات توصل رسالة إلى العالم والرأي العام العالمي بأن شعب هذا البلد أو شعوب هذه المنطقة ترفض العدوان على شعب العراق وبإمكانها استقطاب الكثير من التعاطف الدولي وحتى داخل الولايات المتحدة، ما يمكن أن يشكل ضغطا يضطر أصحاب القرار هناك إلى التراجع عما هم ماضون فيه أو التوقف عند حدٍّ معين. يضاف إلى ذلك أنها تشكل موقفا ضاغطا على حكام دول المنطقة بضرورة اتخاذ مواقف أكثر حزما تجاه دول العدوان والتوحد في موقف قوي يستطيع ثني الأميركيين ومن معهم عن الهجوم على العراق. وعن موقفه من الحرب يقول: «شخصيا لا أتبنى الحرب ضد أميركا وحلفائها بالسلاح، لأنها ستتسبب في حروب داخلية خطيرة، لكن في المقابل أطالب الجمعيات السياسية والرموز الدينية والسياسية في البلد بتبني مسألة إخراج القوات الأميركية من البلد. صحيح أن ذلك سيكون على حساب الديمقراطية التي بدأنا نرى شيئا منها، لكن الحفاظ على الحريات والديمقراطية المعوّقة الموجودة يجب ألا يكون على حساب الأمة والهوية والثقافة والمستقبل».
لا للبضائع الأميركية...
ويقول عضو مجلس الطلبة محمد حسن شرف: «ربما تكون سبل التضامن مع العراق بالنسبة إلينا باعتبارنا طلبة هي سبل بسيطة، لكنها تؤدي المفعول إن التزم الجميع بهذه السبل، منها التزام مقاطعة المنتجات الأميركية التي أثبتت التجارب أن الكثير من الشركات الأميركية تكبدت خسائر بالمليارات بسبب هذه المقاطعة، أيضا إقامة المظاهرات المناهضة للحرب، مع بث الوعي كي يعرف الجميع أخطار الاستكبار الصهيوني الأميركي، وإقامة فعاليات تضامنية مع الشعب العراقي، ومن الضروري الضغط الشعبي وخصوصا الطلابي على الحكومات كي تتخذ الإجراءات الإيجابية تجاه هذه القضية».
وعن الدور الذي يستطيع القيام به يقول شرف: «ما نستطيع القيام به هو شيء بسيط لكن تراكمه مع أدوار باقي الطلبة سيحقق شيئا»
العدد 178 - الأحد 02 مارس 2003م الموافق 28 ذي الحجة 1423هـ