انعقاد القمة العربية في شرم الشيخ بمصر وفي هذا الظرف الحرج لا ينتظر منه قرار استراتيجي يؤثر على الاستعداد الأميركي لشن الحرب على العراق. فالجامعة العربية لم تعد القوة التي يخشاها الآخرون لأن دولها الأعضاء انشغلوا لسنوات كثيرة في صغار الأمور واختلفوا فيما بينهم حتى لم يعد هناك إجماع عربي على قضية من قضايا الأمة المصيرية.
اجتماع الجامعة العربية هو اجتماع لرؤساء وملوك دول متباعدة اقتصاديا وسياسيا، وتوجهاتها وتحالفاتها مع الدول غير العربية مختلفة، بل إن كثيرا منها لديه علاقة مع الدول الاجنبية أكثر جدية وقوة واستراتيجية من علاقاتها مع بعضها الآخر هذا طبعا اذا تناسينا الخلافات التي تنفجر بين فترة وأخرى مهددة بحرب بين بعض أعضائها.
جامعة الدول العربية هي آخر من يستشار في شأنها وآخر من تسأل عن ما سيتخذ بشأنها، وحالها مثل حال الدولة العثمانية في أواخر عهدها عندما كانت الدول الأوروبية تجتمع فيما بينها وتناقش مصير «رجل أوروبا المريض» بعدم حضور ذلك المريض وعدم الحاجة لاستشارته في شأنه. فالدولة العثمانية ازداد وضعها الداخلي سوءا وضاعت هويتها وانزوت على نفسها غير قادرة على تحمل مسئولياتها تجاه من يعيش في كنفها.
آنذاك كانت بريطانيا تلتقي بالعرب وتعدهم بحكم ذاتي مستقل عن «الأتراك» وشجعت العرب على الثورة ضد الحكم العثماني وعاش الضباط والمسئولون البريطانيون (مثل لورانس العرب) في البادية وفي الحواضر العربية يتوددون إلى العرب ويتحدثون لغتهم، بل إن كثيرا منهم أصبحت لديه «رومانسية» تجاه العرب. وهكذا انتهت الدولة العثمانية مع تفكك أمصارها وانقلاب العرب عليها وانقلاب الاتراك ضد نظامها، ولكن العرب لم يحصلوا على شيء مما وعدتهم به بريطانيا، بل إن هؤلاء العرب اكتفوا لاحقا بأن فلسطين ستسلم إلى اليهود وأن بلدانهم تم تقسيمها لمواقع نفوذ بين الفرنسيين والبريطانيين وتدخلت عصبة الأمم ومنحت كلا من فرنسا وبريطانيا صلاحية رعاية تلك المناطق (الانتداب) وانهارت كل أحلام العرب الذين تأثروا بالأفكار القومية والوعود التي سمعوها عن حكم ذاتي وحق تقرير المصير الخ...
تأسست الدول العربية على أنغام أحلام لدى بعض القادة العرب بأن هذه الدول يمكن أن تجتمع ضمن إرادة واحدة ولربما حالفها حظها واستطاعت توحيد قراراتها السياسية والاقتصادية، ومن ثم الاستراتيجية.
غير أن أيا من تلك الأحلام لم تتحقق حتى على مستواها الأدنى، وغدت قرارات الجامعة ضائعة من دون أمل في فاعلية أي منها، وازداد الضياع مع ازدياد الأخطار على الدول العربية ولربما انتهى دورها الفعلي بعد أن قامت دولة عضو باحتلال دولة عضو آخر قبل اثني عشر عاما. والجامعة لم يعد لها دور في حماية أمن أعضائها أو تقرير مستقبل العمل المشترك بين دولتين أو أكثر من الدول الأعضاء.
اذا لماذا الاجتماع قبيل شن الهجوم الأميركي على العراق؟
هل من أجل توحيد الصف العربي وتوجيه الطاقات باتجاه هدف معين؟ هل لهذه الدول قرار في شأنها؟ هل تستطيع أي من الدول العربية ثني الولايات المتحدة الأميركية عن قرارها البدء بالهجوم في منتصف مارس/ آذار أو بعد ذلك بقليل؟ هل تستطيع الجامعة العربية اجبار الحكومة العراقية على أي شيء؟ هل يمكن لأي دولة منها أن تتدخل لدى العراق ولدى أميركا للتوسط من أجل حل معيّن؟
هل هناك نية للتحالف مع فرنسا وألمانيا ضد القرار الأميركي بالحرب؟ هل هناك استعداد لإرسال قوات الى العراق لحفظ ماء وجه الدول العربية؟ هل يعدّ قيام الجامعة بهذا الأمر من العقل أو الجنون؟ هل ستخرج القمة بشيء غير الخطب المكررة؟ هل ستفاجئ الجامعة شعوب الدول العربية بشيء لم يكن بخلد أحد؟
هل مع كل ذلك ستهتم الولايات المتحدة باجتماع القادة العرب في شرم الشيخ؟ وهل ستخرج الدول العربية بقرار موحد للأمم المتحدة؟ هل هناك أي احتمال بوجود تأثير لاجتماع القمة على ما يجري أو سيجري في شرقنا الأوسطي؟
الأجوبة على كثير من الأسئلة مخيبة للآمال، لأن الدول العربية ليست كيانات متكاملة بل إنها «قلاع» تزداد عزلتها عن بعضها الآخر مع الأيام، وحتى الحوادث التي تزلزلت لها الدنيا لم تغير من بعد المسافة بين كل دولة عربية وأخرى.
إذا لماذا ستجتمع الدول العربية؟
لعل الأمر لا يعدو إبراء للذمة... فالدول العربية ستناشد العراق الانصياع لقرارات الأمم المتحدة وستناشد أميركا بـ «الصبر قليلا» وكأن الأمر لا يعني الدول العربية بقدر ما يعني العراق وأميركا، وكأننا نعيش في كوكب آخر بعيد عن القنابل التي ستلقى على بلاد الرافدين. وهكذا ستخرج الدول العربية من الاجتماع وهي قد أقنعت نفسها أنها أبرأت ذمتها وليحصل ما يحصل للعراق (حاليا) وغير العراق (مستقبلا)
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 175 - الخميس 27 فبراير 2003م الموافق 25 ذي الحجة 1423هـ