العدد 176 - الجمعة 28 فبراير 2003م الموافق 26 ذي الحجة 1423هـ

قمة شرم الشيخ... قمة لتحولات الغياب العربي

كيف قرأ الإعلاميون الحدث التاريخي؟

حسين دعسه comments [at] alwasatnews.com

يمكن وصف ما يجري عربيا ودوليا مؤشرا رئيسيا للقمة العربية في شرم الشيخ فهي ليست عادية ولا طارئة... انها قمة «جنس ثالث» كما يصف ذلك المحلل السياسي الاردني سلطان الحطاب بين هذه وتلك. وهي لذلك في منزلة بين المنزلتين لا بالمؤمنة بالموقف العراقي ولا بالكافرة بالموقف الاميركي. ولذلك تواصل العمل لتحضرها كل الاطراف العربية حتى لا يقع الانشقاق مبكرا قبل الانعقاد وحتى يتمكن حضورها من الاشهاد انهم عملوا شيئا على رغم ان القمة العربية وان انعقدت بكامل اعضائها فانها وكما يقرأ المكتوب من عنوانه لن تستطيع ان تفعل الكثير لمنع الحرب على العراق ما لم تقع المعجزة من احد الطرفين الاميركي او العراقي. وما لم يحدث متغير كبير يرجح مواقف القمة العربية ويدفعها الى موقف فيه حسم ويجعلها تخرج من حال «...».

واذا كانت قمة دول عدم الانحياز على اتساع اعضائها واختلاف مهماتها وتسرب الضغوط الاميركية لها فازت ببعض المواقف الايجابية على نحو دعوة رئيس القمة ورئيس وزراء ماليزيا مخاتير محمد بتأييد الموقف الفرنسي الالماني الداعي الى مزيد من اعطاء المفتشين وقتا اضافيا وعدم الموافقة على ضرب العراق واعتماد الخيار السلمي لحل الازمة ونزع اسلحة الدمار الشامل فهل ستكون دعوة القمة العربية قادرة ان تبني المواقف نفسها وان تنحاز الى ما انحازت اليه الدولتان المؤثرتان الاوروبيتان، ام انها ستتوزع بين من يرى رؤية هاتين الدولتين وبين من يظل قريبا من الموقف الاميركي ومن فهم ضروراته او تأييدها!.

قمة شرم الشيخ لن تكون سهلة... وهي وان استطاعت تجاوز القضية الشكلية في الزمان والمكان فهي لن تتجاوز القضايا المضمونية والتي ستكون قضايا خلافية ومع ان الامين العام لجامعة الدول العربية بذل جهودا كبيرة لابقاء حبل الوصل متصلا بين مختلف الاطراف والحفاظ على اطار الجامعة إذ يسبب الموقف الاميركي تهديدا واضحا لواقع ومستقبل ليس الامم المتحدة فقط وانما الجامعة العربية ايضا والكثير من المنظمات والتكتلات الدولية حين لا تقوى هذه الاشكال الاممية والاقليمية، ومنها ايضا منظمة المؤتمر الاسلامي التي تزمع عقد لقاءاتها في قطر في الايام المقبلة على الاحتفاظ بدورها وفاعليتها امام الضغوط القوية والمواقف الاميركية المتعسفة.

ويؤكد الحطاب لـ «الوسط»: يحاول عمرو موسى ان يقطر انعقاد القمة المقبلة بقرارات قمة بيروت الماضية في محاولة منه للامساك بمرجعية عربية وبمواقف كانت اتخذت ولم يعد التمسك بها سهلا بعد ما حدث من تطورات في الموقف الاميركي اذ اصبحت قرارات الحد الادنى التي عرفتها بيروت في قمتها العربية قبل سنة تكاد تكون قرارات السقف او الحد الاعلى وربما اصبح صعبا حتى الامساك بها والبناء عليها.

في قمة شرم الشيخ ستتمثل وجهات نظر عديدة.. منها ما يعكس الموقف الاميركي ومنها ما يعكس الموقف الفرنسي الالماني باعتبارها حالة مختلفة عن الموقف الاميركي ومنها ما يعكس موقفا سيكون للاقلية ولن يجد احدا قادرا على ترجمته ولهذا فان قمة عدم الانحياز في قرارها لاستخدام المال والنفط سلاحا في وجه القوى التي تريد استخدام الحرب باعتبارها وسيلة ضد العراق. لن تجد لمثل هذا الموقف صدى في القمة العربية حتى وان كانت قمة عدم الانحياز قد طرحت ذلك على سبيل التفكير به واللجوء اليه باعتباره حالة لا بديل لها في حال وقوع الحرب.

قمة شرح الشيخ التي تعقد على الارض المصرية برئاسة البحرين صاحبة الدور الابجدي في الانعقاد ستواجه اجندة معقدة حتى وان كانت من نقطتين وهما المسألة العراقية والقضية الفلسطينية. وهذه الاخيرة يزداد التعقيد فيها ايضا مع نجاح شارون عشية انعقاد القمة في تشكيل حكومة ائتلاف يمينية يدفع تشكيلها باتجاه اغلاق الطريق على اية مبادرة سلام بما في ذلك خريطة الطريق وتدفع إلى الواجهة عناصر ومجموعات حزبية مشتركة في الحكومة ممن يؤمنون بالاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة وباقتلاع الفلسطينيين وطردهم ومواصلة سياسة احتلال قائمة على قتل الفلسطينيين وهدم بيوتهم ومصادرة اراضيهم واقتلاع اشجارهم والتنكر لحقوقهم الوطنية المشروعة. واذا كان الجدل الذي سبق القمة العربية المقبلة في شرم الشيخ قد قدم وجهتي نظر عربيتين هما انعكاس للموقف الدولي اكثر منه استجابة لموقف الشارع العربي فان هذا الجدل سيستمر وسيكون من الصعب تجسيره والتوافق المتماسك عليه وربما يدفع ذلك إلى اختلاف يضرب مؤسسة القمة التي عادت إلى الانعقاد العادي بعد سنوات من الطوارئ والغياب والانقسام اثر معاهدة «كامب ديفيد» المصرية في الاصل وحرب الخليج الثانية بعد ذلك ولم تبرأ هذه القمة من امراضها ومما اصاب النظام السياسي العربي من تشظ ووهن وانقسام سيزداد بالتأكيد اذا ما ادركت القمة المقبلة ان العراق مضروب لا محالة. وتكون قمة شرم الشيخ آخر القمم وقد تتوقف بعدها ابجدية التتالي خصوصا اذا ما جاءت الضربة الاميركية للعراق لتطال ما هو ابعد من النظام العراقي مما يشكل المنطقة من انظمة سياسية وتكوينات جغرافية وخلاف ذلك مما سمعنا عنه تصريحات متباينة تحمل محاذير ومخاطر كبيرة لا تخفى على المتابع.

سيكون امام القمة تصورات واقعية اكثر من اي وقت مضى وسيكون امامها ايضا مواقف للاستهلاك والحالة العلنية بسبب من ادمان ذلك وعدم نضج النظام العربي ومواصلة الاختباء وراء الشعارات... ومع كل ذلك فان القوى التي ستضع تصورات قائمة من الواقع وتعقيداته هي القوى نفسها التي ظلت تتحرك دائما وظلت تحظى بالقبول الدولي وهي مواقف مصر والاردن والسعودية ولهذا فان مصر ستطرح موقفها وما اطلع عليه الرئيس مبارك من الموقف الفرنسي والالماني. كما سيطرح الاردن تصوره وما اطلع عليه الملك عبدالله من الموقف البريطاني. كما ستطرح السعودية رؤيتها وهي جمع لرؤية دول الخليج ولمدى استفحال الضغوط الاميركية على الجغرافيا العربية. كما ستتعرض القمة لردود الفعل العالمية وستتوقف عند الموقف التركي وسيكون لها وقفة ترحيلية لما يجري في فلسطين والذي تجاوز قمة بيروت وقراراتها من دون ان ينهض الغضب العربي الذي اذابه باتجاه الخوف الحالة العراقية المتفجرة.

اما المحلل السياسي الفلسطيني محمود الريماوي فيؤكد لـ «الوسط» ان الأنظار تتطلع إلى القمة المقررة في شرم الشيخ. باعتبارها تمثل استحقاقا وواجبا تأخر الوفاء به لعدة أسابيع إن لم يكن لعدة أشهر. وليس سرا أن الرأي العام ينظر إلى هذا الاجتماع بأقل القليل من الأمل، لأسباب يتعلق بعضها بالاندفاع الأميركي الذي لا يقيم أصحابه وزنا للحسابات والمصالح العربية، وهو ما يشكل تحديا يستحق الاعتراف به، والتسلح من بعد بإرادة كافية لمواجهته، كما تفعل دول ومجموعات أخرى في عالمنا بعضها حليف للولايات المتحدة وإلى درجة باتت الدولة العظمى تحسب معها حسابا لهذه المواقف.

