العدد 178 - الأحد 02 مارس 2003م الموافق 28 ذي الحجة 1423هـ

كونستابل يعود من جديد

هل من الممكن أن ننظر إلى أعمال جون كونستابل، أفضل فنان تصويري معروف في انجلترا، من دون أن نرى إعادة إنتاج سيئة لعمل Hay Wain.

في العام 1991 استضاف معرض «التايت» عرضا استعاديا ضخما خصص لـ «كونستابل الرسام التصويري». ولم يكن العرض ناجحا كما كان متوقعا، ربما بسبب انه كان دائما بيننا، أو أنه لا يوجد شيء قد يدهشنا بخصوص هذا الرسام، أو أن المعرض لم يحتوِ على شيء لا نعرفه عنه؟

وجاء هذا المعرض استجابة لدعوة لوسيان فرود (المعجب بكونستابل) الذي عبر مرة لبيل فيفر (صديقه وكاتب سيرته الذاتية) عن ضرورة إقامة معرض لرؤية كونستابل من جديد. وقام المجلس الثقافي البريطاني British Council بعد ذلك بوقت طويل باتخاذ الخطوة الأولى... ولكن لماذا باريس؟ لأن هناك إعجابا كبيرا بأعماله منذ عشرينات القرن التاسع عشر. كما انه لم يحدث أبدا أن تم تقديم عرض استعادي لأعماله في باريس، وربما يود فرود ان يساعد في هذا المعرض بطريقته؟ وهذا ما حدث فعلا.

وعلى رغم فشل المعرض، لكن يجب أن يقال إن «الغراند بالاس» على رغم توهج ألوانه من الخارج وعلى رغم موقعه على أطراف الشانزليزيه فإنه لا يليق حتى برسام مثل كونستابل.

تتم قيادتك في داخل هذا البناء الكبير الذي يعود طرازه إلى القرن التاسع عشر، عبر سلسلة من الغرف التي تشعر فيها وكأنك في علب لا نوافذ بها، والتي تضاء بمصابيح اصطناعية فقط، هذا إضافة إلى أن هذا العرض Recomm-ended. طبعا هذا تقدير من رسام لآخر وهو يساعدنا على التعرف على الأسباب التي جعلت فرود يقدر كونستابل دائما.

واطلع فرود في شبابه على دراسة كونستابل المدهشة عن ساق شجرة البق، التي رسمها في ديدام حوالي العام 1821، وهي إحدى أروع أعمال كونستابل إذ يصور فيها الساق الضخم بدقة وواقعية. هذه اللوحة معروضة بجانب لوحة أخرى لفرود يصور فيها امرأة عارية وهي اللوحة التي شوهدت حديثا في معرض إعادة أعمال فرود في معرض «التايت» ببريطانيا ويعود تاريخها إلى 1999 - 2000. جذع الفتاة الشبيه بالساق يشبه إلى حد ما ساق شجرة البق تلك. وحاول فرود أن يقلد شجرة كونستابل لكنه فشل في ذلك.

وجعلنا فرود نرى أوجها لعمل كونستابل لم يتمكن معرض العام 1991 من توضيحها. في بداية عمل كونستابل، ناشده أبوه بأن يصبح فنانا تصويريا اذا اراد ان يرسم، فقد كانت تلك الطريقة الوحيدة التي توفر له لقمة العيش. استمع كونستابل إلى النصيحة، ونستطيع هنا ان نرى الكثير من هذه الصور مجموعة مع بعضها للمرة الأولى ومنها لوحة ضخمة معدلة بشكل مدهش يبدو فيها المسيح رجلا من ايسكس يصعد الى السماء، وقد رسمها كونستابل لكنيسة مانينغتري.

ففي العام 1991 كان ترتيب الأعمال متسلسلا بالكامل، لكن فرود خرق هذا التسلسل بعرض الأعمال في مجموعات بحسب الموضوع، وفرّق اللوحات برسومات مأخوذة من كتب أدبية، كما عرض علينا خواص رسومات كونستابل من حيث تنوع أسطحها بشكل غير اعتيادي... فهناك اللوحات المرهفة الإحساس المكررة وهناك اللوحات التعبيرية المزدحمة بأشياء كثيرة والمشوشة تقريبا. كما انه نقل الينا معلومة ان كونستابل مثله مثل فرود نفسه يرسم المناظر نفسها مرة بعد أخرى، وفي بعض الأحيان يغيّر أفكاره العامة المختلفة ليسكت أو يقوي تأثيرات بصرية متنوعة، هناك عمق متزايد مألوف ويبدو ان الرجلين متفقان.

والأكثر امتاعا في هذا المعرض بعض الرسومات الزيتية ذات الحجم الكبير التي تمثل أعمالا كبيرة رسمت في العشرينات من القرن التاسع عشر، وهي من أكثر رسومات كونستابل شهرة، منها مثلا لوحة Hay Wain ولوحة The Leaping Horse (1825). وحدثت تغيرات دراماتيكية في الفترة الواقعة بين تنفيذ الرسم الزيتي وإخراج اللوحة النهائي. ففي حال The Leaping Horse تمت إزالة شجرة شديدة التقوّس لتجعل قفزة الحصان واضحة ولتؤكدها. أما في برج «كنيسة ديدام» فقد وضع اللوحة في هيئة مدهشة على الجانب الأيمن لإعطائها توازنا تصويريا إضافيا، وقوة دافعة رأسية، ولكن ذلك أدى إلى خسارة الكثير بدلا من كسب اي شيء. ويحمل الرسم الزيتي بسمائه المعتمة الكثيفة والأداء الانطباعي للفارس وحصانه تأثيرا دراماتيكيا أكثر من اللوحة المنجزة، وتم العمل على الصورة النهائية بشكل شاق للوصول إلى نقطة الصرامة. وخان كونستابل مواهبه في محاولاته التأثير على الأكاديمية الملكية.

وتعد لوحة Hay Wain محبطة إذا قورنت بالكثير من الأعمال الأصغر منها والتي تم التأمل فيها بشكل أقل في هذا المعرض، فهذه اللوحة تحمل تصويرا عاطفيا غير موجود في أية لوحة أخرى، كما انه ليس هناك شيء آخر يثبت قدرات كونستابل بشكل أفضل من رسومات ولوحات الأشجار، فقد كان مجنونا بالأشجار وكان يصورها بعاطفة أكبر من تلك التي كان يصور بها أية امرأة. في الحقيقة كان يطلق عليها «النساء الشابات» وكان يحدد أشكالها وأنواعها المختلفة، كما يحدد ارتفاعها وجمال قامتها برقة ودقة بحيث أننا نشعر به عندما يبدأ في العويل في محاضرة متأخرة بسبب قيام بعض المخربين بتخريب إحدى الاشجار المفضلة لديه في منطقة هامبستيد هيث، فهو يفضل أن يعاني المسيح على أن تعاني شجرة؟

خدمة الاندبندنت - خاص بـ «الوسط





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً