العدد 174 - الأربعاء 26 فبراير 2003م الموافق 24 ذي الحجة 1423هـ

فرصة عربية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حين انتهت حرب الخليج الثانية (1991) كان الوضع العربي في أسوأ حالاته. دولة عربية دمرت بنيتها التحتية تحيط بها مجموعة انقسامات سياسية من المحيط إلى الخليج. ودولة كبرى كانت تدعى الاتحاد السوفياتي انهارت وانقلبت على نفسها تتداعى وتتدحرج باتجاهات مضادة لكل استراتيجيتها الدولية التي ارتسمت خطوط تماسها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

كانت الولايات المتحدة هي المستفيدة الاولى من كل التداعيات الدولية والعربية. تأتي بعدها «اسرائيل» المستفيدة الثانية من انهيار النظام العربي وانشطاره إلى مجموعة تكتلات متفرقة وموزعة على اتجاهات متباعدة.

آنذاك كتب المستشرق برنارد لويس (المؤيد لاسرائيل) سلسلة بحوث أكدت نهاية العرب كفكرة ومشروع وجامعة. وتوقع تفكك المنظومة العربية وعدم اجتماعها من جديد على مستوى القمة أو على مستوى مجلس الوزراء. فالفكرة العربية، برأيه، مفتعلة ولا اساس لها، لا على المستوى الجغرافي ولا التاريخي ولا الاقتصادي. والمشروع العربي، برأيه، مجرد شعارات ايديولوجية صنعتها السياسة بينما الواقع يشير إلى ان الدول العربية متفرقة وبحاجة إلى مزيد من التمزيق والتشتيت حتى يستقر الوضع على عقلانية تبدأ خطوتها الاولى برفض الفكرة العربية.

كتب لويس مقالاته على وقع طبول حرب الخليج الثانية وعلى اصوات «فرقعة» تداعيات الاتحاد السوفياتي وتفكك المعسكر الاشتراكي. وتصور ذاك المستشرق ان النظام العربي يشبه في جوهره النظام السوفياتي ومنظومته الاشتراكية. فالاخير لن يعود كما كان ولن تقوم له قائمة، كذلك النظام العربي لن يعود ولن تقوم له قائمة.

الامر الثاني الذي اشار اليه لويس في مقالاته البائسة توسيع مفهوم «الشرق الاوسط» ليشمل جغرافيا تلك الدول الاسلامية المستقلة عن الاتحاد السوفياتي. فالجامعة العربية، برأيه، انتهت وقامت مكانها منظومة جديدة من الدول المحيطة بـ «اسرائيل» تمتد من البحر المتوسط إلى بحر قزوين. وهذه المنظومة خطيرة، برأي لويس، وعلى الولايات المتحدة العمل على احتواء مخاطرها بدعم الديمقراطية. والديمقراطية تعني برأي ذاك المستشرق «اسرائيل». فهي الدولة الديمقراطية الوحيدة في «الشرق الاوسط» لان شعبها مستورد من اوروبا. فـ «اسرائيل» ديمقراطية برأي لويس لان تركيبها السكاني ليس من «الشرق الاوسط». واذا كانت الولايات المتحدة تريد ضمان أمنها واستقرار المنطقة فعليها برأي لويس دعم «اسرائيل» وتعزيز أمنها العسكري (بتسليحها) ودورها السياسي (بتوسيع نفوذها ليشمل الشرق الاوسط كله) وتحسين علاقاتها الخاصة مع تركيا الاتاتوركية (الدولة الديمقراطية الثانية في المنطقة برأي المستشرق).

نحن الآن في العام 2003 والدول العربية تستعد لعقد قمتها عشية حشد الجيوش لبدء حرب الخليج الثالثة. والوضع العربي ليس سيئا إلى الدرجة التي وصفها «المستشرق» الا انه يمكن ان يتدهور إلى ما دون مستوى 1991 اذا لم تتجمع الدول العربية وتتفق على مواقف الحد الادنى المشتركة التي تمنع انهيار «النظام العربي» واستبداله بنظام «الشرق الاوسط الجديد» تكون فيه «اسرائيل» هي الدولة القاطرة (القائدة) للدول العربية.

عمليا لم تثمر نصائح لويس وامنياته ولم تتحقق كل توقعاته... الا ان تأخر استنتاجاته لا يعني انه لم يدرك بعضها، وفي طليعتها حماية دور «اسرائيل» الاقليمي وتعزيز نفوذها في اجهزة الادارة الاميركية.

في العام 1991 تخوف انصار «اسرائيل» في الادارة الاميركية وجامعاتها ودوائر البحوث والمعاهد ان تلجأ واشنطن إلى سياسة متوازنة بعد ان نجحت الولايات المتحدة في تثبيت وجودها العسكري في المنطقة. وتخوف انصار «اسرائيل» ان تستغني اميركا عن وكالة «اسرائيل» الاقليمية في «الشرق الاوسط»... فلجأ هؤلاء إلى ترويج فكرة «الشرق الاوسط الجديد» لحماية الوكالة الاسرائيلية من التراجع.

عمليا تراجعت الوكالة الاسرائيلية وتحولت «اسرائيل» من وكيل اقليمي يعتمد عليه في المهمات العسكرية إلى حليف اقليمي سياسي يراهن عليه في صنع مستقبل «الشرق الاوسط الجديد».

الولايات المتحدة استغنت عن حاجتها العسكرية لـ «اسرائيل» بعد انتهاء فترة «الحرب الباردة» ونجاحها في استغلال «أزمة الكويت» في العام 1990 لارسال جيوشها إلى المكان الذي كانت تخطط له منذ فترة طويلة. الا ان واشنطن لاتزال تراهن على دور سياسي لحليفها الاستراتيجي في منطقة «الشرق الاوسط» في فترة تكون فيها الدول العربية مشتتة المصالح لا تعرف ماذا تقول وماذا تريد وكيف تتجة؟

الآن تلتقي الدول العربية وتجتمع في مصر لتدارك أزمة خطيرة يطلق عليها «ازمة العراق». فهل تنجح في التقاط اتجاه الرياح ام ان الفرصة ستضيع في العام 2003 كما ضاعت في العام 1991؟

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 174 - الأربعاء 26 فبراير 2003م الموافق 24 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً