هناك قطاع واسع من الرأي العام الأميركي لم يقتنع حتى الآن بمزاعم البيت الأبيض إلا أن هناك الكثير تحت ضغط الآلة الإعلامية الأميركية أصبحوا يعتقدون أن الحرب على العراق قد تكون الوسيلة الوحيدة في القضاء على التهديد المزعوم الذي تشكله برامج التسلح العراقية.
غير أن اثنين من المحللين البارزين في معهد «كاتو» للأبحاث في واشنطن يعتقدان بوجود استراتيجيات أقل كلفة للتعامل مع العراق، وان ادعاء المسئولين بأن الرئيس العراقي غير عقلاني ادعاء غير صحيح. ويجادل الخبيران في الشئون الدفاعية إيفان الاند وببرنارد كورلي في أن الرئيس العراقي عقلاني في المعنى الذي يستخدم به الاقتصاديون والعلماء السياسيون هذا الاصطلاح.
ويقولان إن فحصا لأعمال الرئيس العراقي في الماضي يشير إلى أن حاجته المبدئية هي المحافظة على وجوده السياسي. لذلك فإن واشنطن تستطيع باستخدامها هذه المعرفة أن تطور استراتيجية تتيح ردع الرئيس صدام عن القيام بأعمال تعرقل «الأمن القومي الأميركي من دون أن تدخل معه في حرب».
وهما يريان أن المفتاح هو ردع نظام الحكم في بغداد عن القيام بما أسمياه «عملا عدوانيا» عن طريق توجيه رسالة واضحة تنطوي على صدقية بالالتزام بحماية الولايات المتحدة ضد أي تحد لأمنها. وقال إيلاند وكورلي ان في مقدمة المخاوف بشأن الزعامة العراقية هو رغبتها في الحصول على «أسلحة دمار شامل». والاعتقاد بأن قيامها بذلك سيكون له مضاعفات كارثية. ويقول الخبيران الأميركيان إن هذا للوهلة الأولى يبدو وكأنه سبب معقول كاف للقلق ويبدو العراق فعلا جادا في متابعة هذه الأسلحة لكن العراق لن يملك وسائل الوصول إلى الولايات المتحدة بصواريخه التي قد تشكل تهديدا إقليميا.
ويضيف الخبيران القول: ان هناك الكثير من الدول تملك أسلحة نووية وبيولوجية وكيماوية ولا تنظر إليها واشنطن على أساس أنها دول تدعو إلى القلق. فالهند وباكستان و«إسرائيل» دول نووية. ويعتقد أن لدى إيران برنامجا نوويا. واعترفت كوريا الشمالية بأن لديها قدرة لإنتاج أسلحة نووية. وطبقا لما تقوله وزارة الدفاع (البنتاغون) تشمل التهديدات القائمة والآخذة في الظهور 12 دولة لديها برامج أسلحة نووية و13 دولة لديها أسلحة بيولوجية و 16 دولة لديها أسلحة كيماوية و 28 دولة لديها صواريخ بالستية. ومع ذلك ما من دولة من هذه الدول تواجه تهديدا بالإطاحة بزعامتها.
ويتساءل الخبيران: ما الذي يجعل ادارة الرئيس الأميركي وغيرها متشائمة بشأن احتمالات استخدام العراق أسلحته ضد الولايات المتحدة. ويجيبان على ذلك بالنفي، وأشارا إلى أنه عندما كانت هناك فرصة لاستخدامها أثناء حرب العام 1991 لم يقم العراق بذلك خشية رد أميركي ساحق. فالرئيس العراقي يظل على الدوام بعيدا عن الأعمال التي تقود على الأرجح إلى إزاحته، وهناك بعض الحدود التي لا يتجاوزها لأنه يعرف أنها قد تؤدي إلى دماره السياسي.
ويصف الخبيران الأميركيان المبرر الذي تضعه ادارة بوش لغزو العراق باعتباره جزءا من الحرب على الإرهاب بأنه «ادعاء أجوف» ويقولان ان الرئيس العراقي يؤيد الجماعات المناهضة للاحتلال الإسرائيلي وللسياسة الأميركية في المنطقة ولكن معظمهم لا يركزون هجماتهم ضد أهداف أميركية. كما أن غزو العراق سيحول الأنظار عن مقاومة الإرهاب ويؤدي فعلا إلى مزيد من الأعمال «الإرهابية الانتقامية» ضد أهداف أميركية، كما سيثير حنق الإسلاميين الراديكاليين في العالم وسيكون لافتة لتجنيد عناصر لـ «القاعدة» وزعزعة أنظمة الحكم الصديقة في المنطقة، وإن الهجوم على العراق سيستغل جيدا من قبل «القاعدة». وبدلا من شن هجوم على العراق فإن ادارة بوش بحاجة إلى أن تضع كل مواردها في محاربة «العدو الموجود على الأبواب: القاعدة»
العدد 176 - الجمعة 28 فبراير 2003م الموافق 26 ذي الحجة 1423هـ