العدد 177 - السبت 01 مارس 2003م الموافق 27 ذي الحجة 1423هـ

هل هناك جانب سينمائي للحياة في فلسطين؟

هل هناك جانب فكاهي للحياة عبر الخط الفاصل لفلسطين/ واسرائيل؟ يعتقد المخرج السينمائي إلياء سليمان كذلك، حتى أنه أخرج فيلما بهذا الخصوص. إذ يرى قليل من الناس الجانب الهزلي للاضطراب في القدس، ولكن لدى المخرج الفلسطيني إلياء سليمان أعصاب غير عادية ليحول هذا الوضع إلى كوميديا جامدة منافية للعقل.

في فيلمه الجديد (تدخل إلهي Divine Intervention)، نشاهد بستانا ريفيا احترق بالقدائف وبعد دقائق - فيما بعد - هرول مالكه يتثاقل ومعه مطفأة الحريق وذلك في تعامل واضح مع الإثارة والاهتياج اليومي. كما نرى سائحا يسأل رجل الشرطة لكي يدله على الطريق فاخرج الاخير سجينا معصّب العينين من العربة المقفلة ليرشده إلى الاتجاهات الصحيحة.

وبمشاهدة الفيلم كاملا نلاحظ شخصية منفردة قد لعب دورها سليمان الذي كان له حظ سعيد في امتلاك الوجه السينمائي إذ امتزجت دعابته بالكآبة فأصبح قليل الكلام.

يقول سليمان «عدم التحدث ليس كارثة... الأمر فقط انه ليس هناك ضرورة». فهو شخصيا مهذب ولطيف ومفكر.

وأضاف قائلا «السينما لدي شكل من التجرد وتأتي لحظة يصبح الامر ضرورة لأقف امام الكاميرا. وشخصيتي من الواضح امتداد لمَنْ أنا. ولكنني لستُ البطل. إنني مثل المشاهد، أوجه الأسئلة. حتى فيلم (تدخل إلهي) يحتوي على عناصر تتعلق بالسيرة الذاتية. هناك حادثتان مثيرتان فيه: والد سليمان (حيث خصص له اهداء الفيلم) الذي وقع في مرض شديد والمخرج نفسه الذي وقع في حب، في القصة، تراقب شخصيته تدهور حال والده فيقوم برحلات متواصلة إلى نقطة تفتيش اسرائيلية كئيبة ليقضي مواعيد لقاء من دون النطق ببنت شفة مع صديقته التي تقيم في الجانب الآخر.

ولد سليمان (42 عاما) في الناصرية «منطقة مجاورة مروعة فيها كثير من العنف الذي تفجر فجأة، فالأمور دائما متوترة في جميع الأوقات». طرد من المدرسة في الخامسة عشرة من عمره «أصبحت ابن شوارع وكانت شغله في تلك الاثناء. ثم غادرت الدولة فجأة بسبب عصابة أصبحت تطاردني إذ قيدت في سجلات الشرطة على انني زعيمها. فعلا كنت خائفا». سافر سليمان إلى لندن «تحدثتُ اللغة الانجليزية وأعجبت بـ «ليد زبلين Led گeppelin» والملاذ البريطاني عملت في حانة للمشروبات الكحولية في كينسيجتون لشهور قليلة».

وعندما بلغ الـ 21 سنة انتقل مرة اخرى فكان مهاجرا غير شرعي في نيويورك، يقوم بأعمال غير منتظمة متدنية الأجر. «تخبطت في نيويورك، إذ انني لم اخترها حقيقة».

ومازال فيها حتى قضى عشر سنوات يعمل، يشاهد الافلام بعشوائية، احيانا فيلمين أو ثلاثة في اليوم.

في البداية لم يلق سليمان مخاطر عدائية للعرب. «يعتقد الناس أنني من باكستان. ليست لهم فكرة عامة آنذاك عن ماذا تعني فلسطين». ولكن تغيرت الامور سريعا بعد حرب الخليج. في فيلمه القصير «مقدمة نهاية المناظرة (1992)»، صور عقلية عربية زائفة في السينما الغربية، وقصاصات فيلم في مونتاج هجائي «للارهابيين وشيوخ النفط». ولسليمان فيلم آخر «الولاء بالاغتيال» وهو يعكس حرب الخليج.

اما فيلم ظهوره الأول «كرونايكل أوف ديسأبيرانس» شبيه بـ «تدخل إلهي» سلسلة من لوحة حية للحياة في الشرق الاوسط وهو خليط من فيلم وثائقي وخيالي. عندما فاز بجائزة افضل اول فيلم في مهرجان فينيسيا في العام 1996، كان المخرج وفلسطين نفسها بارزين على الخريطة.

صنع سليمان افلامه من ملاحظاته الشخصية الدقيقة يقول «احتفظ بمفكرة إذ أدون فيها الاشياء التي تداعب مخيلتي، في حال أشعر فيها بالضحك أو تثير غضبي». في احدى اللقطات المروعة في فيلم (تدخل إلهي)، نشاهد كتيبة اسرائيلية من الرجال المسلحين وقد صوبوا نحو هدف مرسوم لسيدة فلسطينية جاءت فجأة للحياة، وقد انحرفت عنها الطلقات، إنه اسلوب استثنائي للسيدة الفلسطينية.

انها مستوحاة، كما يقول سليمان، من اثارة بواسطة معلومة استرعته: لوحة اعلانات طريق سريع خارج تل ابيب تروج لمدى اطلاق النار.

وقد اعترض بعض المشاهدين على العنف الواضح المعادي لاسرائيل. وعلى النقيض ايضا، تمت مهاجمته بواسطة عرب في فيلم (سجل اختفاء)، إذ توضح اللقطة الاخيرة منه علما اسرائيليا. وقال سليمان وهو يهز كتفيه استهجانا: «انهم اساءوا فهم السخرية فيه واتهموني بأنني عميل صهيوني». ومنذ ان بدأ في كسب مزيد من الاعتراف الدولي، ومن ضمنه جائزة المحكمين في مهرجان كان العام الماضي، بدأت هذه الاصوات تغير نغمتها «أصبحت فجأة بطلهم. سيد الفخر العربي». ولكن يبدو ان الفيلم لن يفوز بجائزة اوسكار بصفته افضل فيلم اجنبي. في قرار سبب مزيد من التناقض، رفضت الاكاديمية الاميركيةاعطاء اعتبار لـ (تدخل إلهي) بحجة أن جائزة أوسكار تمنح فقط للدول المعترف بها من قبل الامم المتحدة (إذ فلسطين: كيان «بوضع المراقب».

تستحث رؤية سليمان الحاذقة والشكوكية نقاد افلامه. ولكن هذا ما يجعل عمله يثير اهتمامات الناس... «أنني اضع مشهدا في فيلم عندما لا افهمه بنفسي. عندما ادرك ماذا يعني، اقوم بحذفه حالا. ليست هناك رسالة في فيلم (تدخل إلهي). ولكنني لا اعتقد انه تعبير عن اليأس» واضاف المخرج الفلسطيني «اذا كانت لدي لحظة حسية للمسة يدي أو مزحة خادعة تثير فيك الضحك، فإن ذلك نوعا من المقاومة. فأنت تستطيع ان تنشئ نقطة تفتيش وتطلب من الناس ابراز هوياتهم ولكنك لن تستطيع ان تأسر خيالهم وفكرهم. أنا لم ادعِ انني شاعر عصري. ولكن اذا وجدت لحظة حقيقة في نفسك لتصل إلى الآخرين، يصبح ذلك تفاهم ساحر ربما يستطيع ان يحدث تسامحا».

خدمة الإندبندنت - خاص بـ «الوسط

العدد 177 - السبت 01 مارس 2003م الموافق 27 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً