هل وصلت الولايات المتحدة في قرار الحرب على العراق إلى مرحلة اللاعودة؟ المؤشرات تدل على أن إدارة واشنطن تورطت في سياسة هجومية عالية الكلفة أنفقت حتى الآن قرابة ثلاثة مليارات دولار على الاستعداد لها وقبل أن تبدأ. وإذا بدأت فإن موازنتها المتوقعة تتراوح بين 100 و200 مليار دولار وهي كافية لتغطية نفقات الحرب لفترة لا تزيد على الأسابيع الستة. وفي حال امتدت المعارك وحصلت تطورات غير محسوبة فيرجح أن الإنفاق سيتضاعف. ويتوقع أن يصل المبلغ المهدور على القتل والتدمير وإبادة المدنيين وتحطيم المدن والقرى إلى أرقام تقدر نسبتها ما يعادل 4 في المئة من الإنتاج القومي الأميركي في دورته السنوية. وتعادل الدورة الاقتصادية الأميركية السنوية قرابة 8 آلاف مليار دولار وهي تشكل 20 في المئة من نسبة دورة الإنتاج العالمي.
والسؤال ما مصلحة أميركا في إنفاق هذه المبالغ الهائلة في حرب تستطيع تجنبها وليست مضطرة إلى خوضها، وهي تملك الإمكانات لكسبها من دون حاجة إلى كل هذا الدمار والقتل؟ فالوقائع تؤكد أن واشنطن عندها الكثير من الوسائل الأخرى التي تساعدها على احتواء الحرب من دون خوضها، وعلى تحقيق أهدافها السياسية من دون ضرورة اللجوء إلى أساليب العنف. فلماذا ربطت إدارة البيت الأبيض مصيرها ومستقبلها في «الشرق الاوسط» بفكرة الحرب في وقت تبدو المنطقة العربية مستقرة لمصلحة سياساتها؟
عادة تلجأ الدول الكبرى إلى الحروب حين تنعدم الوسائل الأخرى وتصبح الحرب هي الخيار الوحيد والمفروض بالقوة لتطويع منطقة متمردة وغير مطيعة. فالحرب تكون وسيلة قهرية لتطويع قوة ترفض الخضوع أو القبول بالأمر الواقع.
هذا الأمر لا ينطبق على «الشرق الاوسط». فالمنطقة قابلة بالنفوذ الأميركي (باستثناء المشروع الإسرائيلي) وعندها الاستعداد للقبول بالوجود الأميركي وتدرك أن قواها وإمكاناتها غير كافية لمواجهة الحرب الأميركية التي هزمت «الاتحاد السوفياتي» من دون مواجهة. فالأنظمة العربية، بما فيها النظام العراقي، ليست مغامرة وعندها حسابات كثيرة غير مواجهة الولايات المتحدة. فالاصطدام مع القوة الأميركية هو آخر الأشياء التي تفكر فيها الأنظمة العربية وربما مثل هذه الفكرة لا ترد إطلاقا في ذهن رجال الأنظمة وحساباتهم المحلية والإقليمية والدولية.
بل يمكن المغامرة في التحليل السياسي والقول إن الأنظمة العربية تميل إلى التفاهم مع الاستراتيجية الأميركية أكثر من تلك الاستراتيجيات الاخرى المعروضة عليها. بل عندها القابلية للقبول بأكثر مما تريده واشنطن في حال أحسنت إدارتها التعاطي بذكاء مع زعماء الدول العربية واستخدمت تكتيكات المرونة السياسية... ولجأت إلى التوازن في قراءة المصالح العربية التي لا تتعارض مع مصالحها باستثناء الموضوع الإسرائيلي.
نعود إلى السؤال: ما مصلحة أميركا في تفجير منطقة مستقرة أصلا لمصلحتها؟ وباستثناء «إسرائيل» ما هي المكاسب الإضافية التي تستطيع تحقيقها من «شرق أوسط» استسلم منذ فترة طويلة لسياستها من دون أن تضطر إلى اللجوء للحرب؟ وماذا تريد أميركا من منطقة أعطتها أكثر مما تستحق ومستعدة لأن تعطيها المزيد من دون ضرورة لاتباع أساليب القتل والدمار؟
سؤال «لماذا الحرب» يمكن طرحه على أكثر من مستوى والحصول على أجوبة من أكثر من جهة. فهناك شركات التصنيع العسكري وتجربة أسلحة جديدة. وهناك شركات النفط والطموح للسيطرة على الاحتياطات الاستراتيجية التي تكفي حاجات أميركا لمدة مئة سنة. وهناك الصراع على النفوذ مستقبلا مع كتلة أوروبية جديدة وصاعدة. وهناك تفكيك خرائط الاستعمار القديم (الأوروبي) وإعادة رسم الجغرافيا السياسية بما يتوافق مع الطموحات الأميركية وتصور واشنطن للعالم الجديد. كل هذه الاجوبة لا تكفي للرد على سؤال «لماذا الحرب»، وما مصلحة أميركا في إحداث اضطرابات سياسية غير مضمونة النتائج في وقت يبدو أن الاستقرار الحالي في المنطقة هو في مختلف حساباته البسيطة والمركبة يأتي في مجموع نتائجه لمصلحة الاستراتيجية الأميركية وسياستها الكبرى والصغرى.
الاستقرار القائم حاليا في «الشرق الاوسط» لمصلحة أميركا بينما الاضطراب ليس مضمونا أن تكون تغييراته لمصلحتها.
نعود إلى السؤال الاول هل وصلت الولايات المتحدة في قرار الحرب إلى مرحلة اللاعودة وباتت متورطة في سياسة هجومية لا تقوى على إعادة النظر في نتائجها الكارثية ومحصلتها غير مضمونة؟ فالحرب قد لا تعطيها ما هي حاصلة عليه أصلا ومن دون معارك. فلماذا إذن الإصرار على خوضها في وقت لاتزال هناك إمكانية كبيرة لتحاشيها والالتفاف حولها؟
سؤال الحرب يمكن أن نجد جوابه في «إسرائيل» ودورها في استخدام الاستراتيجية الأميركية لمصالح وحسابات تصب في محصلتها النهائية في السياسات الإسرائيلية الخاصة في «الشرق الاوسط». أميركا ستربح الحرب إذا خاضتها. هذا الأمر لا خلاف عليه. الخلاف على من هو المستفيد الأول من نتائجها
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 175 - الخميس 27 فبراير 2003م الموافق 25 ذي الحجة 1423هـ