منذ إعلان نظام المحافظات في العام 1996 وقفت الحركة المنادية بالديمقراطية موقفا واضحا تجاه نظام المحافظات. فهذا النظام بالإضافة إلى ما يتسبب فيه من زيادة النفقات والبيروقراطية ليس له هدف واضح. في منتصف التسعينات كان الهدف يتعلق بالجانب الأمني وتم ربط هذا النظام بنظام المخاتير الذي كان في طريقه إلى العودة بعد أن انتهى عصره. وبعد الانفتاح انتظر الكثيرون الغاء نظام المحافظات لأن الإصلاح السياسي أعاد الأمن والاستقرار إلى البلد من دون الحاجة إلى إضاعة الجهود في تأسيس المزيد من الأجهزة الأمنية أو شبه الأمنية...
ولكن خاب ظن المنادين بالمزيد من الديمقراطية عندما تم تعزيز نظام المحافظات وأصبح لدينا الآن نظام بلديات منتخب ليست له صلاحيات وليست له موازنة توازي عمله وليس له استقبال حسن من قبل المسئولين، ونظام محافظات معين له كل الصلاحيات ولديه موازنة ضخمة ويتمتع باحترام كبير بين المسئولين. وهذان النظامان ليس لهما إمكان البقاء إلا إذا انتهى واحد منهما، فما الداعي إلى وجود قائدين لسيارة واحدة؟ ان ما لدينا هو إدارة الشئون المحلية ولابد ان تسلم الإدارة إلى جهة واحدة، وإلا فإن أموال الدولة تضيع وتضيع معها آمال المواطنين في حكم ديمقراطي على المستوى المحلي.
في نهاية الخمسينات عندما قررت الحكومة إلغاء الانتخابات البلدية شرعت في تأسيس هيئات رسمية بديلة لها، ولذلك أسست إدارة شئون القرى، والإدارة عينت لها مختارا في كل قرية، وقامت الإدارة بنشاطات كثيرة لإثبات أنها أفضل من البلديات المنتخبة. ولكن بعد فترة وعندما انتهت الحاجة إلى اثبات ان الهيئة المعينة افضل من البلدية المنتخبة اختفى دور هذه الإدارة واختفت خدماتها. وحتى المخاتير تورطوا هم بأنفسهم وتورطت الحكومة بهم، وبما انه لم يكن هناك نظام لهم اتبعت الحكومة اسلوبا غريبا إذ أبقت على كل مختار حتى يموت، وبعد موته لا يعين أحد بديلا عنه. في بعض الأحيان المختار يهيئ له خلفا، والخلف يقوم بممارسة أعمال المختار... ولكن أعمال المختار انتهت منذ فترة طويلة ولم يبق منها سوى «ختم» اسم المختار على ورقة رسمية تعريفية بهذا الشأن أو ذاك. وهكذا ماتت إدارة شئون القرى ومات نظام المخاتير مع الأيام...
وفجأة ظهر لنا النظام مرة أخرى في العام 1996، وفي هذه المرة كانت الحكومة أكثر وضوحا إذ ربطت النظام بوزارة الداخلية وفرضت ضوابط قاسية من شأنها تحويل كل مختار الى «رقيب» يراقب كل نشاط اجتماعي في منطقته. واستمر هذا الوضع على رغم أن الحكومة لم تستطع ان تعين مخاتير في المناطق الحساسة سياسيا لعدم وجود من يتجرأ على القبول بالمنصب.
إلا ان المفاجأة الكبرى هي الإصرار على نظام المحافظات بعد إعلان الانتخابات البلدية، ففي كل أنحاء العالم، من شرقه الى غربه، السلطات المحلية كلها تسلم الى البلدية المنتخبة، وكل شيء يستمد سلطاته من الهيئة المنتخبة، إلا في البحرين. فهناك عدة مؤسسات (وهي في ازدياد) كلها معينة وكلها تنافس البلدية المنتخبة ما يؤدي إلى الاحباط في أوساط البلديات والاحباط في أوساط المواطنين الذين انتخبوها. فالبلدية تنافسها المحافظة وتنافسها الإدارة التنفيذية التي لا تعترف بأحد إلا بوزارة البلديات، ووزارة البلديات تنافس البلديات، وكل مسئول صغير وكبير لا يعترف بالبلدية ولا بعضو البلدية...
ووصل الأمر الى ان يرفض الوزراء الرد على رسائل عضو المجلس البلدي ولا يسمحون لأي من الموظفين الأصغر من الوزير بالرد على عضو المجلس البلدي إلا إذا كانت الرسالة قد وصلت عبر وزير البلديات... ولعل هذه أكبر إهانة توجهها الحكومة إلى البلديات المنتخبة، وأعضاء المجالس البلدية يشعرون بالحرج الشديد أمام المواطنين الذين يلجأون إليهم. بل ان بعض الأعضاء يقولون إن المواطن بدأ يتجه إلى المحافظ والمحافظة حتى في شئون التنظيف، لعلم المواطن بأن الحكومة لا تستمع إلا إلى المحافظ.
إذا كان المجلس البلدي ليس له احترام في الحكومة، وإذا كانت هناك عدة مؤسسات رسمية معينة جميعها مملوءة بالموظفين ولديها الإمكانات بينما يتم تجريد البلديات من كل ذلك، فلماذا لا يتم إلغاء البلديات بصورة صريحة من دون لف ودوران؟
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 177 - السبت 01 مارس 2003م الموافق 27 ذي الحجة 1423هـ