ويلفت الريماوي الى انه كان العراق طوال التسعينات وحتى أيام الناس هذه، قد اخطأ في عدم وضع الملف العراقي، بأيدي المجموعة العربية أو الجامعة العربية، إذ كان يراهن على انه بمزيج من التصلب والمرونة، قادر على الخروج من الأزمة.

والآن بعد أن أوشك الخراب أن يحل بالبصرة، فأنه لا مفر من أن تتعهد القمة هذا الملف، وهو ما بات العراق مستعدا له بعد طول تأخير، غير ان هذا الإجراء كما هو واضح لا يكفي وحده لحل أو حتى حلحلة الأزمة. إذ يجب أن يكون هناك تفويض كامل من جهة، واستعداد لـ «التضحية» من جهة أخرى، باتجاه تحقيق تغيرات نوعية في النظام السياسي. وإذ يذهب البعض إلى أن المطلب الأخير لا يعدو ان يكون مطلبا أميركيا وبريطانيا، إلا ان من يتابعون الوضع العراقي منذ مطلع الثمانينات يدركون أن هذا مطلب عراقي وطني في الأساس، وإلا كيف تكونت وتشكلت هيئات وتنظيمات يربو عددها على الثلاثين، تمثل كل التيارات والطوائف والمذاهب. والمشارب والملل والنحل، تطالب جميعها بالتغيير الديمقراطي، بعضها لا يجد مانعا حتى للجوء إلى الحرب للوفاء بهذا الغرض...؟

ويؤكد: بُحت الأصوات طوال التسعينات وما قبلها، للمطالبة بالمشاركة السياسية باعتباره سبيلا لتحصين الجبهة الداخلية، ولكي ينعم الناس بحياة سياسية طبيعية آمنة، والحؤول دون التدخلات الخارجية. وها قد وصلنا أخيرا إلى أن هناك عراقيين كثر، يسبغون شرعية على الحرب غير الشرعية المنتظرة، بعد أن سدت في وجوههم سبل الإقامة في وطنهم، وهنا بالذات يكمن تعقيد الوضع، إذ تتخذ الولايات المتحدة من مواقف أكثرية المعارضة العراقية (التي اجتمع ممثلوها في اربيل) ذريعة للتحشدات والتهديد الحربي، إضافة إلى الأهداف الأخرى المعلنة والمضمرة.

ولذلك بات من المنطقي والواجب أن تنبري القمة لمعالجة هذه المسألة، وان تتخلى بسبب ضغط الظرف الاستثنائي عن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لبلد من البلدان... ذلك أن هذا «التدخل» مطلوب تفاديا لتدخل خارجي اعظم. وإذ كانت هناك أطراف خارجية مثل روسيا لم تتردد في تبني إجراء تغيير في العراق ومفاتحة بغداد في هذا الأمر(عبر المبعوث بريماكوف)، فإنه من أوجب واجبات القمة أن تطرق هذا الباب بقوة حقنا لدماء العراقيين، ولحرمان واشنطن من بعض الذرائع وكذلك لطمأنة بعض دول الجدار، بان هناك استعدادا عراقيا للتغيير، بما يعنيه ذلك من إعادة نظر جذرية في السياسات المتبعة، وبحيث يصبح العراق عمليا في عداد دول منطقة الخليج، وإن لم ينضم على الفور إلى مجلس التعاون.

إن تفويضا من هذا النوع، هو الذي يسمح للقمة أن تخاطب واشنطن باسم كتلة عربية متجانسة ومتحدة، وذات رؤية واضحة ومحددة تقوم على ان يتولى العراق تنفيذ القرارات الدولية وان يصار خلال ذلك وبعده إلى حل سياسي وسلمي للأزمة، بمشاركة عربية فاعلة، وكذلك بمشاركة عراقية تضم مختلف مكونات الحياة السياسية العراقية.

ومع ذلك فان مآل هذه القمة إلى خواء. وهذه استحقاقات هذه المؤسسة التي بدأت لا تستطيع اخذ دورها المطلوي عربيا

العدد 176 - الجمعة 28 فبراير 2003م الموافق 26 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً