العدد 174 - الأربعاء 26 فبراير 2003م الموافق 24 ذي الحجة 1423هـ

العراق: الحاضر... والغائب

قمة وزراء مالية الدول السبع الكبرى

سمير صبح comments [at] alwasatnews.com

.

رسميا على الأقل، لم يكن من المفترض أن تناقش قمة وزراء مالية وحكام مصارف الدول الصناعية السبع/ الثمانية الكبرى، المنعقدة في باريس يومي الجمعة والسبت 21 و22 الجاري، ملف العراق الشائك. لكن على رغم تبايناتهم الحادة أحيانا، فإن على أصحاب القرار المالي في هذا العالم أن يتطرقوا بشكل سوي إلى القرارات الطارئة التي ينبغي اتخاذها في حال حدوث الحرب المتوقعة بين ليلة وضحاها. هذا ما حدث عمليا على رغم نفي وزير مالية فرنسا فرانسيس مير هذا الجانب خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده في ختام الاجتماعات إذ لم يتلفظ خلال مرة واحدة بكلمة «عراق»، أو أتى على ذكر وجود أزمة عالمية في الوقت الراهن، أو حتى الإشارة من قريب أو من بعيد لإمكان حدوث حرب، وعلى رغم وزن عبارات بدقة، لم يتمكن هذا الأخير من تجنب أسئلة الصحافة التي أجبرته في نهاية المطاف على الخروج عن النص المتفق عليه للمرور مرور الكرام على حال «الضبابية الجغراسياسية» التي تلف العالم في هذه المرحلة، ما فتح المجال أمام حاكم البنك المركزي البريطاني، إدي جورج للاعتراف بأن القلق المترافق مع المسألة العراقية كان محور جزء كبير من النقاشات داخل الاجتماعات.

من ناحية أخرى، كشف بعض الوزراء الحاضرين، جوانب من المباحثات المتعلقة بالاتفاق على السياسة الموحدة لدعم النمو الاقتصادي العالمي التي كانت تشكل إحدى نقاط الخلاف الرئيسية عشية هذه القمة، ما حدا إلى تدخل الوزير الفرنسي لنفي كل ما يصدر جانبا وخارج البيان الختامي، مؤكدا أنه ليست هناك خطط سرية اعتمدت، إلا أنه، في المقابل، تم التفاهم على إعداد سيناريوهات مختلفة توضع موضع التنفيذ، وبسرعة، عندما تقتضي الظروف والحاجة. وإذا كان حاكم المصرف المركزي البريطاني أراد إحراج زميله الفرنسي بالعودة إلى الحديث عن الخيارات المعتمدة في حال حصول تطور ما على صعيد الأزمة العراقية، إلا أن هذا الأخير حسم الموقف بجملة مفيدة: «ليس هنالك مشكلة لتدفق النفط في المدى المنظور».

وفي محاولة لإضفاء جو من التفاؤل النسبي، تعهد وزراء مالية الدول الأكثر غنى في العالم (ألمانيا، كندا، الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا واليابان) بالعمل على تنشيط اقتصاداتها وإرساء الثقة داخل النظام الرأسمالي، حتى ولو كانت الخيارات والتوجهات مختلفة للوصول إلى تحقيق هذا الهدف.

من جهته، دافع وزير الخزانة الأميركي الجديد جون سنو عن خطة الاستنهاض الاقتصادي التي اعتمدها الرئيس جورج بوش، والبالغة 647 بليون دولار، مركزا على خفض الضرائب (نقطة الخلاف الثانية على جدول أعمال القمة) على رغم عدم حصولها على الأكثرية داخل المجتمع الأميركي والتي وقف ضدها عشرة من حائزي جائزة نوبل للاقتصاد في الأسبوع الماضي، منددين بما وصلت إليه حال العجز في الموازنة الفيدرالية والبالغة 304 بلايين دولار للعام 2003، الأمر الذي وضع سنو في حالة دفاع مستمر خلال نقاش هذا البند في اجتماعات القمة.

من جهتهم، حافظ الأوروبيون على هدوء ولو مصطنع، عندما أعلنوا نية بلادهم تحسين الأداء المرن لاقتصاداتهم، ما دفع بحاكم المصرف الأوروبي ديم دوزينسبرغ إلى إبداء الاستعداد لخفض معدلات الفائدة إذا ما تطلب الوضع ذلك، ولمساعدة إدارة الولايات المتحدة على رفع بعض الضغوط التي تمارس على اقتصادها.

على رغم نية الصمود الاقتصادي هذه، لابد من الإشارة إلى أن اجتماع باريس جاء في الوقت الذي كان فيه صندوق النقد الدولي يستعد لخفض توقعاته لناحية نسبة نمو الاقتصاد العالمي المقدرة الآن بنحو 1,3 في المئة في منطقة اليورو مقابل 2,3 في المئة سبق أن تم إعلانها في الخريف الماضي.

تحضير قمة إييان

إذا كانت عملية اختبار القوة بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وفرنسا ومسانديها من جهة أخرى وصلت إلى أوجها في هذه الأيام، عشية انعقاد مجلس الأمن الذي من المقرر أن يتخذ قرارا أساسيا، إلا أن البحث عن مخارج لتجنيب العالم الرأسمالي كوارث في المستقبل القريب، تم بمنأى عن المد والجزر الحاصل. فقمة وزراء مالية الدول السبع تهدف أولا وأخيرا إلى تدوير زوايا الخلافات ما أمكن، وإيجاد قواسم مشتركة ولو بحدها الأدنى قبل اجتماع رؤساء الدول في قمة منتجع «إييان» في شهر يونيو/ حزيران المقبل. فمن اليوم وحتى هذا التاريخ تكون جملة من الأوضاع اتضحت ميدانيا، إذا لم تكن حسمت سلبا وإيجابا. إلا أنه في تلك الحالتين، يجب ألا تنعكس النتائج ضدا على اقتصادات العالم الرأسمالي وتعوق معدلات نموه وتضاعف من أزمات أسواقه المالية ومؤشراته كما هو حاصل منذ عدة أشهر. لذلك، فالبحث المشترك عن الحلول هو السبب الرئيسي لعقد اجتماعات الدول السبع بهدف الاتفاق على الخطوط العريضة لاستراتيجية عامة تمكنهم من الإمساك بمفاصل الاقتصاد العالمي، بغض النظر عن النسب في توزيع الحصص وتقاسم النفوذ في العالم. فالذي يجمع بين الدول الأكثر غنى في العالم، أكثر مما يفرق بينها. ما يجعل تلاقيها المصلحي حتميا، وخصوصا في الظروف كالتي تمر بها اليوم. وأية مراهنة على غير هذا الواقع تدل على قصر نظر وقلة فهم للمعطيات الجغراستراتيجية العالمية.

والدليل على ذلك، أن مختلف الوفود المشاركة في قمة باريس هذه، قاربت شخصياتها حيال نقاط الخلاف المتعددة مثل: السياسة الدولية، بما فيها قضية العراق، وسياسة دعم النمو، والمفاوضات التجارية العالمية (الزراعة، الأدوية، تحرير الخدمات، وصناعة الفولاذ ودعمها)، وأيضا إدخال المقاييس الدولية على سير عمل وكالة تحديد وتقييم المخاطر، مثل: «ستاندرد آند بورز أو موديز»، التي تأتمر حتى الآن بأوامر الولايات المتحدة؟ كما بحثت في هوامش المرونة المتخذة حتى الآن لإعادة إطلاق الاقتصاد العالمي المتخبط والمتجه قدما نحو الركود المتوسط الأمد. في هذا الإطار، أقر وزير الخزانة الأميركي بنصائح نظرائه عن عدم وجود مصلحة لأميركا بترك عملتها تنخفض على هذا النوع الذي يؤثر في صادرات الدول الصناعية الأخرى، ودعا إلى العمل معا على تصحيح الخلل القائم في مواجهة اليورو. إذ لا يمكن أن يستمر بنك اليابان المركزي، والحال هذه، في الشراء وبكثافة غير منطقية سندات الخزينة الأميركية لاحتواء تدهور الدولار. وكان نتيجة ذلك أن أعلن سنو في باريس دعمه «لسياسة دولار قوي».

مما لا شك فيه، أن قمة «برسي» الفرنسية، بنتائجها المعلنة والسرية وضعت الخطوط العريضة لاجتماع «إييان» لرؤساء الدول السبع الذي ستقوده أيضا فرنسا. ومن بين أبرز الملفات المطروحة للبحث والتي تريد باريس «ترويجها» مسألة السيطرة على الأسواق والشركات المتعددة الجنسيات، والتي كلفت الإعداد لها الرئيس السابق للجنة العمليات في بورصة باريس ميشال برادا الذي أنهى إعداد تقريره الذي عرض بصفة أولية على وزراء المالية في نهاية الأسبوع الماضي. ومن بين النقاط التي أزعجت الأميركيين على ما يبدو مسألة التوافق على مقاييس المحاسبات الدولية وتنظيم عمل أكبر وكالات تحديد وتقييم المخاطر، الخاضعة كما ذكرنا آنفا لسيطرة السلطات الأميركية، التي باتت القاضي والحكم في هذا المجال، في الوقت الذي تشهد فيه ساحتها إفلاس عمالقة صناعاتها من دون أن تسير هذه الوكالات في سياق تحذيري سبق لما جرى وما يمكن أن يجري مستقبلا. فهذه النقطة التي تصر فرنسا على إدراجها على جدول أعمال قمة «إييان» من شأنها أن تثير زوبعة.

أما فيما يختص بالنمو الدائم وتحديد أهداف دعم التنمية العالمية ـ التي «تناضل» فرنسا وبريطانيا معا هذه المرة ـ وحصول الدول الفقيرة على الماء، أو مكافحة الإرهاب وأموال الجريمة، فقد كانت هي الأخرى من الموضوعات التي بحثت بالعمق في قمة الأسبوع الماضي. فكان نتيجة ذلك أن قررت وضع جدول زمني وآلية عمل تعرض على قمة الرؤساء في يونيو.

ضرورة الالتفاف على التباينات

ليس هنالك أدنى شك من أن القمة الأخيرة قد خصصت من حيث المبدأ للتخفيف من أزمة الثقة التي تعصف بالأسواق المالية العالمية. فالاستقرار، والإدارة الجديدة للشركات، والأسواق وأيضا معالجة نزاعات المصالح وتحديد دور وكالات تقييم المخاطر، كانت محور المباحثات التي تمت على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، والتي كانت، بحسب بعض المشاركين فيها، صعبة وشائكة. لذلك، كان لابد من تدخل القيادات السياسية في كل بلد من البلدان السبعة لتصحيح المسارات وضبط عدم الخروج عن الموضوعات والعودة للأساسيات. وتجدر الإشارة إلى أن الآليات المالية التي عصفت بروسيا وبالأسواق الناشئة الآسيوية ساعدت مسئولي المال في الدول الصناعية السبع على التقيد بجداول الأعمال المطروحة ووضع خطة مستقبلية لتفادي الوقوع في الفخ نفسه الذي وقعت فيه الدول والمناطق المذكورة. فمنذ العام 1999، ومشكلات هشاشة النظام المالي العالمي مطروحة في «ملتقى الاستقرار المالي». هذه المنظمة المنبثقة عن «مصرف التسويات الدولية»، الذي يضم سلطات الوصاية، والبنوك المركزية وممثلي أبرز الأسواق المالية، التي من المفترض فيها المساعدة على وضع تصورات مستقبلية وآليات عمل لإخراج الاقتصاد العالمي من ركوده. وإذا كان وزراء مالية الدول السبع أشاروا إلى «إصلاحات طموحة»، فإن الغوص في تفاصيل التعاون الدولي كان سطحيا. فلقد تركز الحديث في الجلسة الأخيرة على صلابة وتجانس الأنظمة المالية التي يجب أن تمر حكما بمبادئ مشتركة مثل مضاعفة احترام شروط السوق والتقيد بها، وتحسين نوعية المعلومات المالية التي تقدمها الشركات العملاقة تحديدا، وتعزيز الشفافية وفعالية الأنظمة المعمول بها حتى الآن. المهم في كل ذلك، استعادة ثقة المساهمين العالميين بعد فقدانها إثر الفضائح التي هزت الأسواق المالية بعد الإفلاسات غير المبررة لشركات من حجم «إفرون» ومنع حدوثها مستقبلا. باختصار، يمكن القول إن أبرز ما تمخض عنه اجتماع باريس هو التزام الدول السبع باتخاذ الإجراءات الملائمة في حال أثر النزاع في العراق على الاقتصاد العالمي. مع ذلك، لم تُعلن هذه الخطوات، لا

العدد 174 - الأربعاء 26 فبراير 2003م الموافق 24 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً