«البلاد القديم» تعني ان البلد قديم ـ وانه قد سبق غيره من المناطق أو البلدان عمارة أو خرابا ـ إلا انه غلب على المعنى قصد ان العمارة سابقة على الخراب.
كذلك لا يمنع من القول إن «البلاد القديم» قد أصيبت بالخراب ثم العمارة مرات ومرات عبر الزمن، ما حدا بأهل البحرين أن يطلقوا على المنطقة اسم «البلاد القديم».
أما «مشهد» فتعني ـ محضر الناس، ومجمع الناس، والمشهد جمع مشاهد، وهو مكان استشهاد الشهيد. فمشاهد العراق قد سبقت مشهد إيران ـ أو مشاهد إيران، ومشاهد المدينة المنورة قد سبقت مشهد البحرين، والذي سبق الجميع هو مشهد مكة المكرمة ـ انه المسجد الحرام وهو البيت العتيق. وهو مشهد الأنبياء والرسل من لدن آدم (ع).
فهذه المساجد أو البيوت أو المشاهد جعلها الله أماكن مقدسة ـ فيها يلتقي الناس ـ وفيها تؤدى الصلوات وكل العبادات ـ فيها تدرس العلوم ـ وتعلم فيها سائر المعارف ـ فيها يعلم كتاب الله العظيم ـ وفيها تشرح مفاهيم وأحاديث الإسلام ـ وفيها يتم التعرف على أحوال المسلمين ـ وفيها يكمل التعارف والتعاون بين أفراد المجتمع الإسلامي، فيزداد بينهم الود والمحبة ويقوى الترابط.
قال تعالى: «وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامرٍ يأتين من كل فجٍّ عميق. ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها واطعموا البائس الفقير، ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق». (الحج: 27 - 29)
وقال تعالى: «في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال. رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار». (النور: 36 - 37).
أهل البحرين... كانوا من السبّاقين إلى الدخول في حظيرة الإسلام ـ فهم أول من آمن بالدين المحمدي من خارج الجزيرة العربية ـ وهم أول من بنى مسجدا بعد مساجد مدينة الرسول الأعظم... وهم أول من أقام صلاة الجمعة بعد جمعة المدينة المنورة التي نالت الفخار بمقدم سيد الأنبياء والمرسلين (ص) إليها، فهل يُستكثر على أهل البحرين أن يكون مسجدهم هو جامعهم وهو جامعتهم وهو مشهدهم، وفي «البلاد القديم».
ذكر علي بوشهري: ان مدينة المنامة أسست العام 1320م، ومنذ ذلك الحين تم تغيير اسم عاصمة البحرين القديمة «مشهد» إلى الاسم الجديد وهو «البلاد القديم».
وقال بوشهري: «إنه عثر في البحرين في العام 1982 على 18 عملة نحاسية، ضربت بالشكل نفسه، في السنة نفسها وللملك نفسه، وبأسماء وألقاب مختلفة».
ألا يعتقد بوشهري ان هذه العملة تعود إلى الملك نفسه اجتهادا من عنده وإلا فأين الدليل؟، وذكر بوشهري: ان «البلاد القديم» يوم ان كانت عاصمة للبحرين كانت تحمل اسم «مشهد» يضاف إلى ذلك ان المراجع القديمة ذكرت ان اسم مسجد الخميس «مشهد المقدس»، تمنيت لو ان بوشهري قد عرّفنا بتلك المراجع القديمة، وليته تفضل بتفصيل في أي منطقة من مناطق البحرين عثر على الثماني عشرة عملة النحاسية، وهل عثر عليها مجتمعة في مكان واحد أم في مواضع وأماكن متفرقة؟.
كذلك ذكر بوشهري: «يلاحظ من الصورة والشكل بساطة الكتابة وضعف اللغة، إذ ضرب عليها (ضرب مشهد سنة سبعموية وستعشر)».
ألا يعتقد بوشهري أن عملة هذه مواصفاتها قد أُتيَ بها إلى البحرين من الخارج يوم أن كانت البحرين خاضعة لحكم دولة أجنبية، وان تلك الدولة قد فرضت التداول بعملتها على مستعمراتها، وهذا ما قد فعلته بريطانيا، لما ألزمتها، بالتداول بالروبية الهندية حتى وقت استقلال البحرين، أم ان البحرين في ذلك الوقت كانت في وضع من القوة والشهرة والنفوذ، وتحسن الاقتصاد وكانت مؤهلة لأن تصدر عملة خاصة بها وتفرض التعامل بها على من جاورها من البلدان.
قيل: «أهل مكة أدرى بشعابها»، فإذا كان أهل البحرين عربا مسلمين، قد تربوا على نهج الإسلام ولغة القرآن، وهدي محمد (ص) وآل بيته الأطهار وصحابته الأخيار، أهل الفصاحة والبلاغة، فكيف يكتبون وينقشون على عملتهم لغة ضعيفة وكتابة بسيطة؟!.
أضع بين يدي بوشهري بعضا مما كتب ونقش على بعض أضرحة قبور بعض العلماء والمراجع والوجهاء العظام من رجالات «البلاد القديم»، والتي هي قريبة عهد من الزمن الذي حملته العملة المكتشفة، ليقارن بين اللغتين والكتابتين.
النموذج الأول: «توفي في الثالث عشر من جمادى الآخرة سنة سبعمئة وسبعين».
النموذج الثاني: «توفي الرابع عشر من المحرم أول شهور سنة ستمئة وسبعة وأربعين».
النموذج الثالث: «... سنة ثمان ماءة هجرية».
وذكر «ان حكم الملوك المغول استمر حتى العام 11 حين ألغي الاتفاق المبرم بين أسرة مُلك الاسلام العراقية وبين دول الخليج. وحكم البحرين الملك المغولي السلطان محمد. «وان السلطان محمد الجاتيو حكم من 1304م/703هـ وتوفي في نهاية 1309م/716هـ. والمعروف انه حكم البحرين والخليج حكما مباشرا من العام 1311 حتى وفاته، وكان اسمه السلطان محمد شاه».
وذكر بوشهري ان العملات الثماني عشرة النحاسية ضرب عليها التاريخ 716 «سبعموية وستعشر»، وقال إن السلطان محمد الجاتيو توفي في نهاية 1309م/709هـ، فعلى ضوء كل ما سرد بوشهري من أقوال، نخلص إلى ان العملة من المؤكد انها صدرت في عهد من تولى الحكم على البحرين «وهو من المؤكد كان حاكما اجنبيا»، وذلك بعد انتهاء الحكم المغولي.
وأورد بوشهري: «ان مدينة المنامة ذكرت لأول مرة العام 1348م». أقول: كذلك ورد في كتاب المورد، المجلد السادس صفحة 184/185 لمنير البعلبكي «ان أول ما ورد ذكر المنامة حوالي 1345م». إلا انه مثل بوشهري لم يذكر لنا المصدر الذي استقى منه المعلومة. أقول: إن اسم المنامة لم يكن مذكورا ولا معروفا حتى العام 930/1532م. فقد ورد في «الذخائر» للشيخ محمد علي بن الشيخ محمد تقي آل عصفور، ما يلي: «في سنة 930، الثلاثين وتسمعاية، ظهرت جماعة في بلاد عمان المسومون بالبرتقالية فجاءوا إلى البحرين واستقروا فيها مدة مئة سنة وبنوا قلعة محكمة في «منعمه». وبقت إلى الآن آثارها». وعلى كل حال هذا لا يمنع وجود المنامة في أي وقت من الأوقات أو زمن من الأزمة ولكن ما مقدار صحة تغيير عاصمة البحرين «مشهد» إلى «البلاد القديم» تزامنا مع تحويل الحكم من «مشهد» عاصمة البحرين إلى المنامة، وذلك العام 1320م، والذي يوافق 720هـ. بينما نجد في الوقت نفسه أو قبله انه كان هناك حكام فعليون للبحرين، وهم بلاديون ومقرهم «البلاد القديم». وذلك ما تؤكده الكتابات التي نقشت على أضرحة قبورهم، وقد ذكرت ذلك قبلا. إلا أني أعيد ذلك للتوضيح أكثر.
1- المرحوم السعيد نورالله مرقده، عاش أربعة وعشرين سنة، هذا ضريح الصدر المعظم المرحوم السعيد زين الدنيا والدين علي بن المولى المعظم زين الدنيا والدين محمد بن أحمد بن معالي. توفي الثالث عشر من جمادى الآخرة سنة سبعمئة وسبعين». (يوافق 1368م).
2- ... الشيخ ... السعيد ... بن الشيخ سعيد بن معالي تغمده الله ونور ضريحه. توفي الرابع عشر من سنة ستمئة وسبعة وأربعين» (يوافق ذلك سنة 1249م). ومن الملاحظ ان الصدر المعظم، والمولى المعظم قد عاشا قبل وبعد زمن تحويل الحكم من «مشهد» البلاد القديم إلى المنامة، وان اطلاق لقب الصدر المعظم والمولى المعظم لابد ان يشير إلى أن الشخصية لها مكان مرموق ومركز متقدم في المجتمع والدولة. فالصدر المعظم: يعني من تولى أمور الناس عامة، أما الصدر المعظم فيعني الحاكم العام للدولة، وقد يقوم بمهمات القائد العام العسكري للجيش إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وهذا ما هو متعارف عليه في الوقت الحاضر.
وورد في كتاب «العراق في التاريخ» ص 571. «في مطلع ربيع الثاني 940/1532، أصدر السلطان سليمان القانوني أمره إلى الصدر الأعظم إبراهيم باشا بالتوجه على رأس قوة من 80000 رجل إلى آذربيجان». «وفي نهاية ربيع الأول 941/1334 التقى السلطان بصدره الأعظم قرب تبريز». وفي ص 572 «ودخل الصدر الأعظم بغداد في 24 جمادى الثانية 941/31 يناير/ كانون الأول 1534، وبعد يومين دخلها السلطان سليمان وسط مظاهر الأبهة والفخامة». وورد في كتاب «أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث» ص 107 لمؤلفه ستيفن هيجلي لونكريك ـ تعريب جعفر الخياط. «كان الهم الأول لحسن باشا الصغير، عند تعيينه حاكما لبغداد بعد سقوطها في يد مراد، ان يرمم العتبات والأبنية الحكومية، وان يجتذب إلى بغداد السكان الذين التجأوا فزعا إلى القبائل، وان يعتني ببساتين القصر ومرافق الأنس فيه، وكان الباشا الباني الأصل مشهورا بالشجاعة، غير ان «الصدر الأعظم» قرة مصطفى، عندما ترك بغداد في أوائل مايس (مارس)، كان يرى فيه غير الشخصية القاسية التي تحتاج إليها مثل هذه الولاية، فحل محله في الحكم «درويش محمد».
وجاء في كتاب «الشعوب الإسلامية» لعبدالعزيز سليمان نوار ص 389. «... فعندما طلب منه السلطان بعد ذلك أن يبعث بابنه إبراهيم باشا والي جدة إلى بغداد، عمل محمد علي على التخلص من هذه المهمة، ولذلك كتب إلى الصدر الأعظم يقول...».
قد تبين آن الصدر الأعظم ـ أو المعظم هو رتبة عالية ومرموقة في الدولة.
وذكر الشيخ يوسف العصفور في كشكوله: «وانحدر على أهل البحرين عبدالملك بنفسه، وجلس في الطرف الغربي، وكان مجيئهم من أول الدراز إلى بني جمرة، حتى ملأت عساكره الأماكن والفلوات، وقلعة البحرين يومئذ في «البلاد القديم» عند المشهد.
يقصد مسجد الخميس حاليا، ولقد شاهدت ورأيت بعيني بقية آثار تلك القلعة في الوقت الذي كنت طالبا في مدرسة الخميس (المباركة العلوية سابقا)، وكانت آثار تلك القلعة يفصل بينها وبين المدرسة الطريق فهي غرب جنوب المدرسة. وقد شيد على أرضها بيت. كما ورد ذكر البلاد القديم في مطلع قصيدة الجعفر الخطي، التي مطلعها:
برغم العوالي والمهندةِ البُترِ
دماء أراقتها سبيطةُ البحرِ
ألا قد جنى بحرُ البلاد وتَوْبَلِي
عليَّ بما ضاقت به ساحة البرِ
وتوفي أبوالبحر سنة 1028هـ.
أما سالم النويدري فقد ذكر في كتابه «أعلام الثقافة الإسلامية» المجلد الأول ص 89 «فاستولى أحد ملوك فارس (أبوبكر بن سعيد) على جزيرة أوال سنة 633هـ، وكان ذلك إيذانا بانتهاء دولة العيونيين».
وورد في المصدر نفسه: ثم «ضم إليه القطيف سنة 641هـ والاحساء سنة 659، وبعد وفاته تولى ابنه «سعد»، وفي عهده تضعضعت الدولة وتلاشت». وفي هذه الفترة خضعت البلاد كغيرها من دول الإسلام في هذه المنطقة للاحتلال المغولي الذي دام من سنة 736 إلى سنة 795هـ. ثم آل أمرهم إلى الانقراض.
وجاء في أنوار البدرين لعلي بن حسن آل حاجي البلادي: «قد كان العلماء السابقون من بلاد البحرين في غاية الإنصاف والتقوى، والاعراض عن الدنيا، وقد اتفق ان فاتحة أقيمت لبعض أشخاص البحرين في مسجدها المسمى بالمشهد ذي المنارتين. فاتفق فيها حضور ثلاثمئة أو يزيدون من العلماء الأفاضل في وقت من الأوقات». ص 50
نخلص إلى ان أبابكر بن سعيد استولى على جزيرة أوال سنة 633هـ/1235م. ثم ضم إليه القطيف سنة 641هـ/1243م. وان المولى المعظم توفي في سنة 647هـ/1249م. أما الإحساء فقد استولى عليها أبوبكر بن سعيد في سنة 659هـ/1260م. وفي سنة 716هـ/1316م صدرت العملات الثماني عشرة النحاسية التي سُكّت في البحرين. وفي السنة 720هـ/1320م تحولت «مشهد» عاصمة البحرين إلى مدينة «المنامة» تزامنا مع تغيير العاصمة المذكورة إلى «البلاد القديم» هذا بحسب ما ورد في مقالة بوشهري.
أما الصدر المعظم فقد توفي سنة 770هـ/1368م، وان الاحتلال المغولي دام من سنة 736هـ/1335م حتى 795هـ/1392م.
بقي أن نعرف فنطلب من بوشهري المحقق والباحث القدير ألا يبخل بإفادتنا ولو بنبذة بسيطة في عهد مَن مِن الحكام والسلاطين حدث إطلاق اسم «مشهد» عاصمة البحرين. وكذلك في عهد من تغير كل شيء؟
هذا ما أردت تبيانه وتوضيحه، انها اطلالة سريعة على تاريخ «البلاد القديم»، الذي هو أشبه ببحر عميق ليس من السهل سبر غوره، واستخراج درره ولآلئه ونفائسه ومكنوناته
العدد 176 - الجمعة 28 فبراير 2003م الموافق 26 ذي الحجة 1423هـ