أكد الناطق باسم وزارة الدفاع الاميركية غاري كيك، انه تم توجيه الدعوة الى خمسمئة من الصحافيين من مؤسسات اعلامية اميركية ودولية لمرافقة القوات الاميركية وتغطية حربها في العراق، وطبقا للخبر، فإن الناطق الاميركي قال: «نريد أن نعطي فرصة للصحافة لتغطية العمليات العسكرية، على أمل أن يقدموا القصة، كما تجري على الأرض».
وتفتح الخطوة الاميركية، ملف حروب الولايات المتحدة وعلاقتها بالاعلام، وهي علاقة ملتبسة، تراوحت بين فتح الابواب للاعلام للقيام بتغطية الحوادث، أو اغلاقها، تبعا للاهداف الاميركية وللظروف المحيطة.
ففي الحرب العالمية الثانية والحرب الكورية، اخذت التغطية الاعلامية مفتوحة مداها، إذ قدمت الأميركيين وجنودهم في صورة المنتصرين، واصحاب البطولات، وخصوصا ان تلك الحرب، كانت مخرج أميركا من ركود الثلاثينات، وكله سمح للاعلام تقديم الحرب بصورة زاهية، رومانسية يخوضها أبطال حلوا محل فرسان القرون الوسطى.
وساهم ذلك في فتح بوابة توظيف الاعلام لخدمة العمليات الاميركية في الخارج، غير ان هذه القاعدة، شهدت تبدلات دراماتيكية بعد نشر صور حرب الفيتنام، وخصوصا صور جثث الجنود الشبان ومآسي القصف الأميركي، فانتهت الصورة الزاهية للحرب، وأخذت تظهر آلامها في الولايات المتحدة وخارجها، وصعدت مناهضة الرأي العام للحرب، وتدهورت معنويات الجنود، وتغيرت نظرة الادارة العسكرية إلى الاعلام، وحلت نظرة الريبة والشك محل نظرة التعاون معه.
وموقف العسكرية الاميركية من الاعلام خلال حرب الخليج الثانية 1991، كان شديد الحذر، وكان يعكس تخوفا من التغطية الاعلامية، التي لا تناسب أهداف تلك الحرب ومجرياتها، وهو امر تكرر في حرب أفغانستان، التي كانت معاركها مفتوحة على المجهول، ما عزز مخاوف المؤسسة العسكرية من ردة فعل الرأي العام الأميركي حيال اية نتائج سلبية للحرب، ويكفي التذكير بقيام القوات الاميركية بقصف مكاتب قناة «الجزيرة» في كابول خلال الحرب، ومحاولة اغلاق القناة لاحقا للدلالة على موقف العسكرية الاميركية ومخاوفها.
وواقع الحرب المحتملة على العراق، يدفع في اتجاه آخر في التعامل مع الاعلام، ويجعل وزارة الدفاع الاميركية تسعى إلى دعوة عدد كبير من وسائل الاعلام لمرافقة قواتها، لكن مع نهج انتقائي في توجيه الدعوات، وهو امر شديد الاهمية، لأنه يعني اختيار الاقرب الى السياسة الاميركية، والاكثر تعاطفا مع اطروحاتها، واستعدادا لاعطاء صورة ايجابية عن افعال القوات الاميركية وحربها في العراق، وكله يترافق مع معطيات تحيط بالحرب على العراق، وتوفر اساسا مناسبا لتبدو صورة الحرب الاميركية هناك ايجابية، واستعراضية سواء على صعيد المؤسسة العسكرية ككل، او على صعيد اظهار العسكريين الاميركيين بصفة «السوبرمان» الانقاذي، ولاسيما من ناحية القوة الخارقة اخلاقيا وبدنيا.
والحقائق الموضوعية المحيطة بالحرب الاميركية على العراق، تجعل من «الانتصار الاميركي» أمرا شديد السهولة. فالعراق بلد خاض حربين متتاليتين منذ العام 1980، دمرتا قدراته العسكرية بصورة شبه كلية، وكذلك امكاناته المادية وبناه التحتية، ولحق الضرر الشديد ببنيته السكانية سواء بفعل الحربين، او بفعل الحصار الدولي الذي فرض على العراق منذ نهاية حرب الخليج الثانية 1991، وأدى الى جوع ومرض ووفيات ملايين العراقيين وتشردهم.
ولا تقل عما سبق سلبية الدور الذي ساهم به النظام الحاكم في خراب العراق، ليس فقط بسبب قراراته ادخال العراق في «حرب تلد اخرى»، بل بما تركته تلك السياسات من دمار في روح العراقيين وقدراتهم، وتشرد منهم ملايين في شتات العالم، فيما آخرون منهم يسعون الى تقسيم العراق وتحويله الى كيانات لأقليات «قومية وطائفية».
عراق اليوم الذي تشن عليه آلة الحرب الاميركية حربها، بقايا من عراق: مقسم، وضعيف، يسوده المرض والفقر وغياب الامكانات، وتحكمه سلطة غير مسئولة، لا تتوانى عن اظهار عنتريات فارغة، عما يمكن ان تلحقه بالقوات الغازية للعراق من «خسائر».
مقابل كل ما سبق، وهو غيض من فيض الحقائق الموضوعية المحيطه بالعراق، تحشد العسكرية الاميركية أكبر قوة نارية اجتمعت في التاريخ البشري، قوة تحالفية، راكمت - ولاتزال - دعما سياسيا يستند الى القوة الطاغية للولايات المتحدة، وهذا كله يجعل العسكرية الاميركية على ثقة أكيدة بـ «انتصار ساحق» واستعراضي، تحققه في الحرب.
وحقيقة «الانتصار الساحق» في استعراضيته التي سيظهرها الاعلام في الحرب، ليست بريئة، فيها رسالة واضحة ومكشوفة للعالم مغزاها «عليكم ان تستجيبوا لاملاءاتنا، وتتصرفوا وفقا لمصالحنا» وهي رسالة سيفهمها كل بحسب امكاناته
العدد 174 - الأربعاء 26 فبراير 2003م الموافق 24 ذي الحجة 1423هـ